“الكدالو” احدى قرى ولاية النيل الأزرق، وهي منطقة حدودية مع الجارة اثيوبيا، تقع شرق محلية الروصيرص وتبعد عنها 20 كيلومتراً، ومن المناطق التي تأثرت بالحرب وعانى سكانها من التشرد واللجوء والنزوح الى اثيوبيا. يعاني سكان هذه المنطقة من عدة أمراض، الرجال مصابون بمرض الفتاق والنساء من مرض الغدة الدرقية. حاولنا من خلال التحقيق استعراض نماذج من المصابين، وحاولنا تقصي أسباب الظاهرة مع اهل الاختصاص .. مدخل: “الكدالو” من خلال جلوسنا مع مواطنيها لمسنا معاناة المنطقة التي تتمثل في الفقر والجهل والمرض، فقد كانت ملابسهم رثة بالية أغلبهم أميون لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، يعملون في المهن الهامشية، الثقافة الصحية معدومة لديهم تماماً، أغلبهم لم يقابل طبيباً في حياته ولا يعرف شيئاً عن المرض الذي يعاني منه، يعتمدون في العلاج على الطرق البدائية “الكي بالنار واللجوء الى الكجور”.. حكاية المرض: جلسنا مع عدد من المصابين ليروا لنا حكايتهم مع المرض، حيث التقينا مستورة حميدان وعمرها 40 عاماً تسكن “مينزا” من مناطق “الكدالو” أخبرتنا بأنها أصيبت بمرض الغدة الدرقية في عام 87 وأخذت علاجاً في ذلك الوقت ولكنها لم تواصل، وأخبرتنا أنها تعمل بالزراعة. أما زينة موسى البالغة من العمر 32 عاماً وتسكن “مينزا” أيضاً فكانت حالتها متأخرة، فقد بدات غدتها متضخمة جداً ويبدو عليها أثر الكي بالنار، أخبرتنا بأنها تعمل بالزراعة، لم تأخذ أي علاج ولم تقابل أي طبيب في حياتها. وكذلك كلتوم ابراهيم أخبرتنا بأنها مصابة بالمرض منذ 14 عاماً وتعمل بالرعي لم تتلق علاجاً ولم تقابل طبيباً. ذات الحالة انطبقت على رابحة قسوم تبلغ من العمر 25 عاماً تعمل بالزراعة لا تدري تاريخ اصابتها بالمرض ولا تذكر انها تلقت علاجاً أو قابلت طبيباً في حياتها. أعمال شاقة: أما الرجال، فقد كانت لهم قصة مع مرض آخر، فأغلبهم يعاني من مرض الغلا المائية “الفتاق” ومنهم خميس محمد واتسين عبد الماجد ونصر الدين محمد وجميعهم يعمل بأعمال العتالة والأعمال الشاقة وذكروا أنهم لم يتلقوا علاجاً أو يقابلوا طبيباً في حياتهم. المساعد الطبي بالمنطقة عباس أبكر أوضح لنا أن أهالي المنطقة يعانون من عدة أمراض الغدد الدرقية لدى النساء والغلا المائية عند الرجال، أرجعها الى الفقر الكائن بالمنطقة والذي يؤدي الى الجهل والمرض، اضافة الى الوضع البيئي السيئ بالمنطقة والطرق البدائية التي يستخرج بها مياه الشرب، حيث تشرب المنطقة من مياه الكرجاكات وهي الالات تضخ بها المياه من الآبار وتفتقر الى مادة اليود مما يسبب المرض، اضافة الى غياب الثقافة الصحية بسبب عدم وجود خدمات التعليم بالمنطقة. أصل الداء: قصدنا أهل التخصص لنتعرف على الداء عن قرب، فأخبرنا د. الفاضل: ان الغدد تتكون من نوعين، نشطة أو خاملة ومعظمها غدد خاملة وهي غدد مختصة بالتحول الغذائي، تفرز هرمونات تؤثر على معظم أجزاء الجسم من خلال هرمون محدد، تأتي الاصابة من نقص في مادة اليود. وقرية (الكدالو) يشرب سكانها من الكرجاكات وهي عبارة عن مضخة للمياه من البئر، وفي العادة مثل هذه المياه ينقص فيها اليود، وقد يرجع المرض لتلوث البيئة بالمنطقة على حسب كتاب “مسار الأسراب”، وهذه الأمراض تعتبر من الأمراض المستوطنة بالمنطقة وتحتاج الى أخذ التحوطات اللازمة والنقص حول الظاهرة، اذ تكمن خطورتها في أنها تتحول الى أورام خبيثة، اضافة الى أنها لو بقيت نشطة تؤثر على وظائف الجسم وتسبب الضغط وضربات القلب وبروز في العين وعرق كثيف. يواصل د. الفاضل حديثه قائلاً: بالنسبة للفتاق تأتي الإصابة عن ضعف عضلة البطن وتأتي نتيجة للأعمال الشاقة، وهذا المرض منتشر في السودان بصورة ملفتة للنظر، نوصي بضرورة استراتيجيات لمعالجة الأوضاع الصحية بالريف، اذ للفتاق خطورة على حياة الإنسان، فاذا حدث التواء والتهاب حاد يؤدي الى الوفاة. استشاري الباطنية وأمراض الشيخوخة د. عبد الناصر محمدين أرجع سبب هذا المرض الى نقص في الايودين في الماء أو الغذاء والذي يؤدي الى عدة أعراض منها صعوبة في البلع والتنفس، اضافة الى ما تحدثه من مشاكل في الناحية الجمالية، وقد تؤدي الى ازدياد وانخفاض في نشاط الغدة والذي يسبب مشاكل صحية، واذا لم يعالج يؤدي الى هبوط في القلب. ومثل هذه الحالات تحتاج الى تقيم لمعرفة وظائف الغدة الدرقية نشطة ام خاملة ويتم علاجها بناء على عمل مسح للناحية الغذائية للمنطقة من قسم التغذية بالوزارة لمعرفة أسباب نقص الايودين.. هل هو في الماء أم ناتج من السلوك الغذائي؟. حلول ومعالجات: معتمد محلية الروصيرص العميد محمد يونس حدثنا عن قرية “الكدالو” قائلاً: هي منطقة حدودية مع اثيوبيا، تقع شرق محلية الروصيرص وهي من المناطق المتأثرة بالحرب الأهلية مما تسبب في لجوء معظم سكانها الى اثيوبيا. وبعد اتفاقية السلام في عام 2005 تم ترحيلهم من اثيوبيا الى مناطقهم الأصلية. يواصل يونس حديثه قائلاً المنطقة تعاني من شح في المياه والغذاءات والخدمات الطبية، حيث يعاني المواطن من أمراض الغدة الدرقية والهيرفيا وبعض الأمراض الأخرى بالنسبة للحالات الحرجة، قامت المحلية باحضار عدد 36 من المرضى أبان زيارة القاقلة الطبية وتم حجزهم بالمستشفى لاجراء الفحوصات والعمليات الجراحية بتكلفة من المعتمدية.