القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من كتاب “نحو اصول جديدة للفقه الاسلامي ” لمحمد شحرور
نشر في حريات يوم 14 - 10 - 2012

تعدد الزوجات من المواضيع البارزة الهامة التي أولاها الله تعالى عناية خاصة، فوضعها في أول سورة النساء من كتابه الكريم. وجاء ذكر التعددية الزوجية في الآية الثالثة من السورة، وهو الموضع الوحيد في التنزيل الذي ورد فيه ذكر المسألة. لكن المفسرين والفقهاء، كعادتهم في أغلب الأحيان، أغفلوا السياق العام الذي وردت فيه، وأغفلوا ربط مسألة تعدد الزوجات بالأرامل ذوات الأيتام.
لقد استهل تعالى سورة النساء بدعوة الناس إلى تقوى ربهم التي ختم بها سورة آل عمران السابقة، وبدعوتهم إلى صلة الأرحام التي انطلق فيها من رؤية واسعة إنسانية، وليس من رؤية أسرية أو قبلية ضيقة، إشارة إلى أن أصل خلق الناس كان من نفس واحدة، فيقول:
- يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء 1.
ثم ينتقل سبحانه إلى الحديث عن اليتامى، ليأمر الناس بإيتائهم أموالهم وعدم أكلها، فيقول:
- وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا النساء 2.
ثم يتابع الحديث عن اليتامى، آمراً الناس بنكاح ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع، في حالة واحدة حصراً هي الخوف من ألا يقسطوا في اليتامى فيقول:
- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا النساء 3.
ثم يمضي سبحانه في الآية الرابعة إلى الحديث عن صَدُقات النساء ومهورهن، وفي الآية الخامسة إلى نهي الناس عن إيتاء السفهاء أموالهم، ليعود مرة أخرى إلى اليتامى، فيقول:
- وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا النساء 6.
ولابد للمتأمل المنصف الذي يريد أن يبحث مسألة التعددية الزوجية في التنزيل الحكيم من أن ينظر في هذه الآيات، وأن يقف مدققاً أمام العلاقة السببية التي أوضحها سبحانه بين موضوع تعدد الزوجات واليتامى، ضمن هذا الإطار من السياق والسباق.
اليتيم في اللسان العربي وفي التنزيل هو القاصر دون سن البلوغ الذي فقد أباه، ومازالت أمه حية، فأما أن اليتيم هو القاصر، فقد ورد في قوله تعالى وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ النساء6. وأما أن اليتيم هو فاقد الأب فقد جاء صريحاً في قوله تعالى: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً الكهف 82. وجاء تلميحاً في قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وفي قوله وآتوا اليتامى أموالهم لأن الأب في حال وجوده هو ولي أمر ابنه اللطيم حكماً، فلا يبقى هناك مبرر يدعو الله لأن يأمر الناس بالإقساط إليه.
كل هذا يؤكد أن مدار الآيات يدور حول اليتامى فاقدي الأب. وما زالت أمهم حية أرملة. فإن قال قائل فما بال فاقد الأبوين أو اللطيم فاقد أمه؟ قلنا بموت الأب والأم تسقط التعددية، وبموت الأم وبقاء الأب تسقط التعددية أيضاً، حتى لو تزوج زوجة أخرى، ولا تدخل الزوجة الثانية في معنى التعددية الذي أشارت إليه الآية.
نحن هنا أمام أيتام فقدوا آباءهم، يريدنا تعالى ويأمرنا أن نبرَّهم ونقسط فيهم ونرعاهم وننمي لهم أموالهم وندفعها إليهم بعد أن يبلغوا
أشدهم. فكيف يتحقق ذلك؟ وهل نأخذ الأيتام القاصرين من أمهاتهم إلى بيوتنا، ونربيهم بعيداً عنها؟ هل نتردد عليهم في بيوتهم ونؤمن لهم حاجياتهم؟ يبدو الأمر وكأنه ممكن. ولكن يبقى احتمال ألا نتمكن من تنفيذ أمر الله كاملاً.
