[email protected] سير جيو برلسكوني، رجل ايطاليا الشهير بصبيانته، وتصابيه مع الصبيات، وآخرهن (روبي) المغربية، رجل يحاول أن يعود بالزمن إلى الوراء. يحاولُ- ما استطاع- أن يعود من مابعد منتصف العقد السابع، إلى العقد الثاني، أو الثالث، أو الرابع، على أسوأ الفروض! إنه يحاول العودة المجيدة، الى العمر المجيد، بعمليات شد الوجه، لإزالة التجاعيد من الجبين، وخطوط العمر من حول الفم، و(الكشكشة) من أسفل العينين، وجانبيهما. يحاولُ بتزييف بياض الشعر.. ويحاولُ أن يزيل خرف أسفل الحجاب الحاجز، بأفضل وأقوى ما تنتجه شركة( فايزر) الامريكية، من حبوب زرقاء! لا أعرفُ ما إذا كان في لغة الطليان، مايماثل قولنا بلغة الإعراب: (لن يُصلحُ العطارُ ما قد أفسد الدهرُ الغشوم). كل ما أعرفه، أنه لو كان فيها، ما يماثل هذا القول، لظل أيضا- برلسكوني- سادرا في ما يسدرُ فيه الآن، من تصابي، وهو التصابي الذي يسدرُ في غيه الآن، كثير من الإعراب، ولا أستثني منهم الكثيرين من العرب المستعربة، في السودان! محاولات برلسكوني (لتركيب مكنة شاب) بدأت قبل وقت طويل من معرفته ل( روبي) الصبية الولعة، التي في عمر إبنته، والتي تتكلمُ الايطالية بلكنة البربر، والتي ظلت لوقت تتحدث للصحف والاذاعات والشاشات، عن علاقتها بدوتشي ايطاليا العجوز. وهى الفضيخة التي أزكمت أنف زوجته، وجعلت ايطاليا كلها تعطس:(بالله شوفوا الجُلك المجلكن دا)! محاولة مستر برلسكوني، للتغطية على هزائم الزمن، التي يصرخُ بها وجهه، وما تبقى من شعر رأسه، بدأت قبل سنوات طويلة، ذات سباق انتخابي مجنون. وقف- ذات صباح أو أمسية- أمام المرآة. جفل لوهلة وهو ينظرُ إلى وجهه، ورأسه. لو كان قد نظر، بعينيه هو- وهو في تلك اللحظة- لما كان قد جفل، ولما كان قد سب في سره، تتابع الايام، والفصول، ولما كان قد شتم الزمن، وتوعده بأنه سيعود به القهقرى، إلى أيام زمآآآآآن، لكن،،، لكنه- برلسكوني- كان ينظرُ إلى نفسه، بعينى الزمن الذى ولىّ.. الزمن الذي لن يعود به- إطلاقا- نضيرا، وفتيا، وحيويا، كما،،،، كما كان! همس لنفسه، في بؤس وأسى: – يآآآه،.. هذه التجاعيدُ، ربما تفقدني صوت إمرأة، وأشياء منها أخر.. ربما تفقدني( وبس) حتى صوت (مراتي) ! كانت المرآة، لا تزال ترددُ همسه البائس والأسيف لنفسه، غير أنه لم يعرها أي أذن. فقط، راح يجرجرُ خطواته المتثاقلة، إلى أشهر عيادة، في روما، معنيّة بإ صلاح ما قد افسد الدهرُ الخؤون، ومنها إلى أقرب صالون تجميل ! في ناصية أحد الشوارع خفيتة الإضاءة، غمز بعينه اليمنى لإمرأة، فلم تبتسم. غمز إليها بالعين اليسرى. لم. لوكان يستطيع أن (يكنتك) لها بالعينين معا- لكان، ولكانت أيضا لم تعره ابتسامة. راودها بلسانه، فتعرفت أذنها على الصوت: - يآآآه، مستر برلسكوني شخصيا؟! ماكنت سأعرفك اطلاق، يآآآه، ما كل هذا الذي عملته في نفسك؟ صراحة.. تجاعيدك كانت تقولُ لي شيئا جميلا. كانت تقول لي إنك نضجت.. كانت تدعوني لأن أعطيك صوتي، أما الآن، بعد كل الذي عملته في نفسك، لا،، لا، مستحيل! ألجمت الجملة المحبطة لسان برلسكوني، غير أنه سريعا فك اللجام. ملأ فمه بجملة مقذعة، وحين حاول أن يرمي بها بذات ايطالية بحارة جنوا الخليعة- في المسافة التي بينه وبينها، كانت المرأة، قد عبرت الشارع، إلى ناصية أخرى، وفمها يطقطق بعلكة( ماشة في كل زواياه على حل شعرها)! في فيللته الأنيقة، وقف أمام المرآة. كانت جبينه بلا تجاعيد، ولا خطوط.. فمه بلا دوائر.. عيناه الاثنتان بلا (كشكشة) تحتهما، أو على الجانبين. شعره الذي أكلت الصلعة جزءا منه، كان أسود(سواد