الفيلم السينمائي الإيراني “عائلة محترمة” للمخرج مسعود بخشي الذي يشارك في الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي عنوانه ليس كمضمونه، بل إن مشاهدة الفيلم تؤكد أنه ربما اتخذ عنوان “عائلة محترمة” على سبيل السخرية والاستهزاء، فليس في هذه العائلة أي نوع من الاحترام ربما باستثناء الشخصية الرئيسية “أراش” ووالدته، أما باقي العائلة فهي شخصيات ممسوسة تعاني انعكاسات الحرب والقهر والجشع واستبداد التشدد الديني. فالأب محمد علي صافي مارس أقسى درجات الجشع والقسوة في تسخيره لأطفاله في العمل ومتاجرته بالمواد الغذائية أثناء الحرب العراقية الإيرانية وسنوات الثورة الأولى، كما تاجر بابنه الأكبر “أمير” ومقتله أثناء الحرب فحصل على امتيازات كبيرة من نظام الخميني، وهكذا استطاع جمع ثروة ضخمة بلغت 50 مليار قبيل موته. وقد ورث الابن جعفر جشع واستبداد الوالد وزاد عليها قسوة وأنانية، فهذا الابن الذي كان يضرب أخاه ويتعارك مع أبيه، وشكل مشهد قبضه على قطة صغيرة وإلقاء الجاز على جسمها بعد وضعها تحت قدمه استعداد لاشعال النار فيها كشفا عن هذه الشخصية المتآمرة التي ادعت أن عرج قدمه جراء إصابة في القدم بالحرب، كاذب، بشهادة أخيه “أراش” الذي أكد أنه كان يعرج منذ كان صغيرا. الأم ربما تكون الشخصية الوحيدة التي التزمت بموقف ثابت مشرف، فهي عندما تكتشف تسخير زوجها لابنيها أمير وأراش تعترض بقوة لتكتشف أن زوجها يتاجر بالظروف الاقتصادية الصعبة ويخزن المواد الغذائية أثناء الحرب ويبيعها في السوق السوداء، لكن الصدمة التي كادت تودي بعقلها كانت موت الابن “أمير” حيث اتهمت زوجها بقتله حين دفع به إلى الحرب، وعندما تفيق تقرر الانفصال عنه لتعيش بقية عمرها مع عمتها. هذه الأم أيضا ترفض ميراث هذا الزوج، باعتبار أمواله أموال “قذرة”، وحتى عندما يضغط عليها “أراش” تقبل التوقيع على أوراق الإرث، فهي تؤكد أن توقيعها من أجل انهاء الإجراءات، وأنه لابد من إبعادها عنه. أراش الابن الأصغر لصافي، والعائد إلى بلده بعد أكثر من 22 عاماً قضاها في فرنسا بناء على دعوة من جامعة شيراز بناء على توصية من أخيه “جعفر” لتحقيق حلم تأسيس مركز “أمير”، لا يواجه فساد عائلته فقط الذي نتعرف عليه من خلال ذكرياته عن أفرادها، ولكن أيضا على ما تمارسه المؤسسة الجامعية من قمع على حرية التعبير، حيث يتهم بتشويش أفكار الطلاب وتوزيع كتب محظورة عليهم. أراش الذي يبدأ الفيلم باختطافه وسحله، يناله إجرام وفساد عائلته، فابن أخيه جعفر “حامد” الذي يعمل بالمقر العسكري يستغل عمه ويقود المؤامرة عليه بمشاركة والده للسيطرة على ميراث الجد “صافي”، حيث يواجه باتهام أنه يريد نقل أموال أبيه إلى الخارج عن طريق الاستعانة بالمحامي أميني الذي يتم قتله وزوجته، ويقتحم مكتبه ويستولى على أوراق الميراث التي وقع عليها أراش. أما حامد فقد ورث إجرام وفساد جده وأبيه، وفاقهما في ذلك، يمارس القهر على أمه وأخته الصغيرة وأبيه أيضا، هو من فكر ودبر ونفذ المؤامرة على عمه ليضع يده على ميراث جده، والدته تعاني من الوسوسة القهرية من النجاسة، ويبدو أن ما أصاب زوجة صافي الوالد، قد أصاب زوجة جعفر الابن، ولكن شتان بين موقف كلتيهما، فالأولى حزمت أمرها وانفصلت لتعيش على كفاف راتبها من التدريس، والثانية ترضخ للقمع وتستعين بالتدين للخلاص منه. هذا السياق العام للعائلة التي يقدمها المخرج مسعود بخشي، يمضي بنا من خلال استرجاع أراش لذكريات طفولته، لنعيش الماضي والحاضر لنجد أن النظامين الأول بقيادة الخميني والثاني بقيادة نجاد كلاهما يحمل نفس سلطة تخليق الفساد والقمع، ويستخدم المخرج ذلك كخلفية لنرى مشاهد من الحرب العراقية الإيرانية مقاطع من أفلام قديمة لحروب إيران وخطابات الخميني وأحمدي نجاد على شاشة التلفاز، وتلاوة القرآن، حيث الزمن بين عامي 1981 حتى الآن، وإلي جانب مشاهد الحرب نسمع خطب الخميني “شعب فريد في التاريخ، لن تجدوا في التاريخ شباب تواق للحرب مثل شبابنا…”. وقد ارتبطت مشاهد خطب الخميني ونجاد بالكوارث، فالأول مشاهد الحرب والدمار والثاني اختطاف “أراش” وسحله ومحاولة تجريده من ميراثه، وكأن الفيلم يدين السلطة والمجتمع معا، مؤكدا الأول انعكس على الثاني ليكتمل الفساد والقمع والعنف. التشابه بين النظامين الخميني والنجادي، لا يتوقف عند القمع والفساد والاستبداد الفكري والمعنوي ولكن يمتد إلى المكان حيث الشوارع والمكاتب والشقق باهتة بل جامدة بلا روح. وأخيرا فإن فيلم “عائلة محترمة” يشكل إدانة للمستنقع وضربة قوية للفساد السياسي والمالي والمجتمعي الذي تعمق منذ الثورة وحتى الآن، فقصة فساد العائلة ما هي إلا وجه من أوجه النظام السياسي الإيراني، لتنتهي بانضمام أراش إلى المظاهرات المناهضة للنظام. يذكر أن الفيلم إنتاج إيراني فرنسي مشترك ويشارك فيه نخبة من نجوم السينما الإيرانية أمثال: بابك حميديان ومهرداد صديقيان وآهو خردمند وبهناز جعفري ونيكي نصيريان وغيرهم.