في هذه الحال، حالة الخوف من عدم النجاح بالإقساط إلى اليتامى على الوجه المطلوب وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، جاءت الآية بالحل أي بالزواج من أمهاتهم الأرامل فانكحوا ما طاب لكم من النساء والخطاب هنا موجه إلى المتزوجين من واحدة وعندهم أولاد، إذ لا محل في التعددية لعازب يتزوج أرملة واحدة عندها أولاد أيتام، بدلالة أن الآية بدأت بالاثنتين وانتهت بالأربع مثنى وثلاث ورباع.
إن الله تعالى لا يسمح فقط بالتعددية سماحاً، بل يأمر بها في الآية أمراً، لكنه يشترط لذلك شرطين: الأول أن تكون الزوجة الثانية والثالثة والرابعة أرملة ذات أولاد، والثاني أن يتحقق الخوف من عدم الإقساط إلى اليتامى، وطبيعي أن يلغى الأمر بالتعددية في حال عدم تحقق الشرطين.
أما من أين جاءت هذه الشرطية التي نذهب إليها ونقول بها، فإنها من البنية القواعدية التي صاغ تعالى قوله فيها وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع.
ونقف خاشعين أمام قوله تعالى ما طاب لكم. فحتى في حالة الأرملة ذات الأولاد التي فقدت قائد ومعيل أسرتها، وأصبحت مضطرة إلى القبول بأي خاطب يتقدم إليها، نراه تعالى يشير إلى طيب النفس والخاطر عندها، تكريماً لها ولمشاعرها، وتقديراً لمسألة الزواج من حيث المبدأ، وكان له، في ظل الظروف الاضطرارية هذه، أن يقول (فانكحوا ما شئتم من النساء) لكنه قال ما طاب لكم فتبارك الله أحكم الحاكمين.
لكن هذا التوجه الإنساني في الآية، قد يبعث الحماس في قلوب البعض فيبالغ في التماس مرضاته تعالى، وهو لايملك ما يقيم به أود أولاده وأسرته الأولى، إضافة إلى الوافدين الجدد من زوجة ثانية وأيتامها، فيقع في العول. ويصبح موزع النفس بين أولاده وبين واجبه تجاه اليتامى الوافدين، مما قد يوقعه في عدم العدل بينهم.
وجاء الحل بقوله تعالى فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا. وهنا جاء الأمر الإلهي بعدم التعددية والاكتفاء بالزوجة الأولى في حالة الخوف من العول والوقوع فيما أشرنا إليه من عدم العدل.
لقد ذهب البعض إلى أن قوله تعالى فإن خفتم ألا تعدلوا يعني عدم العدل بين الزوجات في العلاقات الزوجية، وهذا ليس عندنا بشيء، لأن السياق يحكي عن التعددية بمفهومها الاجتماعي الإنساني وليس بمفهومها الجنسي، ويدور حول اليتامى والبر بهم والقسط فيهم، ولأنه تعالى انطلق في أمره بالاكتفاء بواحدة من حيثية واضحة تماماً هي قوله ذلك أدنى ألا تعولوا أي أن الاكتفاء بالزوجة الأولى أقرب إلى أن يجنبكم الوقوع في عجز العول والإعالة.
إن الأمر بالتعددية ضمن الشروط المنصوص عليها، يحل مشكلة فادحة تجلبها الحروب على التجمعات المتحاربة، من جوانب عدة:
- وجود رجل إلى جانب الأرملة يحصنها ويحميها من الوقوع في الفاحشة.
- توفير مأوى آمن للأولاد اليتامى ينشؤون فيه.
- ضَمِنَ بقاء الأم الأرملة على رأس أولادها اليتامى تحفهم وترعاهم. وفي ذلك صيانة وحماية للأولاد من التشرد والانحراف. فمؤسسات رعاية الأيتام قد يوفر بعضها المأوى لهؤلاء الأيتام، لكن ذلك يتم بعيداً عن أمهاتهم. إلا أن هذا لايلغي ضرورة وجود مياتم ومؤسسات في المجتمع تعنى باليتامى فاقدي الأب والأم (أو اللقطاء) وهنا يأتي دور التبني.
