د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير ( حريات ) عن ندوة الإسلاميين ونظام الحكم الديمقراطي , اكاديميون : برنامج الحركة الإسلامية في السودان فشل فشلاً شاملاً
نشر في حريات يوم 07 - 10 - 2012

أفتتح صباح أمس السبت 6/10 بفندق شيراتون الدوحة بقطر مؤتمر: الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي… تجارب واتجاهات, الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يتخذ الدوحة مقراً له.
ويناقش المؤتمر الذي يشارك فيه ثمانون أكاديميا من أنحاء العالم, على مدى ثلاثة أيام فرص الديمقراطية في المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي. وقد خصص المؤتمر أولى جلساته الستة عشر لمناقشة تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان بأوراق بحثية قدمها كل من د. عبد الوهاب الأفندي, ود. الطيب زين العابدين, وشمس الدين ضوالبيت, ود. المحبوب عبد السلام وعقب عليها د. غازي صلاح الدين وحضر الجلسة د. حسن الترابي وعدد كبير من السودانيين المقيمين بقطر.
وقد عدد شمس الدين ضوالبيت في ورقته بعنوان: تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان: تطبيق الشريعة في فضاء متعدد, نماذج من عشر ظواهر إشكالية أفرزها تطبيق برنامج الحركة الإسلامية في السودان. فقال إن أحد هذه الظواهر هو أن برنامج الحركة الإسلامية عانى ولا زال يعاني غربة تاريخية مبدئية مع الإطار الحضاري المعاصر للسودانيين, فالشعب السوداني سبق شعوب المنطقة وثورات الربيع العربي بانتفاضتين تطلع بهما إلى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة لكن تركيز برنامج الحركة الإسلامية كان في المقابل على تطبيق شريعة خالية من هذه القيم…كما أن بعضاً من عناصر ومكونات برنامج الحركة الإسلامية تعارض تعارضاً بنيوياً مع حقوق الإنسان. فبرنامج الحركة الإسلامية يعتمد لائحة عقوبات تعود لأكثر من 1400 عام مضت. ترتب على تطبيق هذه اللائحة والذهنية المرتبطة بها انتهاكات جسيمة ومتواصلة حتى هذه اللحظة لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية صدرت بها عشرات الإدانات لسجل حقوق الإنسان من الهيئات الدولية, ومنها أيضاً العنف الهيكلي الذي تضمنه البرنامج… والناتج من أن طبيعة برنامج الحركة الإسلامية هي طبيعة انصهارية آحادية يسعى بها لصهر كافة مكونات المجتمع السوداني المتعدد في قالب عربي إسلامي. بينما تتطلع هذه المكونات إلى التعبير عن ذاتها وعن فرادتها . فقاد هذان الإتجهان المتعارضان إلى احتكاكات متواصلة وإلى تفشي العنف في المجتمع السوداني بحيث أصبح هو السمة الأساسية والغالبة الآن. وقال إن هناك إتفاقاً يكاد يكون عاماً بين السودانيين على أن برنامج الحركة الإسلامية فشل فشلاً شاملاً, لا ينكر ذلك إلا مجموعة الأفراد الممسكين بالسلطة. بحيث أصبح السؤال ليس هو ما إذا كان برنامج الحركة الإسلامية قد فشل أم لا وإنما هو لماذا فشل برنامج الحركة الإسلامية حتى لا تتكرر الأخطاء, خاصة وأن ما تبقى من الحركة الإسلامية في السلطة يعد اصيغة أكثر تششداً من ذات الدواء الذي فشل. وفي إشارة لما نقل عن الأمين العام السابق للحركة الإسلامية السودانية من أنه قال إن السودانيين لم يكونوا جاهزين للتغيير وإنه اتضح أن السودان لا يعدو أن يكون “رقعة جغرافية لا ترقى لأن يكون وطن لا يجمع بين أهلها إلا لون بشرتهم” قال شمس الدين ضوالبيت إن السودان كان دولة واعدة عندما استلم الإسلاميون الحكم, فإن أصبح مجرد رقعة جغرافية لا يجمع بين أهلها إلا لونهم فإن ذلك نتيجة لربع قرن من برنامج الحركة الإسلامية وليس سابق له. وقال د. عبد الوهاب الأفندي رداً على د. غازي صلاح الدين الذي قال إن السودان ينتظره مستقبل مشرق, قال إن على الإسلاميين أن يعترفوا أن برنامجهم فشل فشلاً كارثياً في السودان, وليس مجرد الفشل العادي الذي يمكن تجاوزه. فقد ترتب عليه انفصال جزء من السودان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانهيار البناء الاجتماعي للسودانين. وقدم د. حسن الترابي مساء أمس السبت جلسة مصارحة بعنوان: تجربتي الإسلامية بين الفكر والسياسة, كما تُعقد مساء اليوم جلسة نقاشية يتحدث فيها غازي صلاح الدين ويعقب عليه شمس الدين ضوالبيت.
