وللسودانيين قصة، نعرفها جميعاً، بل هي طرفة لشخص يذهب يومياً للبقالة المجاورة كي يشتري احتياجاته من سكر وعدس، وزيت، وفي باله أغنية “حاجة آمنة اصبري”، فيجد زيادة على الأسعار يومياً، و لما لم يجد “الزول المسكين” ما يقيه “شر الزيادات” اضطر ببساطة لطرح سؤال بمسكنة، قائلاً ” يعني ما أنوم؟” هكذا، وبكل بساطة، يرد على الأزمة، ويمتص الصدمة، ولأنّ الحكومة منذ وصولها للسلطة عبر انقلابها العسكري طوعت المواطن السوداني، وحولته إلى كائن مستكين بعد أن أمطرته بسياط الضرائب والجبايات والنفايات والنظام العام، ما عادت تجد حرجاً في تحميله دوماً أعباء أخطائها، وصرفها بطريقة من لا يخشى الفقر، وتبديد الأموال العامة على منصرفات ومرتبات الدستوريين وجيوش الورزاء في حكومة ال77 وزيراً، عدا جيوش المساعدين والمستشارين، وفي هذا السياق نطالب بكشف حساب بعدد الدستوريين، وكم يصرف كل منهم؟. وما هي المخصصات؟. وماذا يفعلون؟. وما هي انجازاتهم، ثم إنّ ذات الحكومة تضع في أولويات مصادر صرف موازنتها العامة؛ على الأمن والدفاع باعتبارها “دولة شمولية، ” وحكومة “خائفة” تحرس نفسها بالجيوش والعسس، والسلاح. ومثلما توقع الاقتصاديون حصول صدمة على الاقتصاد الشمالي بسبب انفصال الجنوب، لكن الحكومة حولت “الصدمة ” وبكل وقاحة ” للمواطن” المغلوب على أمره، وقبل حصول الانفصال، كهدية “سعيدة” مع بداية العام الجديد، وهي ذات الهدايا التي ظل المواطن يتقبلها “برحابة صدر” منذ الانتخابات “المضروبة”، ويوم أمس كان أسوأ فصول سيناريوهات الغلاء، وأعياد القطط السمان، فقد قرر البرلمان بموجب الاعتماد المالي الإضافي زيادة أسعار المحروقات والسكر، زيادات تمثلت في رفع سعر جالون البنزين من 6،5 جنيه (أكثر من 2 دولار) إلى 8،5 جنيه سوداني، والجازولين إلى 6،5 جنيه، وغاز الطبخ من 12 جنيهاً إلى 13 جنيهاً، وغاز الطائرات إلى 6،5 جنيهات، وفرض رسوم 20 جنيهاً على جوال السكر المحلي ليتوازن مع السكر المستورد، كما تمّ بموجب هذه الإجراءات الاقتصادية تخفيض مرتبات الدستوريين فى المركز والولايات بنسبة 25% ويرى الخبراء الاقتصاديون أنّ لانفصال الجنوب دوره في هذه القرارات، برغم أن النفط لا يزال في الموزانة العامة حتى شهر يوليو المقبل، وهو ما يدعونا للتساؤل حول سر هذه الزيادة، برغم أن ذات الخبراء ربطوا بين زيادات مرتقبة، وآثار سالبة بسبب خروج جزء مقدر من الموارد النفطية على معدلات النمو الاقتصادي الكلي وعلى الموازنة العامة لدولة وميزان المدفوعات على المدى القصير والمتوسط إلى جانب أثر خروج ثلث مساحة السودان بما فيها (أراضي زراعية وثروة حيوانية، مياه الأمطار، المعادن، النفط”، وأن هذه الآثار ناتجة عن ضعف الإيرادات للحكومة الاتحادية وانخفاض حصيلة البلاد من النقد الأجنبي والتي ستؤدي إلى ارتفاع حاد في معدلات التضخم، والأمر الذي سيكون له تأثير مباشر على المواطنين الذين سيتأثرون بارتفاع معدلات التضخم، كما أن المرحلة المقبلة مرحلة لا يمكن تجاهلها، وأنّ الانفصال يعني اقتسام الموارد وبالتالي لا يمكن تجاهل مآلات ذلك على الاقتصاد السوداني الذي ضربته الدولة بإهمال الزراعة وخصوصاً مشروع زراعي ضخم مثل مشروع الجزيرة واعتمدت على النفط و الذي بحدوث الانفصال سيكون في كف عفريت خصوصاً في حالة إندلاع الحرب. هذا قبل الانفصال، وكما يقولون ” مناظر الفيلم التراجيدي”، الذي سيشاهده السودانيون بعد أشهر قليلة. ويبقى علينا ” ألا نذهب للنوم” مثلما تقول الطرفة، لأنّ الحكومة لن ترحمنا، أمّا القطط السمان؛ فهم شأن آخر، وقصة تراجيدية أخرى في أزمنة الخصخصة، والمشروع الحضاري، وشريعة الانقاذيين التي أرادات أن تدفعنا نحن ضريبة الانفصال، وقبل أن تجف دمعة الصدمة، ها نحن نتلقى صفعةً قاسية.