بسم الله الرحمن الرحيم الخطبة الأولى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد- قال تعالى:” مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاًأَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً”[النساء:79-83] أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز غبت عنكم بالجسد عشرة أيام، ولكن الروح والعقل والقلب ساكنة معكم لا تبرح الوطن. السودان ليس وطنا نسكنه ولكنه وطن يسكننا. دعيت لمحاضرة أمام اتحاد طلبة جامعة أوكسفرد التي صنفت هذا العام جامعة العالم الأولى. أما اتحاد الطلبة فيها فهو مؤسسة عريقة، كثير من رؤساء وزراء بريطانيا تولوا رئاستها في عهد الدراسة. كان موضوع المحاضرة أن الحوار بين الحضارات لا يجدي لأن الحضارات لا تقودها قيادة موحدة، ولا أيديولوجية موحدة، ولا مصالح اقتصادية وأمنية موحدة. ولكنها تؤثر على بعضها الآخر لا بأسلوب الحوار بل بأسلوب القدوة، أو التقليد، أو التغلب. كذلك لا جدوى لحوارات الأديان لأن الأديان تلتزم بعقائد ثابتة لا تتزحزح عنها. ولكن عالم اليوم أكثر من أية فترة في التاريخ يواجه مشاكل لا يمكن حلها إلا في إطار عالمي هي: تناقص الموارد الطبيعية، وتدهورالبيئة، وكثافة السكان، والأمن، واختلال ميزان الثروة، والهجرات غير القانونية، والأمراض، وامتلاك أسلحة الدمار الشامل القادرة على تدمير الحياة في الأرض، وإدارة الفضاء، ونظم المحيطات، فهذه الأمور لا يمكن حل مشاكلها إلا ضمن حوكمة أممية. ولتحقيق التقارب بين البشر ينبغي أن تُقبل الحضارات والأديان على استصحاب منظومة حقوق الإنسان فإن فعلت ذلك فإنها سوف تقترب من بعضها الآخر دون حاجة لحوارات ثنائية. وفي تقديري أن الإسلام أقدر الأديان على ذلك. أما المحاضرة الثانية، فقد كانت بدعوة من مركز السودانَيْن في كلية القديس انطوني بجامعة أوكسفرد وعنوانها: السودان ودولة جنوب السودان أمامهما خياران: شراكة تعاونية، أو انتحار متبادل. كان الحضور السوداني والبريطاني السياسي والدبلوماسي كبيرا، وفي المحاضرة قدمتُ الدليل على أن أسباب الوحدة بينهما أقوى من دواعي الانفصال، ولكن السياسات السيئة هي التي رجحت كفة الانفصال. وبعد الانفصال فإن دواعي السلام والتعايش بينهما أقوى من دواعي الحرب، ولكن السياسات الخاطئة هي التي سوف ترجح كفة الحرب. واستشهدتُ بدراسات موثقة عن تكلفة الحرب القادمة، إن وقعت لا قدر الله، في الأرواح والأموال، ووجوب تجنبها. وأن هذا يتطلب سياسات جديدة يتبعها نظام جديد أوضحت معالمه والطريق إليه، وضرورة تحقيق ذلك تجنبا للحرب بين البلدين، وأوضحت أن سياسات التغيير في البلدين ينبغي أن تنبع من داخلهما، وأن أية محاولة تغيير تستند على إحدى الدولتين سوف تعجل بالحرب بينهما، ولن تحقق الإصلاح المنشود. وكانت المحاضرة الثالثة في لندن بدعوة من منظمة أثيوبية أرترية وموضوعها هو تحليل الأزمة بين البلدين واقتراح سبل لحلها. أوضحت أن الصراع ليس على الحدود، ولكنه أعمق من ذلك، وأن هناك مستجدات يجب مراعاتها لدفن أحقاد الماضي، والتطلع للمستقبل، واستحسن الحاضرون الرؤية المقدمة لهم، ونحن في السودان يهمنا استقرار الأوضاع في البلدين، لأن صداقتهما مطلوبة للأمن القومي السوداني والتنمية، وعدم الاستقرار فيهما يدفع السودان فيه ثمنا باهظا. وفي طريق العودة للوطن وجدنا أهلنا في مصر في حالة مثيرة للقلق، مثلما هي مثيرة للقلق في بلدان الربيع العربي التي حققت تحولا ديمقراطيا، ولكن الشعوب عندما مارست حريتها انتخبت قوى إسلامية. مشاكل القوى الإسلامية التي آلت إليها الولاية بالوسائل الديمقراطية، وشكل القوى المعارضة لهم متشابهة. لذلك نسعى لاقتراح ميثاق يستهدون به خلاصته: 1. تحريم الاستيلاء على السلطة بالقوة بأية ذريعة. 