( وفي ما يلي ملخص لورقة شمس الدين ضوالبيت )
بسم الله الرحمن الرحيم
التحية
أود في البداية أن أحي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على إتاحته هذه الفرصة للتداول حول الإسلاميين ومصائر الديمقراطية بعد ثورات الربيع العربي,
أحي المركز على وجه الخصوص على هذه الجلسة حول تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان.
التجربة لم تناقش
في الحقيقة لقد استوقفني أن الندوات والمؤتمرات التي شاركت فيها حول وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد ثورات الربيع العربي لم تناقش أو لم تعط الإهتمام الكافي لمناقشة تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان, على الرغم من أنها تجربة عملية من لحم ودم..
المسئولية الأخلاقية
وللأمانة لاعلم لي إذا كانت الحركات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في بلدان الربيع قد درست الحالة السودانية في قنواتها الحزبية الخاصة أم لا,
في حالة أنها لم تفعل فإنني أرى أن المسئولية الأخلاقية لهذه الحركات تجاه شعوبها تتطلب منها أن تدرس الحالة السودانية لترى من خلالها الآثار التي تركها برنامج الحركة الإسلامية السودانية على أرض الواقع,
الزاد الفكري المشترك
لأن الزاد الفكري لهذه الحركات هو زاد مشترك مع الحركة الإسلامية السودانية. فجميعها قد نشأت – كما نعلم – على أفكار وكتابات حسن البنا وعبد القادر عودة وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب ويوسف القرضاوي وراشد الغنوشي وحسن الترابي.. وهذه هي مرجعيات برنامج الحركة الإسلامية الذي طبقته في السودان.
الحركة طبقت المنهج بجدية وصرامة
حددت الحركة الإسلامية السودانية أهداف برنامجها لحكم السودان على أنها سيادة الإسلام عقيدة وشريعة من خلال أسلمة الدولة والمجتمع
ولكن تركيز البرنامج جاء على أسلمة الدولة لأن المجتمع السوداني مسلم في غالبيته منذ قرون
وقد طبقت الحركة الإسلامية برنامج أسلمة الدولة والمجتمع بكل جدية وصرامة طوال السنوات الثلاث وعشرين الماضية
الآن بعد هذه الفترة الطويلة أصبح من المشروع أن نسأل أنفسنا ونسائل الحركة الإسلامية السودانية ماذا كانت النتائج على الأرض
يرصد هذا البحث الذي بين أيديكم عشر ظواهر إشكالية رئيسية أفرزها تطبيق برنامج الحركة الإسلامية في السودان (بالطبع لن يكفي الزمن لاستعراضها جميعاً ولكنني سأذكر بعضاً منها)..
من هذه الظواهر
عانى البرنامج ولا زال يعاني غربة تاريخية مبدئية بالمقارنة مع الإطار الحضاري المعاصر للسودانيين..
فالشعب السوداني سبق شعوب المنطقة وثورات الربيع العربي بانتفاضتين تطلع بهما إلى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة..
لكن تركيز برنامج الحركة الإسلامية كان في المقابل على تطبيق شريعة خالية من هذه القيم… هذه واحدة من الظواهر الإشكالية
ومنها أن
أطلق برنامج الحركة عملية استدعاء لقضايا وأولويات العهد الإسلامي الأول, لتكون هي ذاتها قضايا وأولويات المجتمع السوداني المعاصر..
أن بعضاً من عناصر ومكونات برنامج الحركة الإسلامية تتعارض تعارضاً بنيوياً مع حقوق الإنسان. فبرنامج الحركة الإسلامية يعتمد لائحة عقوبات تعود لأكثر من 1400 عام مضت..
