منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    وزارة الصحة تلتقي الشركة المصرية السودانية لترتيب مشروعات صحية مشتركة    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير ( حريات ) عن ندوة الإسلاميين ونظام الحكم الديمقراطي , اكاديميون : برنامج الحركة الإسلامية في السودان فشل فشلاً شاملاً
نشر في حريات يوم 07 - 10 - 2012

أفتتح صباح أمس السبت 6/10 بفندق شيراتون الدوحة بقطر مؤتمر: الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي… تجارب واتجاهات, الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يتخذ الدوحة مقراً له.
ويناقش المؤتمر الذي يشارك فيه ثمانون أكاديميا من أنحاء العالم, على مدى ثلاثة أيام فرص الديمقراطية في المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي. وقد خصص المؤتمر أولى جلساته الستة عشر لمناقشة تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان بأوراق بحثية قدمها كل من د. عبد الوهاب الأفندي, ود. الطيب زين العابدين, وشمس الدين ضوالبيت, ود. المحبوب عبد السلام وعقب عليها د. غازي صلاح الدين وحضر الجلسة د. حسن الترابي وعدد كبير من السودانيين المقيمين بقطر.
وقد عدد شمس الدين ضوالبيت في ورقته بعنوان: تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان: تطبيق الشريعة في فضاء متعدد, نماذج من عشر ظواهر إشكالية أفرزها تطبيق برنامج الحركة الإسلامية في السودان. فقال إن أحد هذه الظواهر هو أن برنامج الحركة الإسلامية عانى ولا زال يعاني غربة تاريخية مبدئية مع الإطار الحضاري المعاصر للسودانيين, فالشعب السوداني سبق شعوب المنطقة وثورات الربيع العربي بانتفاضتين تطلع بهما إلى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة لكن تركيز برنامج الحركة الإسلامية كان في المقابل على تطبيق شريعة خالية من هذه القيم…كما أن بعضاً من عناصر ومكونات برنامج الحركة الإسلامية تعارض تعارضاً بنيوياً مع حقوق الإنسان. فبرنامج الحركة الإسلامية يعتمد لائحة عقوبات تعود لأكثر من 1400 عام مضت. ترتب على تطبيق هذه اللائحة والذهنية المرتبطة بها انتهاكات جسيمة ومتواصلة حتى هذه اللحظة لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية صدرت بها عشرات الإدانات لسجل حقوق الإنسان من الهيئات الدولية, ومنها أيضاً العنف الهيكلي الذي تضمنه البرنامج… والناتج من أن طبيعة برنامج الحركة الإسلامية هي طبيعة انصهارية آحادية يسعى بها لصهر كافة مكونات المجتمع السوداني المتعدد في قالب عربي إسلامي. بينما تتطلع هذه المكونات إلى التعبير عن ذاتها وعن فرادتها . فقاد هذان الإتجهان المتعارضان إلى احتكاكات متواصلة وإلى تفشي العنف في المجتمع السوداني بحيث أصبح هو السمة الأساسية والغالبة الآن. وقال إن هناك إتفاقاً يكاد يكون عاماً بين السودانيين على أن برنامج الحركة الإسلامية فشل فشلاً شاملاً, لا ينكر ذلك إلا مجموعة الأفراد الممسكين بالسلطة. بحيث أصبح السؤال ليس هو ما إذا كان برنامج الحركة الإسلامية قد فشل أم لا وإنما هو لماذا فشل برنامج الحركة الإسلامية حتى لا تتكرر الأخطاء, خاصة وأن ما تبقى من الحركة الإسلامية في السلطة يعد اصيغة أكثر تششداً من ذات الدواء الذي فشل. وفي إشارة لما نقل عن الأمين العام السابق للحركة الإسلامية السودانية من أنه قال إن السودانيين لم يكونوا جاهزين للتغيير وإنه اتضح أن السودان لا يعدو أن يكون “رقعة جغرافية لا ترقى لأن يكون وطن لا يجمع بين أهلها إلا لون بشرتهم” قال شمس الدين ضوالبيت إن السودان كان دولة واعدة عندما استلم الإسلاميون الحكم, فإن أصبح مجرد رقعة جغرافية لا يجمع بين أهلها إلا لونهم فإن ذلك نتيجة لربع قرن من برنامج الحركة الإسلامية وليس سابق له. وقال د. عبد الوهاب الأفندي رداً على د. غازي صلاح الدين الذي قال إن السودان ينتظره مستقبل مشرق, قال إن على الإسلاميين أن يعترفوا أن برنامجهم فشل فشلاً كارثياً في السودان, وليس مجرد الفشل العادي الذي يمكن تجاوزه. فقد ترتب عليه انفصال جزء من السودان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانهيار البناء الاجتماعي للسودانين. وقدم د. حسن الترابي مساء أمس السبت جلسة مصارحة بعنوان: تجربتي الإسلامية بين الفكر والسياسة, كما تُعقد مساء اليوم جلسة نقاشية يتحدث فيها غازي صلاح الدين ويعقب عليه شمس الدين ضوالبيت.