2. تجنب الحكم الشمولي واتباع الأسلوب الديمقراطي في إدارة الحكم. 3. أن تعمل القوى الإسلامية على الفصل في عملها بين العمل السياسي، والدعوي، والنقابي، لأن لكل منها الوسائل التي تلائمها. 4. الحرص على كتابة دستور على أساس أنه وثيقة توافقية بين كافة القوى الوطنية. 5. تجنب الحديث عن دولة دينية أو علمانية بل مدنية بمعنى تحقيق المساواة في المواطنة للكافة، وكفالة حق المسلمين في تطبيق برامجهم الإسلامية، ما دامت تتم بالوسائل الديمقراطية ولا تسلب الآخرين حق المواطنة ولا حرية العقيدة. 6. التزام القوى الإسلامية في السلطة بأن مشروعها هو مشروع بناء أمة لا تمكين حركة. 7. التطلع لبناء نظام عابر للأوطان يحقق الممكن من وحدة الأمة. سوف نسعى لجعل هذا المشروع بوصلة يستهدي بها دعاة الإسلام في إدارة الحكم. إن أي انحراف من هذا النهج سوف يبرر للقوى الأخرى التكتل في معارضة واسعة تواجه السلطة بأعماق ثلاثة تحاصر الحكومة، وهي: الدولة العميقة، والمجتمع الداخلي العميق، والمجتمع الدولي العميق. مع جسامة هذه التحديات توجد اصطفافات حادة داخل الفضاء الإسلامي بين المرجعية الاخوانية والمرجعية السلفية ثم بين هؤلاء والتيارات العلمانية واللبرالية.بلغت درجات التكفير والتخوين ما انتج مناخا عِكْراً ستكون الديمقراطية أول ضحاياه ما لم يطفئ ناره عقلاء قوم.نحن معنيون بنجاح التحول الديمقراطي ومعنيون بنجاح المرجعية الإسلامية في بناء الأوطان وفي سبيل ذلك سوف نبذل أقصى الجهد المستطاع. قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) . وقال مكلفا الأمة بوظيفة إحياء الدين: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) . وقال نبي الرحمة: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ،وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ) . أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين. الخطبة الثانية اللهم إني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدك القديم أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم وآله ذوي القلب السليم، وأن تعلي لنا في رضائك الهمم وأن تغفر لنا جميع ما اقترفناه من الذنب واللمم، آمين. أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز بلادنا تندفع مسرعة نحو الهاوية، فالجسم الوطني تمزق، والجسم الإسلامي ممزق، والاقتصاد مأزوم، وجبهات الاحتراب الأهلي متسعة، وقيادة الحكومة ملاحقة دولياً. والأحوال تزداد تدهورا ولا تفكر الحكومة في حل التأزم المالي إلا بمزيد من الأعباء على المواطنين مثل الزيادات الأخيرة في السكر وتبديد مال الدولة في مؤتمرات طائفية تسخر فيها أجهزة الدولة وأموالها لتظاهر زخرفي لا يسمن ولا يغني من جوع قيل أن ما صرف فيه بلغ 5 مليار من الجنيهات في مجتمع طحنه الفقر والجوع والمرض وارتفعت نسبة المهاجرين من أكفأ السودانيين للخارج في هذا العام وبين المهاجرين فصائل تدخل مجال الاتجار بالبشر الذي زاد بصورة كارثية. لا خلاف على تشخيص الحالة السودانية المتردية، ومنذ العام الماضي قدمنا مشروع خلاص للوطن يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، وفي يوليو الماضي من هذا العام صدر مشروعنا في كتيب مطبوع وزع على نطاق واسع. هذا المشروع يفصل برنامجا قوميا واضحا لحل كافة مشاكل البلاد، وكيفية وضع دستور البلاد القادم، وكيفية إقامة نظام جديد يلبي مطالب الشعب السوداني المشروعة. نحن الآن ساعون للحصول على موافقة كل القوى السياسية في البلاد بالداخل والخارج. فإذا أمكن اتفاق كل القوى السياسية على مشروعنا فالطريق إلى تنفيذه هو مؤتمر قومي دستوري جامع أو مائدة مستديرة. وهي رؤية صارت ترددها أوساط واسعة مثل ملتقى الدوحة الأخير، ولقاء دنفر، وأصوات وطنية متجاوبة حتى من داخل الحزب الحاكم. ولكن العناد والانفراد ربما حال دون تجاوب الحزب الحاكم مع هذه الرؤية. نحن نسعى لإقامة نظام بديل بوسائل تتجنب تدمير الوطن ولكن قال أحد الحكماء: إن الذين يسدون طريق الإصلاح الضروري يمهدون للتغيير بأساليب ثورية، ومهما كانت حقيقة المحاولة الانقلابية الأخيرة فنحن نطالب بعدالة المساءلة وتجنب الأساليب الزائفة التي أدت لاعدامات 28 رمضان 1989م.