ترتب على تطبيق هذه اللائحة والذهنية المرتبطة بها انتهاكات جسيمة ومتواصلة حتى هذه اللحظة لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية صدرت بها عشرات الإدانات لسجل حقوق الإنسان من الهيئات الدولية
أن عمليات التأصيل والأسلمة أطلقت ما يمكن تسميته بدينامية تسابق سلفي, لأنها حولت أداة الحوار الوطني والسياسي العام إلى الحجة الدينية بدلاً من المنطق المدني. فأصبحت الحجة الدينية هي حجة التنافس السياسي والحوار الوطني العام,
منها أيضاً العنف الهيكلي الذي تضمنه البرنامج… والناتج من أن طبيعة برنامج الحركة هي طبيعة انصهارية آحادية يسعى بها لصهر كافة مكونات المجتمع السوداني المتعدد في قالب عربي إسلامي. بينما تتطلع مكونات المجتمع السوداني المركب إلى التعبير عن الذات والفرادة . فقاد هذان الإتجهان المتعارضان إلى احتكاكات متواصلة وإلى تفشي العنف في المجتمع السوداني بحيث أصبح هو السمة الأساسية والغالبة الآن
وبالإجمال غابت قيم الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة غياباً بنيوياً في برنامج وممارسات الحركة الإسلامية طوال فترة حكمها التي قاربت ربع قرن الآن. ومعروف أن هذه القيم هي قيم ضرورية لإدارة التنوع الثقافي والديني والإثني في أي مجتمع.
علامات فشل
من الواضح أن هذه الظواهر الإشكالية هي جميعاً علامات فشل. والواقع أن هناك اتفاق يكاد يكون عاماً بين السودانيين الآن أن مشروع الحركة الإسلامية قد فشل فشلاً شاملاً في السودان, لا ينكر ذلك إلا مجموعة الأفراد الممسكين بالسلطة, وهذا مفهوم لأن الاعتراف بالفشل بالنسبة لهؤلاء ستترتب عليه استحقاقات هم غير مستعدين لدفعها.
معايير الفشل
ولا ينطلق الحديث عن الفشل هنا من معايير المعارضين فحسب, وإنما من معايير الحركة الإسلامية نفسها.
فالحركة الإسلامية قالت في برنامجها الذي استولت به على السلطة في السودان إنها تهدف لسيادة الإسلام عقيدة وشريعة لأن ذلك هو السبيل الوحيد ل(حفظ وحدة السودان من التمزق والانشطار وللنهوض به نحو التنمية والرفاهية), كما جاء في وثائقها التأسيسية.
لم يحفظ وحدة السودان من التمزق والإنشطار
والآن بعد انفصال الجنوب واشتعال الحروب في دارفور وجبال النوبة وشرق السودان والنيل الازرق, وارتفاع اصوات جديدة تطالب بحق تقرير المصير فلا يمكن الحديث عن (حفظ وحدة السودان من التمزق والانشطار).
فيما يتعلق بالاقتصاد صحيح أنه تحققت بعض الانجازات في مجال الكهرباء والطرق وطفرة في مجال الاتصالات وتوسع في التعليم الجامعي إلا أنه لا يمكن الحديث عن نهضة أو رفاهية لأنه في المقابل قد انهارت أهم القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية في البلاد مثل مشروع الجزيرة.
السؤال لم يعد ما إذا كان قد فشل…
لذلك فإن السؤال لم يعد الآن ما إذا كان مشروع الحركة الإسلامية في السودان قد فشل أم لا, وإنما صار السؤال هو لماذا فشل مشروع الحركة الإسلامية في السودان؟
هذا هو السؤال الأهم الآن.
إذا كان هدف المؤتمر: تعزيز فرص الديمقراطية
وفي اعتقادي أنه إذا كان هدف هذا المؤتمر هو تعزيز فرص الديمقراطية في السودان وفي المنطقة عامة بعد ثورات الربيع العربي, فإن أفضل وسيلة لذلك هي الإجابة العلمية على هذا السؤال. لماذا فشل برنامج الحركة الإسلامية في السودان؟
لماذا فشل مشروع الحركة الإسلامية في السودان؟
الإسلاميون يقدمون أسباباً مختلفة
بعض الإسلاميين السودانيين يقولون إن السبب في فشل البرنامج هو أنه جاء بانقلاب عسكري, وقد حدد ذلك مساره وهزم أهدافه حتى قبل أن يبدأ.