( وفي ما يلي ملخص لورقة شمس الدين ضوالبيت )
بسم الله الرحمن الرحيم
التحية
أود في البداية أن أحي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على إتاحته هذه الفرصة للتداول حول الإسلاميين ومصائر الديمقراطية بعد ثورات الربيع العربي,
أحي المركز على وجه الخصوص على هذه الجلسة حول تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان.
التجربة لم تناقش
في الحقيقة لقد استوقفني أن الندوات والمؤتمرات التي شاركت فيها حول وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد ثورات الربيع العربي لم تناقش أو لم تعط الإهتمام الكافي لمناقشة تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان, على الرغم من أنها تجربة عملية من لحم ودم..
المسئولية الأخلاقية
وللأمانة لاعلم لي إذا كانت الحركات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في بلدان الربيع قد درست الحالة السودانية في قنواتها الحزبية الخاصة أم لا,
في حالة أنها لم تفعل فإنني أرى أن المسئولية الأخلاقية لهذه الحركات تجاه شعوبها تتطلب منها أن تدرس الحالة السودانية لترى من خلالها الآثار التي تركها برنامج الحركة الإسلامية السودانية على أرض الواقع,
الزاد الفكري المشترك
لأن الزاد الفكري لهذه الحركات هو زاد مشترك مع الحركة الإسلامية السودانية. فجميعها قد نشأت – كما نعلم – على أفكار وكتابات حسن البنا وعبد القادر عودة وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب ويوسف القرضاوي وراشد الغنوشي وحسن الترابي.. وهذه هي مرجعيات برنامج الحركة الإسلامية الذي طبقته في السودان.
الحركة طبقت المنهج بجدية وصرامة
حددت الحركة الإسلامية السودانية أهداف برنامجها لحكم السودان على أنها سيادة الإسلام عقيدة وشريعة من خلال أسلمة الدولة والمجتمع
ولكن تركيز البرنامج جاء على أسلمة الدولة لأن المجتمع السوداني مسلم في غالبيته منذ قرون
وقد طبقت الحركة الإسلامية برنامج أسلمة الدولة والمجتمع بكل جدية وصرامة طوال السنوات الثلاث وعشرين الماضية
الآن بعد هذه الفترة الطويلة أصبح من المشروع أن نسأل أنفسنا ونسائل الحركة الإسلامية السودانية ماذا كانت النتائج على الأرض
يرصد هذا البحث الذي بين أيديكم عشر ظواهر إشكالية رئيسية أفرزها تطبيق برنامج الحركة الإسلامية في السودان (بالطبع لن يكفي الزمن لاستعراضها جميعاً ولكنني سأذكر بعضاً منها)..
من هذه الظواهر
عانى البرنامج ولا زال يعاني غربة تاريخية مبدئية بالمقارنة مع الإطار الحضاري المعاصر للسودانيين..
فالشعب السوداني سبق شعوب المنطقة وثورات الربيع العربي بانتفاضتين تطلع بهما إلى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة..
لكن تركيز برنامج الحركة الإسلامية كان في المقابل على تطبيق شريعة خالية من هذه القيم… هذه واحدة من الظواهر الإشكالية
ومنها أن
أطلق برنامج الحركة عملية استدعاء لقضايا وأولويات العهد الإسلامي الأول, لتكون هي ذاتها قضايا وأولويات المجتمع السوداني المعاصر..
أن بعضاً من عناصر ومكونات برنامج الحركة الإسلامية تتعارض تعارضاً بنيوياً مع حقوق الإنسان. فبرنامج الحركة الإسلامية يعتمد لائحة عقوبات تعود لأكثر من 1400 عام مضت..