إن من الخطورة على المجتمع من خلال العلاقات الأسرية أن نعزل مسألة التعددية اليوم عن المحور الأساسي الذي ارتكز عليه الأمر الإلهي بالتعددية، وهو محور اليتامى، ونجعل منها مسألة ترسخ الذكورية، وتطلق يد الرجل بالزواج متى شاء مثنى وثلاث ورباع، في مجتمع غير محارب يتوازن فيه تقريباً عدد الذكور بالإناث. ومن الخطورة الأكبر أن نبتدع، كما يفعل بعض فقهاء اليوم، مبررات للرجل تسوغ له الزواج بأربع تحت عناوين ركيكة حيناً، مضحكة حيناً آخر، ظالمة في كل الأحيان.
قالوا إن عدم الإنجاب يبرر للرجل الزواج من ثانية وثالثة، وكأن العقم والعقر من آفات المرأة التي لاتصيب الرجال. وقالوا إن الشبق الجنسي عند الرجل يبرر له التعددية، وغفلوا عن أن الرجل والمرأة في هذه المسألة سواء، لا بل ذهب البعض إلى أن المرأة أوفر حظاً فيه من الرجل. وقالوا إن عجز المرأة عن القيام بدورها كزوجة بسبب المرض الطويل أو العارض الدائم يبرر للرجل الزواج ثانية وثالثة، ونتساءل نحن: أرأيت لو كان الرجل هو العاجز المريض؟ هل يجوز للمرأة أن تتزوج عليه؟ وقالوا.. وقالوا.. لكننا لم نجد ظلاً لما قالوه في التنزيل الحكيم.
لقد أمر تعالى بالبر باليتامى، وضمن هذا الإطار أمر بالتعددية مشترطاً عدم جوازها إلا في حالة الخوف من أن يلحق ظلم بهؤلاء اليتامى. ثم عاد مرة أخرى إلى التنبيه على الاحتراس من الوقوع في العجز والعول، وأمر بالاكتفاء بواحدة في هذه الحالة، وتسهيلاً منه تعالى لمسألة الزواج بأمهات اليتامى، فقد أعفى سبحانه الرجل من المهر والصداق حتى يتزوجهن، قاصداً وجه الله فيهن وفي أيتامهن، وذلك بقوله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا النساء 127.
كما حجب الإرث عن الزوجة الثانية والثالثة والرابعة لكن هذه الآية بدورها لم تنج من سطحية الفهم، ولم يتم ربطها بالآية 3و4 من السورة رغم الإشارة الواضحة فيها بقوله تعالى وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ، فقد ذهب البعض إلى أن قوله يَتَامَى النِّسَاءِ في الآية 127 يعني النساء اليتيمات، وهذا ليس عندنا بشيء. فالعلاقة اللغوية بين اليتامى والنساء في قوله يَتَامَى النِّسَاءِ علاقة مضافومضاف إليه، أما العلاقة بينهما في قول البعض (النساء اليتيمات) فعلاقة صفة وموصوف، وهذا غير ذاك.
والنساء جمع امرأة، والمرأة هي الأنثى التي بلغت سن النكاح، واليتم يسقط حكماً مع بلوغ سن النكاح بدلالة قوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح.. النساء 6. وعليه فليس ثمة نساء يتيمات وإلا للزم وجود رجال أيتام أيضاً، وهذا ممنوع عقلاً. الأهم من ذلك كله أن الآية تعفي كما قلنا من المهر والصداق والإرث، وقد ذهب بعض المفسرين كالسيوطي إلى أن قوله تعالى قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ.. أي يفتيكم في شأن ما ورد لهن في التنزيل من الميراث، وما ورد لليتامى من الميراث والمهر.
فكيف يأمر تعالى ببر اليتامى والقسط فيهم، ثم يجيز عدم إعطاء (النساء اليتيمات) مهراً حين نرغب بنكاحهن؟ وهل هذا يعتبر من البر والقسط في شيء؟ ألا يكفي اليتيمات مرارة اليتم حتى يزيد عليهن سبحانه مرارة الحرمان من المهر؟ تعالى الله عما يصفون.