آخرون يقولون إن السبب في فشل البرنامج هو إنقسام الحركة وحرمان البرنامج بذلك من علم وخبرة آبائه المؤسسين
كذلك سمعنا مؤخراً من يقول إن السودان دولة ومجتمع لم يكن مؤهلاً لمثل هذا المشروع الطموح لأنه “رقعة جغرافية لا ترقى إلى وطن أكثر ما يجمع مكوناتها هو لون أهلها”
جميع هذه المقولات هي أقرب إلى أن تكون محاولات لتبرير فشل البرنامج أكثر منها أن تكون أسباباً صادرة عن دراسات جادة, لأنها لا تصمد عند الفحص والتدقيق.
الحديث عن الدولة
الحديث عن الدولة, مثلاً, يريد إلقاء اللوم على الشعب السوداني. لقد كانت الدولة السودانية دولة واعدة عندما استولى الإسلاميون على السلطة.
علماء الإناسة
علماء الإناسة يقولون إن الحكومات والسلطات المركزية نشأت أول ما نشأت في التاريخ الإنساني لإدارة منشآت الري.
وفي السودان يوجد أكبر مشروع مروي تحت إدارة واحدة على مستوى العالم. وكانت به آلاف الكيلومترات من خطوط السكك الحديدية هي ثالث خطوط حديدية أنشئت في القارة, وواحدة من أفضل أنظمة الخدمة المدنية في القارة, ونظام تعليمي لا بأس به..إلخ
إتفاق الميرغني قرنق
وعندما استولت الحركة الإسلامية على السلطة كان السودانيون في الشمال والجنوب قد توصلوا إلى إتفاق لوضع السلاح والجلوس للتفاوض حول إدارة التنوع في بلادهم, ولم يتضمن ذلك الإتفاق حتى مجرد إشارة للإنفصال أو لتقرير المصير
باختصار كان السودان واحداً من أفضل دول القارة جنوب الصحراء, ومعظم هذه الدول تجاوزت حروبها ووجدت طريقها إلى التنمية بل وإلى الديمقراطية.
إذا كان السودان قد تحول إلى رقعة جغرافية…. فإن ذلك تابع لبرنامج الحركة الإسلامية وليس سابق له
لا يصمد أيضاً السببان الأولان بخصوص الانقلاب وإبعاد القيادة التاريخية عند الفحص والتدقيق
الذين يقدمون الانقلاب أو إنقسام الحركة الإسلامية على أنها السبب في فشل المشروع يتجاهلون أمراً غاية في الأهمية: هو مؤسسية الحركة الإسلامية:
الحركة الإسلامية تنظيم مؤسسي من الطراز الأول
فمهما حدث لبرنامج الحركة الإسلامية السودانية إلا أن لا أحد يستطيع أن ينكر أنها تنظيم مؤسسي من الطراز الأول.
وكما قال أحد قادة الحركة بحق بدت الحركة الإسلامية عشية استيلائها على السلطة أفضل طرحاً وتنظيماً من الدولة السودانية ذاتها.
فهي أكبر تجمع للمثقفين والمتعلمين السودانيين, وحظيت بقيادة جيدة, وموارد مالية هائلة توفرت للتنظيم من الثروات النفطية في الخليج,
إذن فقد توفرت للمشروع كافة الإمكانات المطلوبة
افضل العقول السودانية تنظيم جيد بقيادة محنكة. موارد ضخمة من تحالفاته في الخليج, أجهزة وموارد الدولة السودانية, ودعم التنظيم الدولي للأحوان المسلمين
ومع ذلك فشل المشروع مما يدل على أن الخطأ ليس في قلة الإمكانات وإنما في المشروع نفسه
والحقيقة أن الخطأ هو في منهج المشروع
قام مشروع الحركة على إعادة الإنتاج
فالمنهج الذي تبنته الحركة الإسلامية لبناء الدولة والمجتمع يقوم على إعادة انتاج نظام الدولة والمجتمع في العهد الإسلامي الأول. ثم إنتظار النجاحات التي حققها ذلك البرنامج
وهذا مستحيل عقلاً وعلماً ومنطقاً, ومستحيل بالتجربة الإنسانية
لا يمكن أن تؤدي إعادة أنتاج برنامج مضت عليه 1400 عام إلي ذات النتائج
وتجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان قد أكدت ذلك بالبرهان العملي مرة أخرى.
السبب الذي تقدمه السلفية
السبب الذي تقدمه الحركة الإسلامية والحركات السلفية بصورة عامة لتبني هذا المنهج هو أنه المنهج الذي أقام به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون المجتمع الإسلامي الأول .. بكل النجاحات التي حققها..
