وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الأشباح .. السجل الخفي ل «سي. أي. أيه»
نشر في الرأي العام يوم 21 - 11 - 2009

هل خلقت ال «سي. أي. إيه» حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهل عزفت الولايات المتحدة على وتر طالبان كورقة للترهيب أو التأديب. أسئلة يجيب عليها كتاب حروب الاشباح -السجل الخفي لل «سي.اي إيه».. لإفغانستان.. ولابن لادن.. لمؤلفه ستيف كول .. كتاب يتجلى فيه الدور غير الاعتيادي لل «سي.اي إيه» في قصص بيع الصواريخ وإعادة شرائها.. وقصص ضباط وكالة الاستخبارات الامريكية.. وصراعاتهم التي تفسر الحروب السرية التي سبقت «11/سبتمبر».. وتورط رؤساء.. ودبلوماسيين.. في فرع جديد يُسمى مكافحة الأرهاب .. كتاب حائز على جائزة بوليتزر المرموقة مرتين.. وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم.. ----------------------------------------------------------------------------- عملت الطواقم الروسية والأفغانية القلقة على التحليق قدر المستطاع فوق مدى صاروخ ستينغر الفعلي بحوالى «12500 قدم»، ما قلل من إمكانية شن غارات على علو منخفض. وتوقفت القوات السوفياتية عن نقل الجرحى بالمروحيات، وضعفت معنويات الضباط في الصفوف الأمامية. أرسل بيردان في غضون أسابيع، برقية الى لانغلي يعلن فيها أن صواريخ ستينغر أصبحت في هذه الحرب «التطور الأعظم في ساحة المعركة». خشيت الوكالة استعمال صواريخ ستينغر كسلاح إرهابي ضد طائرات الركاب، في حال انتشرت خارج أفغانستان، فقد أدى تزايد إنتشارها في أفغانستان الى ضرورة تعيين «السي. آي.إيه» عملاء من أجل مراقبة القادة الثوار والاستخبارات الباكستانية. ماذا سيحصل في حال باع حكمتيار صواريخ ستينغر الى مجموعات إرهابية؟ أو تعرضت الصواريخ للسرقة؟ هل ستعلم «السي. آي.إيه» بذلك؟ احتاجت الوكالة الى نشر المزيد من مصادرها الخاصة. أصبح الجهاد الآن غارقاً في الأموال حتى بالنسبة الى معاييره المترفة. خصص الكونغرس سراً «470» مليون دولار أمريكي للعمليات السرية الأفغانية في السنة المالية 1986م، ثم رفع المبلغ الى «630» مليون دولار في السنة المالية 1987م، كما وسع بيردان، بدعم من المقر الرئيسي نطاق تعيين «السي. آي.إيه» عملاء وقادة أفغاناً مستقلين من دون تدخل الاستخبارات الباكستانية. وتعتبر المبالغ الضرورية من أجل جدول رواتب مماثل، ضئيلة مقارنة بالميزانيات الجديدة. طلب من القادة الذين تم تعيينهم مساعدة «السي. آي.إيه» على تتبع عمليات توزيع الأسلحة والفساد الباكستاني، والتطورات في ساحة المعركة، وقسم جدول الرواتب الى أقسام عديدة. قد تقاضى القادة الإقليميون أتعاباً من الوكالة بقيمة «20» ألفاً أو «25» ألف دولار امريكي في الشهر. أما القادة الأكثر تأثيراً فقد تقاضوا «50» ألف دولار أمريكي، بينما القادة الذين يملكون تأثيراً منحصراً في مقاطعة أو اكثر، فقد حصلوا على «100» ألف دولار أمريكي في الشهر، وفي بعض الأحيان اكثر. لم يستغل القادة الفعليون هذه الأتعاب من أجل إغناء أنفسهم فحسب، بل أيضاً من أجل دعم ميليشيات العشائر أو المتطوعين التي تستوجب دفع أجور ونفقات سفر دعماً للعائلات التي تعيش في الغالب في مخيمات اللاجئين القذرة. بقى عبدالحق على جدول رواتب «السي. آي.إيه» الآحادي الجانب. وقد تابعت «السي. آي.إيه» إرسال النفقات والإمدادات الى أحمد شاه مسعود (تسلم مسعود مساعدات «السي. آي.