ترتب على تطبيق هذه اللائحة والذهنية المرتبطة بها انتهاكات جسيمة ومتواصلة حتى هذه اللحظة لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية صدرت بها عشرات الإدانات لسجل حقوق الإنسان من الهيئات الدولية
أن عمليات التأصيل والأسلمة أطلقت ما يمكن تسميته بدينامية تسابق سلفي, لأنها حولت أداة الحوار الوطني والسياسي العام إلى الحجة الدينية بدلاً من المنطق المدني. فأصبحت الحجة الدينية هي حجة التنافس السياسي والحوار الوطني العام,
منها أيضاً العنف الهيكلي الذي تضمنه البرنامج… والناتج من أن طبيعة برنامج الحركة هي طبيعة انصهارية آحادية يسعى بها لصهر كافة مكونات المجتمع السوداني المتعدد في قالب عربي إسلامي. بينما تتطلع مكونات المجتمع السوداني المركب إلى التعبير عن الذات والفرادة . فقاد هذان الإتجهان المتعارضان إلى احتكاكات متواصلة وإلى تفشي العنف في المجتمع السوداني بحيث أصبح هو السمة الأساسية والغالبة الآن
وبالإجمال غابت قيم الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة غياباً بنيوياً في برنامج وممارسات الحركة الإسلامية طوال فترة حكمها التي قاربت ربع قرن الآن. ومعروف أن هذه القيم هي قيم ضرورية لإدارة التنوع الثقافي والديني والإثني في أي مجتمع.
علامات فشل
من الواضح أن هذه الظواهر الإشكالية هي جميعاً علامات فشل. والواقع أن هناك اتفاق يكاد يكون عاماً بين السودانيين الآن أن مشروع الحركة الإسلامية قد فشل فشلاً شاملاً في السودان, لا ينكر ذلك إلا مجموعة الأفراد الممسكين بالسلطة, وهذا مفهوم لأن الاعتراف بالفشل بالنسبة لهؤلاء ستترتب عليه استحقاقات هم غير مستعدين لدفعها.
معايير الفشل
ولا ينطلق الحديث عن الفشل هنا من معايير المعارضين فحسب, وإنما من معايير الحركة الإسلامية نفسها.
فالحركة الإسلامية قالت في برنامجها الذي استولت به على السلطة في السودان إنها تهدف لسيادة الإسلام عقيدة وشريعة لأن ذلك هو السبيل الوحيد ل(حفظ وحدة السودان من التمزق والانشطار وللنهوض به نحو التنمية والرفاهية), كما جاء في وثائقها التأسيسية.
لم يحفظ وحدة السودان من التمزق والإنشطار
والآن بعد انفصال الجنوب واشتعال الحروب في دارفور وجبال النوبة وشرق السودان والنيل الازرق, وارتفاع اصوات جديدة تطالب بحق تقرير المصير فلا يمكن الحديث عن (حفظ وحدة السودان من التمزق والانشطار).
فيما يتعلق بالاقتصاد صحيح أنه تحققت بعض الانجازات في مجال الكهرباء والطرق وطفرة في مجال الاتصالات وتوسع في التعليم الجامعي إلا أنه لا يمكن الحديث عن نهضة أو رفاهية لأنه في المقابل قد انهارت أهم القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية في البلاد مثل مشروع الجزيرة.
السؤال لم يعد ما إذا كان قد فشل…
لذلك فإن السؤال لم يعد الآن ما إذا كان مشروع الحركة الإسلامية في السودان قد فشل أم لا, وإنما صار السؤال هو لماذا فشل مشروع الحركة الإسلامية في السودان؟
هذا هو السؤال الأهم الآن.
إذا كان هدف المؤتمر: تعزيز فرص الديمقراطية
وفي اعتقادي أنه إذا كان هدف هذا المؤتمر هو تعزيز فرص الديمقراطية في السودان وفي المنطقة عامة بعد ثورات الربيع العربي, فإن أفضل وسيلة لذلك هي الإجابة العلمية على هذا السؤال. لماذا فشل برنامج الحركة الإسلامية في السودان؟
لماذا فشل مشروع الحركة الإسلامية في السودان؟
الإسلاميون يقدمون أسباباً مختلفة
بعض الإسلاميين السودانيين يقولون إن السبب في فشل البرنامج هو أنه جاء بانقلاب عسكري, وقد حدد ذلك مساره وهزم أهدافه حتى قبل أن يبدأ.