إلا أن الدراسة المدققة لمنهج وفلسفة التشريع في ذلك العهد وهو المنهج الذي ظهرت خصائصه بصورة أوضح في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه تكشف أن هذا غير صحيح أيضاً,
الخليفة عمر رضي الله عنه عدل أو تجاوز أحكاماً قطعية الورود والدلالة عندما تغير الظرف التاريخي..
مما يدل على أنه لم يكن يعيد تطبيق الأحكام مهما كان الظرف, وإنما يعتمد منهجاً آخر
المنهج الذي كان يطبقه الخليفة عمر كما اتضح من طريقته في إدارة الدولة والمجتمع هو المنهج الذي جاءت به البعثة المحمدية وأقام به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون الدولة والمجتمع هو منهج “الكتاب والحكمة” وكما يحدثنا بذلك القرآن الكريم.
فبدءاً من الآية 129 من سورة البقرة التي يدعو فيها سيدنا ابراهيم لذريته (ربنا وأبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم), وعبر عشر أيات أخريات تناولت مهام البعثة المحمدية والبعثات السماوية الأخرى يكرر القرآن الكريم أن منهج الكتاب والحكمة هو منهج بناء المجتمع والدولة في الإسلام
الكتاب هو ما يكتبه ويوجبه الله تعالى على من يبعث فيهم من رسول, والحكمة هي غاية ذلك الحكم ومقصده
وبالتالي فإن منهج بناء المجتمع والدولة في الإسلام يقوم على كتاب وحكمة.. على أحكام ومقاصد.. على وسائل وغايات.
ومع كل بعثة جديدة كان الكتاب أو الأحكام أو الوسائل تتغير لتحقق الغايات والمقاصد الثابتة, لاختلاف الزمان والمكان.. هذا هو منهج بناء المجتمع والدولة في الإسلام
وهو كما هو واضح منهج تاريخي علمي..
إذا استخدمنا منهج الكتاب والحكمة للتعرف على الأركان الخمسة للدولة والمجتمع في الإسلام إنطلاقاً من الحديث النبوي الشريف بني الإسلام على خمس نجد أن هذه الأركان هي الكرامة والقوة والعدل والعلم والسلام.. وهي كما ترون قيم إنسانية عامة
يترتب على ذلك أن أفضل وسيلة لتحقيق هذه القيم اليوم هي منظومة حقوق الإنسان كما طورتها التجربة الإنسانية الواعية وفصلتها العهود والمواثيق الدولية.
مضافاً إليها المحرمات الإسلامية, التي هي الإضافة الإسلامية للكرامة الإنسانية,
إذا أردنا عقد مقارنة تقريبية معاصرة لفعالية المنهجين في نظام الحكم والتنمية فهي المقارنة بين منهج حزب العدالة والتنمية في حكم تركيا ومنهج الحركة الإسلامية في حكم السودان..
حزب التنمية والعدالة يسعى لتحقيق الغايات الإسلامية الكبرى… بينما سعت الحركة الإسلامية لإعادة تطبيق الأحكام, ويمكننا مقارنة النتائج
هذا طبعاً مع الإقرار بأن حزب العدالة والتنمية لم يقل إنه يطبق منهج الكتاب والحكمة وإنما وجد عناصر من المنهج قائمة في نظام الحكم من فترة سابقة, ويأتي إسهامه في أنه تبناها واعترف بها وأعطاها هوية إسلامية
أود أن أختتم حديثي بنتيجتين رئيسيتين لتجربة الحركة اإسلامية في الحكم في السودان: أولاً أن اعتماد منهج إعادة الأنتاج كمنهج لبناء الدولة والمجتمع بتطبيق الشريعة أو جزء منها في أي مكان, سينتهي إلى ذات الظواهر الإشكالية التي رصدها البحث وإلى ذات الفشل الذي انتهت إليه تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان.
قد يكون هناك اختلاف في المقدار نسبة لخصوصيات كل مجتمع ولكن لن يكون هناك اختلاف في النوع.
اينما طبق المنهج السلفي سيكون المصير هو الفشل كما برهنت على ذلك تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان.
والثاني هو أن تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان توضح أن غرس الديمقراطية وتعزيز فرصها في السودان وفي بلدان الربيع العربي والمجتمعات العربية الإسلامية لن يكون إلا بعملية إصلاح ديني شاملة تعتمد بدلاً من منهج إعادة الإنتاج السلفي منهج الكتاب والحكمة كأساس لبناء الدولة والمجتمع .
والسلام عليكم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.