إيه» الآحادية الجانب للمرة الأولى في العام 1984م). ثم أرسلت «السي. آي.إيه» لاحقاً أجهزة اتصالات آمنة. ما سمح لمسعود بالتواصل مع قادة متفرقين وحلفاء في بيشاور دون ان يخشى تنصت السوفيات. اعرب مركز إسلام آباد الذي يديره بيردان عن شكوكه حيال مسعود. رأى بعض الأشخاص المتورطين ان ذلك يعود جزئىاً الى الألاعيب القائمة بين «السي. آي.إيه» والبريطانيين، والتي تغذيها الهرمونات الرجولية: فقد كانت بريطانيا تؤثر مسعود، لذا، لم تكن «السي. آي.إيه» تحبه كثيراً. وبالإضافة الى ذلك، بقيت ذيول عدم الثقة موجودة بعد أن عقد مسعود اتفاقات هدنة مع القوات السوفياتية في العام 1983م. أخبر بيردان زملاءه انه يحترم سجل مسعود كمحارب، إلا أنه يراه يستعد من أجل الاستيلاء على السلطة في كابول بعد الحرب، وذلك عن طريق تخزين الإمدادات وحصر العمليات. كان جوهر رسالة بيردان كما يلي: «احمد، أعرف ما الذي تفعله، لا ألومك، لكن لا تفعل ذلك على حسابي». وقال ضابط في «السي. آي.إيه» في لانغلي لنظيره الفرنسي، متحدثاً عن دعم الوكالة لحكمتيار: «قلب الدين ليس سيئاً كما تخشى، ومسعود ليس جيداً كما تأمل». ارتفع عدد العملاء الأفغان في شبكات «السي. آي.إيه» الى حوالى خمسين قائداً وعميلاً. وأدى ذلك الى عدد كبير من الإتصالات التي كان لابد من إبقائها سرية لمدة طويلة عن الاستخبارات الباكستانية على أساس أنه يجب على ضباط الاستخبارات في «السي. آي.إيه» مقابلة عملائهم و«عيونهم» بانتظام. وقد راقبت «الآي.اس.آي» بانتظام ضباط الاستخبارات المعروفين في «السي. آي.إيه»، بينما لم يكن بيردان مطلعاً على الاسم الحقيقي لكل عميل في النظام. وحمل القادة الذين تقاضوا أجراً، ألقاباً رمزية تُستخدم عند إرسال البرقيات. كان مسعود مشهوراً، فكان من الصعب إخفاء هويته تحت أسماء رمزية. لكن على الرغم من ذلك، انحصرت المعرفة بهذه العلاقة داخل السفارة الأمريكية. وصلت مبالغ طائلة في تلك الفترة في إسلام آباد، فحاول المركز تنظيم عمليات توزيع المبالغ النقدية للحد من رحلات الضباط الأمريكيين على الطرقات الباكستانية، وهم محملون بالثروات التي تجذب حتماً اللصوص والقتلة. بدأت الوكالة استعمال نظام التحويل الإلكتروني من أجل إرسال دعمها المادي الى الاستخبارات الباكستانية، أي عمدت الى تحويل المال عبر وزارة المالية الباكستانية. فقد بدأت «السي. آي.إيه» استعمال نظام الحوالة من اجل تسليم الأموال النقدية الى القادة. وهذا النظام عبارة عن شبكة مصرفية غير رسمية تستخدم في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وتسمح للفرد بإرسال المال الى كشك تبادل صغير- لنقل في كاراتشي على سبيل المثال- فيسلم على الفور الى مستلم معين على بعد مئات الكيلومترات أو آلاف الكيلومترات. وبعدما انتشرت فضيحة «إيران- كونترا» في واشنطن في العام 1986م، تكبد مركز إسلام آباد عناء كبيراً في تسجيل جميع الحوالات. ونظراً الى المبالغ المالية التي باتت تُنفق في ذلك الوقت، كان من السهل جداً وضع ثلاثة ملايين دولار، أو أربعة ملايين دولار في غير مكانها، كما لو كنت تترك مفاتيحك على مكتبك. ركزت معظم التقارير التي بدأت تتدفق من العمال الآحاديي الجانب على وقع صواريخ ستينغر، وعمليات تسليم الأسلحة، والحملات الدعائية. إلا أن بعض المقاتلين الأفغان، قدموا للمرة الأولى شكاوى ضد قوة متزايدة في جهادهم: المتطوعين العرب «الأفغان العرب». فقد وصل