السنين) ابتسم لنفسه، وهتف لها في سره: (ليذهب صوت تلك الفاجرة الى الجحيم)! راح يغمزُ بعينه اليسرى لعينه اليمنى.. ثم باليمنى لليسرى.. وحين حاول أن يغمز بعينيه الاثنتين، للوجه الذي لم تعد فيه تجاعيد، وغضون على الاطلاق، أظلمت الدنيا في وجهه- للحظة- وحين أسرع يفتحهما، اكتشف أن الوجه الذي بات يحمله، لم يعد هو وجهه.. لم يعد وجه برلسكوني ذلك الذي كان يستقيم (كلو على بعضو) مع عمره السبعيني، بالتجاعيد، والغضون ! تلك حكاية الرجل الذي فقد،، فقد وجهه. بالتأكيد، سيمضي وقت طويل، ومستر برلسكوني- وهو في هذا العمر الضائع- يمشي من عيادة (شد وش)، إلى عيادة (شد وش) ومنها إلى صوالين التجميل.. ووجهه.. ووجهه الذي يتناسب مع عمره هذا، لن يعود – إطلاقا- كما كان، في العمر الذي ضاع! و.. حتى ذلك الوقت سيبدو برلسكوني (غريب الوجه) حتى لبرلسكوني نفسه) وسيدخلُ- وهو المتصابى- في فضيحة، ما أن يخرج منها، حتى يدخل في فضيحة أخرى، وايطاليا كلها، تواصل العطس: (بالله شوفوا الجُلك المجلكن دا!) ! وحتى لانظلم برلسكوني- وحده- أقول إن هنالك برلسكونيون كثر في هذا العالم. وحتى لا أظلم كل أولئك- لوحدهم- أعترفُ أنني أصابتني، ذات مرة، ( عُقدة برلسكوني): ذات جلكنة، تصابيتُ : غمزت لإمرأة، كانت تقف في إحدى النواصي، بعيني اليسرى، فما ابتسمت. غمزت لها باليمنى، فما. مشت، ومشيتُ وراءها، أدندن- كما لوكنت في الحمام- بمقطع- من أغنية لعثمان حسين” (تهيم خطواتي نشوانة، تعانق دربك الأخضر، وحات اللوعة والأهات.. يامشوار، ما تقصر! يامشوار، يارائع، كون أول بلا آخر…) وقبل أن أكمل الدندنة، التفتت المرأة، وهى تضيّق ما بين حاجبيها، وأخلافها أصلا كانت قد ضاقت. وقفت. زمّت شفتيها، وملأت فمها بجملة جعلتني أتراجعُ ثلاثة خطوات إلى الوراء: - اختشي على شيبك، ياراجل يا،،،، ! أظلمت الدنيا في وجهى. ملأتُ سريعا، خشمي بجملة، من تلك التي يملأ بها البحارةُ في جنوا خشومهم، وحين أوشكتُ ان أرمي بها في أرضية المشوار الذي لم يعد رائعا، كانت هى قد تركت وراءها بصقة، وأعطتني قفاها، وعجاج كرعيها ! في ذلك اليوم، لعنتُ الشيب، ولو كانت هى قد عيّرتني-أيضا- بغضوني وتجاعيدي، لكنت قد لعنتُ أبا خاش الغضون والتجاعيد- أيضا- إلى يوم الدين! في ذلك اليوم، أسلمتُ رأسي إلى الحلاق، وأنا أقول: - أديهو.. أسود.. زى سواد حظي ! أداهو. و.. حين اكتملت (الصبغة) ونظرتُ إلى وجهي، هالني أن أكتشف أن رأسي (غير) ووجهي (غير): اكتشفتُ أن وجهي من عهد (عاد) أو من عهد الفرعون توت عنخ آمون، وشعري من عهد ابني محجوب ! في الطريق إلى البيت، وأنا أجرجرُ ساقين عمرهما أكثر من نصف قرن، وأحمل شعرا عمره (كم وعشرين) عاما، تعلمتُ شيئا على استحياء: مستحيل أن أنتصر على الزمن، ذلك الطويل.. مستحيل الانتصار عليه إلا بالفهم: فهم أن ليس من أحد يصارعُ الزمن، إلا انصرع! أولم أقل لكم إنني أتعلمُ أسرع من … برلسكوني؟ في البيت،رمقتني(الولية) شذرا. لم تقل شيئا، لكن لسان حالها، كان يقول: (والله صحيح الاختشوا ماتوا). في البيت، راح ابني الفنطوز عوض المجيد، يعاين إلى رأسي، شعرة شعرة. أخرج إصبعه الشهير من فمه.. ابتسم في خبث، وهو يقول: إنت يابابا، بعد ماصبغت شعرك، عرفت بيتنا كيف؟! لم ينتظرني ريثما أداري ابتسامة مشاكسة، وخجولة، رفت على جانب من فمي.. لم ينتظرني لأحك رأسي. زادت ابتسامته الخبيثة، بمقدار سنتمتر، وهو يردف: وللا أقولك،،، قاطعته، وأنا لا أنظرُ في عينيه، على الإطلاق: قل ياعوض المجيد.. قل ياعكرود! - هو، بيتنا ذاتو عرفك كيف… يا.. يا.. يابوى؟!