آخرون يقولون إن السبب في فشل البرنامج هو إنقسام الحركة وحرمان البرنامج بذلك من علم وخبرة آبائه المؤسسين
كذلك سمعنا مؤخراً من يقول إن السودان دولة ومجتمع لم يكن مؤهلاً لمثل هذا المشروع الطموح لأنه “رقعة جغرافية لا ترقى إلى وطن أكثر ما يجمع مكوناتها هو لون أهلها”
جميع هذه المقولات هي أقرب إلى أن تكون محاولات لتبرير فشل البرنامج أكثر منها أن تكون أسباباً صادرة عن دراسات جادة, لأنها لا تصمد عند الفحص والتدقيق.
الحديث عن الدولة
الحديث عن الدولة, مثلاً, يريد إلقاء اللوم على الشعب السوداني. لقد كانت الدولة السودانية دولة واعدة عندما استولى الإسلاميون على السلطة.
علماء الإناسة
علماء الإناسة يقولون إن الحكومات والسلطات المركزية نشأت أول ما نشأت في التاريخ الإنساني لإدارة منشآت الري.
وفي السودان يوجد أكبر مشروع مروي تحت إدارة واحدة على مستوى العالم. وكانت به آلاف الكيلومترات من خطوط السكك الحديدية هي ثالث خطوط حديدية أنشئت في القارة, وواحدة من أفضل أنظمة الخدمة المدنية في القارة, ونظام تعليمي لا بأس به..إلخ
إتفاق الميرغني قرنق
وعندما استولت الحركة الإسلامية على السلطة كان السودانيون في الشمال والجنوب قد توصلوا إلى إتفاق لوضع السلاح والجلوس للتفاوض حول إدارة التنوع في بلادهم, ولم يتضمن ذلك الإتفاق حتى مجرد إشارة للإنفصال أو لتقرير المصير
باختصار كان السودان واحداً من أفضل دول القارة جنوب الصحراء, ومعظم هذه الدول تجاوزت حروبها ووجدت طريقها إلى التنمية بل وإلى الديمقراطية.
إذا كان السودان قد تحول إلى رقعة جغرافية…. فإن ذلك تابع لبرنامج الحركة الإسلامية وليس سابق له
لا يصمد أيضاً السببان الأولان بخصوص الانقلاب وإبعاد القيادة التاريخية عند الفحص والتدقيق
الذين يقدمون الانقلاب أو إنقسام الحركة الإسلامية على أنها السبب في فشل المشروع يتجاهلون أمراً غاية في الأهمية: هو مؤسسية الحركة الإسلامية:
الحركة الإسلامية تنظيم مؤسسي من الطراز الأول
فمهما حدث لبرنامج الحركة الإسلامية السودانية إلا أن لا أحد يستطيع أن ينكر أنها تنظيم مؤسسي من الطراز الأول.
وكما قال أحد قادة الحركة بحق بدت الحركة الإسلامية عشية استيلائها على السلطة أفضل طرحاً وتنظيماً من الدولة السودانية ذاتها.
فهي أكبر تجمع للمثقفين والمتعلمين السودانيين, وحظيت بقيادة جيدة, وموارد مالية هائلة توفرت للتنظيم من الثروات النفطية في الخليج,
إذن فقد توفرت للمشروع كافة الإمكانات المطلوبة
افضل العقول السودانية تنظيم جيد بقيادة محنكة. موارد ضخمة من تحالفاته في الخليج, أجهزة وموارد الدولة السودانية, ودعم التنظيم الدولي للأحوان المسلمين
ومع ذلك فشل المشروع مما يدل على أن الخطأ ليس في قلة الإمكانات وإنما في المشروع نفسه
والحقيقة أن الخطأ هو في منهج المشروع
قام مشروع الحركة على إعادة الإنتاج
فالمنهج الذي تبنته الحركة الإسلامية لبناء الدولة والمجتمع يقوم على إعادة انتاج نظام الدولة والمجتمع في العهد الإسلامي الأول. ثم إنتظار النجاحات التي حققها ذلك البرنامج
وهذا مستحيل عقلاً وعلماً ومنطقاً, ومستحيل بالتجربة الإنسانية
لا يمكن أن تؤدي إعادة أنتاج برنامج مضت عليه 1400 عام إلي ذات النتائج
وتجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان قد أكدت ذلك بالبرهان العملي مرة أخرى.
السبب الذي تقدمه السلفية
السبب الذي تقدمه الحركة الإسلامية والحركات السلفية بصورة عامة لتبني هذا المنهج هو أنه المنهج الذي أقام به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون المجتمع الإسلامي الأول .. بكل النجاحات التي حققها..