الآلاف منهم الى أفغانستان. أرسل القادة الأفغان ملاحظات الى مركز إسلام آباد، وأضافوا اليها في بعض الأحيان صوراً تظهر شاحنة مليئة بالمقاتلين الجهاديين العرب وهي تعبر أراضيهم. وتصادم المقاتلون الأفغان في وقت لاحق مع الجهاديين العرب حول مسألة تزيين الأضرحة. فقد كان معظم الجهاديين الأفغان يدفنون موتاهم في التربة الصلبة والمقابر المصنوعة من الحجارة عليها أعلام خضراء وزخرفات متواضعة، مراعين التقاليد المتأثرة بالصوفية. وقد سحق الوهابيون هذه العلامات وانتزعوها. مدعين أنها تشجع على عبادة آلهة مزيفة، ومقلدين بذلك أساليب الأخوان. هاجم الأفغان في بعض الحالات هؤلاء العرب المعتدين على المقابر، وقتلوا البعض منهم. ويذكر بيردان جوهر التقارير الأولى التي وصلت من القادة الأفغان في الميدان: «يقولون إننا مغفلون، وإننا لا نعرف القرآن. إنهم مصدر مشاكل اكثر مما هم مصدر فائدة». بعد أن تزوج أسامة بن لادن وأنجب أولاده الكبار، نقل عائلته من السعودية الى بيشاور، في الوقت الذي وصل فيه ميلتون بيردان الى إسلام آباد وعين رئىساً لمركز «السي. آي.إيه». استأجر مبني من طابقين في قسم هاديء ومزدهر نسبياً ومعتدل البرودة بفضل أشجار الصنوبر، داخل مدينة يُطلق عليها اسم «يونيفرسيتي تاون»، حيث يعيش أعضاء الجمعيات الخيرية وجمعيات المساعدة الغربية والدبلوماسيون والمبشرون العرب والمنفيون الأفغان الأثرياء، مثل جيران مرتبكين في فيلات مسورة. كان ابن لادن شخصية معروفة جداً بين الثوار الأفغان المرتبطين بالأخوان المسلمين، بفضل زياراته المنتظمة وعمله مع أحمد باديب والاستخبارات، ورعايته الأعمال الخيرية العربية، واستيراده الجرافات ومعدات البناء الأخرى. كان الأقرب من حكمتيار وسياف. ويرى معارف ابن لادن في بيشاور، أنه راع شاب ولين الطباع وحسن السلوك، وفوق كل شيء فهو راع ثري ومدهش للقضايا الجهادية المستحقة. عمل على تربية الشيوخ الصغار. لم يكن خطيباً، بل كان زائراً متبرعاً كريماً للمستشفيات ودُور الأيتام، ودائم التردد إليها والاطمئنان على أحوالها، وعضواً مهماً في مجموعة مناقشة داخل المجتمعات العربية الراديكالية في بيشاور. كان ابن لادن يمتطي الجياد من أجل المتعة، ويقوم بذلك أحياناً عند الحدود القبلية الشرقية. إلا أنه كان في معظم الوقت، يحبذ عيش حياة تملؤها اللقاءات وحفلات الشاي في منازل أسمنتية رطبة، حيث غرف الاستقبال التي تحيط بها الوسادات تعج بالتجار الكويتيين الزائرين وأساتذة الشريعة السوريين. قد تمضي الأيام وهم يسترسلون في النقاشات، ويكتبون مسودة الفتوى، ويطورون المشاريع الإنسانية. لقد كان خلطياً متبدلاً من الهندسة والصدقة واللاهوت. ويذكر صحافي عربي قابل ابن لادن مراراً في بيشارور، أنه:«يتحدث مثل أستاذ جامعي، سنفعل هذا، سنفعل ذاك، كأنه على رأس طاولة اللجنة السياسية». كان أسلوبه الهادئ غير اعتيادي: «ليس متحدثاً عربياً شعبياً نموذجياً». كانت بيشاور في أواخر العام 6891 مدينة المستودعات الموقتة والأعمال الخيرية المتضخمة والمتفجرة. بفضل الأموال والأطعمة والشاحنات والبغال والأدوية التي يتم شحنها الى الحدود الأفغانية بكميات تبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف الكميات التي أُرسلت قبل ستة أشهر. توسعت سمات الجهاد الإنسانية مع توسع الحملة العسكرية، وبالسرعة نفسها. كانت هذه الحرب نتيجة لتوجيهات قرار الأمن القومي (661) بشكل جزئي. إلا أن وكالات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية الأوروبية، مثل منظمة أوكسفام.