(وحسب تجربتنا مع النظام فإننا نتبع منهج الشك حتى تظهر الحقيقة ونقول: - إن التملل وصل إلى داخل صفوف قادة النظام حتى اتهم الذين كانوا من حماته بالمحاولة التخريبية. - إن مؤتمر الحركة الأخير أبرز عمق الخلافات داخل صفوف النظام وخطورة مآلاتها. - الاتفاق مع دولة الجنوب مهدد بالانهيار؛خاصة بعد تصريحات النائب الأول لرئيس الجمهورية بالأمس. - الزيادة المضطردة في الأسعار وخاصة السلع الضرورية التي تتعلق بحياة المواطن تجعل الحياة مستحيلة في ظل هذه الظروف. - حالة الاحتقان والانسداد والاستقطاب التي تحيط بالموقف السياسي في بلادنا تنذر بعواقب خطيرة . كل هذه العوامل تجعل الاستمرار في ظل هذه السياسات مستحيل، وتفتح الباب لكل الخيارت، هذه الوضع لاتعالجه الإجراءات الاحترازية، ولاتجدي معه الأساليب المجربة، ولايمكن تجاوزه بالتصريحات النارية، وإنما يعالج بإجراء عاجل يعلنه الرئيس بالدعوة الجادة لقيام حكومة انتقالية يشترك فيها الجميع بأوزانهم السياسية والاجتماعية لوضع خطة عاجلة تنتشل الوطن من الحال الذي وصل إليه) إذا أجمع أهل السودان على برنامج الخلاص الوطني، وحبس الحزب الحاكم نفسه في العناد والانفراد؛ فلا مناص من الدعوة لتنشيط التحرك المدني عبر اعتصامات شعبية في الميادين العامة في كل البلاد، وبما أن حوالي 25% من الشعب السوداني قد صوتوا بأرجلهم ضد النظام في المهاجر في أركان العالم الأربعة، فإن على هؤلاء الاعتصام أمام سفارات السودان تعبيرا عن تأييدهم لإقامة نظام جديد بكل الوسائل ما عدا العنف والاستنصار بالأجنبي. هذا هو نهجنا المدروس والذي أجمعت عليه أجهزة حزب الأمة الدستورية، وهو الطريق الأكثر أمانا لخلاص الوطن، ولكن هنالك أفراد انحرفوا عن المؤسسية، واتخذوا مواقف فردية منهم من كون حزبا وانضم به لحكومة المؤتمر الوطني ومنهم من خرج على قرارات المؤتمر العام السابع واكتفى بالتصريحات الكيدية ومنهم من جندته جهات خارجية تتولى الصرف عليه فانضم إليها دون أي اعتبار لموقف جماعته، لهؤلاء جميعا نقول إن الجماعة بدستورها الديمقراطي ومؤسساتها الفاعلة وخطها الفكري والسياسي الواضح ماضية في سبيلها لا يعيقها تساقط الصفق اليابس: إن المنبت لا أرضا قطع ولا ماء أبقى: رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها وسوف نهزم أجندة العناد والانفراد، وأجندة الاحتراب والاستنصار بالخارج. (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) . (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) . اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا، واهدنا واهد أبناءنا وبناتنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. سورة النحل الآية 125 سورة الأنعام الآية 89 رواه الطبراني في مسند الشاميين سورة الشعراء الآية 227 سورة يوسف الآية 108 خطبة الجمعة من المفترض أن يلقيها الإمام الصادق المهدي بمسجد الهجرة بود نوباوي يوم الجمعة:9 محرم 1434ه الموافق 23نوفمبر2012م ونسبة للأوضاع في مصرفقد تداعى عدد من المفكرين للتشاور مع القيادة المصرية وبقية الأطراف للوصول إلي صيغة تمكنهم من تقديم نموذج يحتذى في معالجة الأزمات، وعليه فقد كلف الأمير:عبدالمحمودأبّو الأمين العام لهيئة شؤون الأنصارلإلقاء الخطبة نيابة عنه.