إننا نرى في التعددية الزوجية، كأمر إلهي مشروط كما سبق أن فصلنا، حلاً لمشكلة اجتماعية إنسانية قد تقع وقد لا تقع، بدلالة قوله تعالى وإن خفتم. ونرى أن علينا الأخذ بهذا الحل والأمر في حال وقوع المشكلة وأن نتركه حين لاتقع. فالمشكلة لها علاقة بالسياق التاريخي لتطور المجتمعات ولها علاقة بأعراف المجتمع. فقد كانت التعددية منتشرة بين الشعوب كظاهرة مقبولة اجتماعياً دون حدود أو شروط. ثم جاء التنزيل الحكيم ليحددها بأربع، وليضع لها شروطاً بيَّنها في الآية، وليجعل منها حلاً يلجأ إليه المجتمع لا علاقة له بالحلال والحرام، وكأنه ترك للمجتمع أن يقرر متى يأخذ بهذا الحل ومتى يتركه.
وهذا كما نرى يشبه قوله تعالى وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا النساء 101. فالله سبحانه يرخص للضاربين في الأرض، أي المسافرين، بقصر الصلاة من أربع إلى اثنتين في حالة شرطية واحدة هي الخوف من فتنة الكافرين وأذاهم، أما إذا لم يتحقق الشرط فلا قصر. ومع ذلك فهناك من يقصر الصلاة في السفر وهذا صحيح. وهناك من لايقصرها وهذا أيضاً صحيح. لأن الحكم بتحقق الشرط أو عدم تحققه متروك للمسافر نفسه.
من هنا فنحن نذهب إلى أن المجتمع هو الذي يقرر العمل بالتعددية أو عدم العمل بها، ناظراً في قراره إلى تحقق شروط التعددية الواردة في الآية أو عدم تحققها. لكن عليه في الحالين أن يعتمد الإحصائيات وآراء الناس فيستفتيهم في إقرار التعددية أو في إلغائها. فإذا تقرر الإقرار في بلد مثل سوريا مثلاً، فالقرار صحيح، وإذا تقرر الإلغاء في بلد مثل السعودية مثلاً فالإلغاء صحيح. وفي كلا الحالتين لايحمل القرار الطابع الأبدي.
المشكلة في الفقه الإسلامي الموروث أنه في المسائل التي لا تتعلق بالحرام والحلال، لم يعر رأي الناس أي اهتمام، وموضوع الإحصاء والاستفتاء بعيد، إن لم نقل غائب عن أذهان الفقهاء، لانطلاقهم من مسلمة أساسية عندهم، هي حاكمية الله، وأنهم بأحكامهم وفقههم يمثلون هذه الحاكمية في الأرض، مما لا دور معه لا للناس ولا لآرائهم. وكما قلنا فالحرام عيني شمولي وأبدي، والفواحش من المحرمات. والحلال مطلق لكن لايمكن ممارسته إلا بشكل مقيد. لذا فالحلال فيه الأمر والنهي وفيه رأي الناس والاستفتاء والإحصاء والبرلمانات.
نقطة أخيرة نختم بها قولنا في التعددية، هي أننا إذا افترضنا أن بلداً ما قرر إلغاء التعددية ثم قام أحد أفراده بمخالفة هذا القرار، فالقانون يلاحقه بالتغريم لمخالفته نصاً قانونياً وقراراً اجتماعياً، لكنه لايعتبره زانياً أو مرتكب فاحشة أبداً، لأن المسألة كما قلنا لاتتعلق بالحلال والحرام.
وهكذا فلا يحق لأحد أن يقول أنه في حال منع التعددية الزوجية في بلد ما أننا نحرم ما أحل الله مالم نقصد أن الزواج الثاني عبارة عن زنا وفاحشة، والله حرم الفواحش وهذا الالتباس يمكن أن ينتج من جراء عدم التفريق بين الحرام والممنوع، فلا يمكن للحرام أن يُحَلَّل، ولكن يمكن للحلال أن يُمنَع ومنعه لايحمل الطابع الأبدي الشمولي. وإذا حمل الطابع الشمولي والأبدي فهذا هو الحرام وهو من اختصاص الله سبحانه وتعالى حصراً، حتى الرسل والأنبياء لايحق لهم التحريم، ولكن يحق لهم الأمر والنهي في حقل الحلال.
وهكذا أيضاً يظهر لنا مفهوم السنة النبوية أنها اجتهاد في الحلال (أمر ونهي) ولاتحمل الطابع الأبدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.