، والإرساليات المسيحية ووكالات الإغاثة الحكومية، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قامت بالاحتشاد في بيشاور بعد العام 5891م من أجل بناء المستشفيات والمدارس ومراكز التغذية والعيادات وتأمين خدمات سيارات الإسعاف عبر الحدود بعد أن دفعت الحكومة الأمريكية معظم تكاليفها. انتشرت هذه المشاريع على نطاق لا سابق له: فقد تم إتباع برنامج مدرسي تديره جامعة نبراسكا في (1300) موقع داخل أفغانستان. وقال اختصاصيو التغذية الأمركيون العلمانيون في مجمع غباري في يونيفيرسيتي تاون، برمي أكياس البذور في شاحنات عليها علم أزرق، بينما جلس المبشرون المعمدانيون الأمريكيون المجاورون على مقاعد خشبية يقرأون للأطفال الأفغان باللغة الإنجليزية من كتاب العهد الجديد، في وقت كان متطوعون شبان ملتحون من بلدان الخليج يقومون بالركوع والصلاة عند الحائط التالي متجهين نحو مكة. عملت الجمعيات الخيرية الرئيسية والمنظمات المماثلة في عزلة فرضتها على نفسها، بينما قام الهلال الأحمر والاتحا د الإسلامي العالمي والهلال الأحمر الكويتي ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية، بإعداد مكاتبها الخاصة في بيشاور، وبنت هي أيضاً مستشفيات وعيادات ومدارس ومراكز تغذية وخدمات طبية في ساحة المعركة بواسطة الأموال التي استمرت بالتدفق بشكل متزايد بفضل الاستخبارات ومساهمات الزكاة السنوية من المساجد والأفراد الأثرياء. ووظفت الجمعيات الخيرية الأوروبية، مثل جمعية أطباء بلا حدود، جراحين متطوعين من بروكسل وفرنسا، من أجل تأمين مناوبات قصيرة لمداواة الجرحى المقاتلين في بيشاور. وبدأت الجمعيات الخيرية الإسلامية تجنيد أطباء من القاهرة وعمان وتونس والجزائر من أجل القيام بجولات طوعية. ومنذ أن أثبت الإخوان المسلمون وجودهم القوي ضمن الطبقات العاملة العربية، على الأخص بين الأطباء والمحامين المصريين، أصبحت شبكة التجنيد من أجل الأعمال الإنسانية الطوعية مضفرة مع الشبكات السياسية- الدينية التي جمعت الأموال والأسلحة من أجل القادة الأفغان
الاسلاميين، مثل حكمتيار وسياف. كان أيمن الظواهري أحد المتطوعين النموذجيين الذين وظفهم الإخوان المسلمون، وهو طبيب شاب، نجل عائلة مصرية ثرية ناشطة منذ فترة طويلة في الحركة الإسلامية. قضى الظواهري فترة في سجن القاهرة في بداية الثمانينيات بسبب مشاركته في حبك مؤامرة لاغتيال أنور السادات. وبعد إطلاق سراحه، وجد طريقه بفضل المجتمع الطبي الإسلامي التابع للإخوان المسلمين في بيشاور، وتطوع كطبيب في مستشفى الهلال الذي تموله الكويت عند الحدود الأفغانية. ويذكر الظواهري: «رأيت أن هذه فرصة مناسبة للتعرف الى أحد ميادين الجهاد الذي قد يشكل شعبة وقاعدة للجهاد في مصر والمنطقة العربية». وبما أنه كان متعصباً عربياً، اعتبر مصر «قلب العالم العربي، حيث يتم خوض معركة الإسلام الأساسية». ورأى أنه من أجل الانتصار في الموطن، «تحتاج الحركة الجهادية الى ميدان يلعب دور الحاضن، حيث ستكبر بذوره، ويكتسب خبرة عملية في المسائل القتالية والسياسية والتنظيمية». اعتبر أن بيشاور هي المكان المناسب، فاستقر فيها في العام 6891م. كان عبد الله عزام، الإسلامي العربي الأكثر شهرة في بيشاور، في الوقت الذي استقر فيه ابن لادن والظواهري في تلك المنطقة. وقد ساعد على إدارة