إلا أن الدراسة المدققة لمنهج وفلسفة التشريع في ذلك العهد وهو المنهج الذي ظهرت خصائصه بصورة أوضح في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه تكشف أن هذا غير صحيح أيضاً,
الخليفة عمر رضي الله عنه عدل أو تجاوز أحكاماً قطعية الورود والدلالة عندما تغير الظرف التاريخي..
مما يدل على أنه لم يكن يعيد تطبيق الأحكام مهما كان الظرف, وإنما يعتمد منهجاً آخر
المنهج الذي كان يطبقه الخليفة عمر كما اتضح من طريقته في إدارة الدولة والمجتمع هو المنهج الذي جاءت به البعثة المحمدية وأقام به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون الدولة والمجتمع هو منهج “الكتاب والحكمة” وكما يحدثنا بذلك القرآن الكريم.
فبدءاً من الآية 129 من سورة البقرة التي يدعو فيها سيدنا ابراهيم لذريته (ربنا وأبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم), وعبر عشر أيات أخريات تناولت مهام البعثة المحمدية والبعثات السماوية الأخرى يكرر القرآن الكريم أن منهج الكتاب والحكمة هو منهج بناء المجتمع والدولة في الإسلام
الكتاب هو ما يكتبه ويوجبه الله تعالى على من يبعث فيهم من رسول, والحكمة هي غاية ذلك الحكم ومقصده
وبالتالي فإن منهج بناء المجتمع والدولة في الإسلام يقوم على كتاب وحكمة.. على أحكام ومقاصد.. على وسائل وغايات.
ومع كل بعثة جديدة كان الكتاب أو الأحكام أو الوسائل تتغير لتحقق الغايات والمقاصد الثابتة, لاختلاف الزمان والمكان.. هذا هو منهج بناء المجتمع والدولة في الإسلام
وهو كما هو واضح منهج تاريخي علمي..
إذا استخدمنا منهج الكتاب والحكمة للتعرف على الأركان الخمسة للدولة والمجتمع في الإسلام إنطلاقاً من الحديث النبوي الشريف بني الإسلام على خمس نجد أن هذه الأركان هي الكرامة والقوة والعدل والعلم والسلام.. وهي كما ترون قيم إنسانية عامة
يترتب على ذلك أن أفضل وسيلة لتحقيق هذه القيم اليوم هي منظومة حقوق الإنسان كما طورتها التجربة الإنسانية الواعية وفصلتها العهود والمواثيق الدولية.
مضافاً إليها المحرمات الإسلامية, التي هي الإضافة الإسلامية للكرامة الإنسانية,
إذا أردنا عقد مقارنة تقريبية معاصرة لفعالية المنهجين في نظام الحكم والتنمية فهي المقارنة بين منهج حزب العدالة والتنمية في حكم تركيا ومنهج الحركة الإسلامية في حكم السودان..
حزب التنمية والعدالة يسعى لتحقيق الغايات الإسلامية الكبرى… بينما سعت الحركة الإسلامية لإعادة تطبيق الأحكام, ويمكننا مقارنة النتائج
هذا طبعاً مع الإقرار بأن حزب العدالة والتنمية لم يقل إنه يطبق منهج الكتاب والحكمة وإنما وجد عناصر من المنهج قائمة في نظام الحكم من فترة سابقة, ويأتي إسهامه في أنه تبناها واعترف بها وأعطاها هوية إسلامية
أود أن أختتم حديثي بنتيجتين رئيسيتين لتجربة الحركة اإسلامية في الحكم في السودان: أولاً أن اعتماد منهج إعادة الأنتاج كمنهج لبناء الدولة والمجتمع بتطبيق الشريعة أو جزء منها في أي مكان, سينتهي إلى ذات الظواهر الإشكالية التي رصدها البحث وإلى ذات الفشل الذي انتهت إليه تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان.
قد يكون هناك اختلاف في المقدار نسبة لخصوصيات كل مجتمع ولكن لن يكون هناك اختلاف في النوع.
اينما طبق المنهج السلفي سيكون المصير هو الفشل كما برهنت على ذلك تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان.
والثاني هو أن تجربة الحركة الإسلامية في الحكم في السودان توضح أن غرس الديمقراطية وتعزيز فرصها في السودان وفي بلدان الربيع العربي والمجتمعات العربية الإسلامية لن يكون إلا بعملية إصلاح ديني شاملة تعتمد بدلاً من منهج إعادة الإنتاج السلفي منهج الكتاب والحكمة كأساس لبناء الدولة والمجتمع .
والسلام عليكم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.