مجلس الجمعيات الخيرية العربية والإسلامية في بيشاور. وُلد عزام في قرية قرب مدينة جنين في الضفة الغربية الفلسطينية، وحصل على شهادة دكتوراة في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر في مصر في السبعينيات، أصبح مقرباً من المصري المنفي محمد قطب، وبدأ العمل الدنيوي بالعقائد الجهادية الراديكالية التي وضعها شقيق قطب المتوفى، سيد قطب، كما أنه اعتنقها بنفسه. وبعد أن درّس في جدة في أواخر الستينيات، انتقل إلى العمل كمحاضر في الجامعة الإسلامية الجديدة في اسطنبول أسفل الهضبة حيث حرم جامعة القائد عزام. وانتقل في العام 4891م الى بيشاور عبر طريق غراند ترانك. أطلق عزام على المنظمة الإنسانية الجديدة التي أسسها في تلك السنة، اسم مكتب الخدمات. وعبّر هذا الاسم عن رأيه الشخصي في الجهاد الأفغاني: أراد في الدرجة الأولى مساعدة الأفغان. سافر الى دول الخليج العربية، وألقى محاضرات أثناء صلاة الجمعة في جوامع ثرية من جدة الى مدينة الكويت. واستخدم المساعدات المالية الخيرية المتدفقة من أجل تأمين الخدمات الطبية وخدمات الإغاثة بالإضافة الى الدعم العسكري. أصبح ابن لادن، تلميذه السابق في جدة، مصدرأموال رئيسياً، ثم شريكاً في العمليات منذ بداية العام 4891م. جنّدا معاً متطوعين آخرين من جميع أنحاء العالم العربي. وأعلن عزام أن ابن لادن سيدفع مصاريف أي عربي يريد القتال في ساحات المعارك الأفغانية، أي ما يعادل (003) دولارأمريكي في الشهر، وافتتحا في العام 6891م، مكتبهما الأول في الولايات المتحدة، وسط التجمع السكاني العربي الكبير في تكسون في أريزونا. بدت الحكومة الأمريكية في الإجمال مؤيدة لحوافز التجنيد العربي. وأكدت أن لواء المتطوعين الدولي، وهو نموذج عن المتطوعين الاشتراكيين الدوليين الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية ضد نظام فرانكو في الثلاثينيات، قد يؤمن وسيلة لتوسيع التحالف الرسمي بين الأمم المعنية بالجهاد ضد السوفيت. ويذكر روبرت غايتس الذي كان نائب مدير «السي.آي.إيه.» في ذلك الوقت، أنه مع وصول المزيد من العرب الى باكستان في العامين 5891م و6891 (حاولت «السي.آي.إيه.» في ذلك الوقت، إيجاد وسائل لزيادة مشاركتهم). حاول أحد المختصين في الشؤون الأفغانية، وهو تابع لاستخبارات وزارة الخارجية، أن يبرهن «أنه علينا التعاون معهم».. كان من المفترض «ألا نعتبرهم كأعداء». إلا أن الاقتراحات لم تتجاوز قط مرحلة المحادثات. شعر ميلت بيردان في مركز إسلام اباد، بأن ابن لادن «قادم ببعض الأعمال الجيدة». «أنفق أموالاً طائلة في الأماكن المناسبة في أفغانستان». لم يعتبر أحد أن ابن لادن «شخص محارب للولايات المتحدة». استلمت «السي.آي.إيه.» تقارير سلبية عن المتطوعين العرب من شبكات عملائها في أفغانستان ومن منظمات الإغاثة الغربية والمسيحية. وعبرت شكاواهم أنظمة البرقيات في «السي.آي.إيه.» ووزارة الخارجية، لكن المسألة كانت مجرد موضوع عرضي ورد في التقارير والرسائل، ولم يتم تطوير أية سياسة أو خطة عمل لمعاجتها. ألقى عبد الله عزام خطابات صارمة معارضة للولايات المتحدة، وسرعان ما ساعد على تأسيس حركة حماس (داخل قطاع غزة، في فلسطين المحتلة). تنقل عزام في عالم منفصل عن الأمريكيين الرسميين في باكستان، وكانت علاقته بعمال الإغاثة الأوروبيين الحياديين المقيمين في بيشاور، متقطعة جداً.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.