الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك: كباشي أطلع الرئيس سلفا كير ميارديت على استعداد الحكومة لتوقيع وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب السلفي وأشكالية التعايش الديني : عبد الحي يوسف نموذجا للازمة
نشر في حريات يوم 10 - 01 - 2013

أعتادت منابر السودان الاعلامية والدينية علي وجه الخصوص في حقبتي
العقدين الاخيرين علي استقبال السيد عبد الحي يوسف أحد أكبر الوجوه
السلفية في السودان والتي تنامي وجودها بعد أن أفسح لها الحزب الحاكم
الطريق لتقارب رؤاهم الايدولوجية ووجدت تلك الجماعات الطريق ممهدا
للنمو بعد ان ملكهم الحزب الحاكم أهم أدوات السيطرة من وسائل الاعلام
وغيرها وبذلك يكون قد فتح شهيتها للتمدد ومن خلال سياسة تكميم الافواه
لصالح فئات معينة مما ساعد من تفوق تلك التيارات السلفية بعد أن انفتحت
لهم أبواب المجد فمن الطبيعي أن يوجهوا سيوفهم بأتجاه من يخالفونهم
الرأي ولخصوم الحزب الحاكم خاصة وان هذه فرصة لن تتكرر أمام اي نظام اخر
قادم وبلغت بهم الجرأة أكبر من ذلك نحو تكفير خصوم الحزب الحاكم….
وعبد الحي يوسف تثثير أقواله شهية الكثيرين للأشتباك معه تفنيدا أو
تأييدا ويأتي ذلك اعدة أسباب علي رأسها أن الرجل مثقف كبير وغزير
المعرفة والانتاج في المجال الديني علي وجه الخصوص وصاحب حضور خاص
قدمتها له أقدار العقدين الاخيرين وذو قدرة كبيرة علي صياغة أفكاره بشكل
موجز ذو بناء متسلسل وصاحب قدرة علي الاصغاء ولكنه يقابل كل ذلك بقدر
من العدائية المطلقة لخصومه ولاعداء الملأ الحاكم وفوق كل ذلك لا
يلتزم الحياد ويلوي عنق الحقائق ويحرص علي التصريح والتعليق بكل ما
يجمل وجه الحزب الحاكم ويلجأ ايضا للتجاهل عن القضايا الاساسية التي
تهم المواطن او بالقفز عليها الي قضايا ثانوية أو يتعاطي معها بقدر
من السطحية ويتسم طرحه بشكل عام بعدم المرونة والللا أعتدال…. ويبقي
عبد الحي يوسف أحد أكبر الوجوه الدينية في السودان وصماما لأمان الحزب
الحاكم في سودان تتهده الفوضي….
شخصيا وعلي الصعيد الشخصي عندي بعض المأخذ علي شخصية عبد الحي يوسف
بأعتبارها شخصية مثثرة للجدال منذ ان قدم للسودان (مطرودا) من دولة
الامارات وأقترح عليه أنذاك الرئيس عمر البشير بعد ان استدعاه في
القيادة العامة وأقترح عليه أستيعابة كضابط في فرع التوجيه المعنوي
بالقوات ةالمسلحة الا ان عبدالحي يوسف أعتذر حتي يتفرغ للدراسات العليا
وقد كشف البشير عن هذا السر لاول مرة وعن علاقته بعبد الحي يوسف عقب
أفتتاحه مسجد خاتم المرسلين بحي الدوحة بجبرة عقب أدائه صلاة الجمعة
وقد تكهنت وسائل الاعلام وقتها بأن قرارا وشيكا سيصدر بتعيين عبد الحي
يوسف أمينا عاما لهيئة علماء السودان خلفا للأمين الحالي محمد عثمان
صالح..الصحافة15/8/2008 ولكن ما هي الاسباب التي أدت الي( طرد) عبد الحي
يوسف ….?والسبب هو ان انه تحدث في خطبة يوم الجمعة في صيف 1992 وكان
يحمل في يده صحيفة الخليج التي كان بها صفحة للشؤون السودانية وكان
الخبر فيها يشير الي هزيمة الجيش السوداني امام الحركة الشعبية في معركة
بور الشهيرة الامر الذي جعل عبد الحي يوسف بهاجم الصحيفة علي بثها مثل
هذه الاخبار التي تنال من السودان وتحدث عن انها معركة بين المسلمين
والكفار وهاجم كل من يساند اولئك الكفار من الجيش الشعبي وكان ذلك امرا
ملفتا في دولة كالامارات التي تعج بالجنسيات المختلفة وتحترم التعدد
الديني ومنهج تسامح الاديان فأضطرت وزارة الداخلية لطرده من الامارات علي
وجه السرعة
ان ما دعاني لكتابة المقال هو صعوبة وأشكالية التعايش الديني في الدولة
السودانية وخاصة في ظل سيطرة خطاب الجماعات السلفية للاسباب التي
ذكرتها مسبقا وقد لا حظ الجميع في الايام القليلة االتي مضت التي شهدت
أعياد الميلاد أطلقت فيها تلك الجماعات الفتاوي التي تحرم ولا تجوز
تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ناهيك عن المشاركة معهم في أحتفالاتهم
وكأننا نعيش في أتون دولتين منفصلتين فهذه الاحداث قاتني للعام 1998
وأنا في العام الاول في المرحلة الجامعية ولم يمضي علي تاريخ دخولي
للجامعة سوي شهران تركت في ذهني انطباع كونته عن شخصية عبد الحي يوسف
وكان الاخوة المسيحين في جمعية الكتاب (المقدس) بجامعة الخرطوم قد
أقاموا معرضهم السنوي للكتاب المقدس مع العلم بأن الحكومة ممثلة في
أدارة الجامعة قد صرحت لهم بالتصديق لأقامة المعرض ولكن عبد الحي يوسف
أستاذ الدراسات الاسلامية وقتها بجامعة الخرطوم قام بتحريض الطلاب علي
حرق المعرض وكفر من يدعون للديمقراطية والاشتراكية والمساواة بين النساء
والرجال وتم حرق المعرض من قبل الطلاب وكانت ان تندلع
كارثة كبري لولا أن الله لطف وقدر….
في يوم 8/12/2009 أصدرت هيئة علماء المسلمين التي يهيمن عليها التيار
السلفي والتي يعتبر الشيخ عبد الحي يوسف عضوا فيها,احد اكبر اركانها
فتوي تحرم الخروج للمظاهرات التي ينظمها أعداء الله ودعاة الفتنة
والعنصريين من أعداء الله( احزاب المعارضة والحركة الشعبية)
وأتهموا المشاركين في التظاهرات بالكفر لانهم موالين للكفار مع ان
التظاهرات كانت قد دعت لها احزاب تحالف جوبا كان الغرض منها تسليم
مذكرة للمجلس الوطني تحسه علي طرح قانون الاستفتاء والقوانين المقيدة
للحريات مثل قانون الامن الوطني حتي تتم مناقشتها قبل نهاية دورة
المجلس وهو حق يكفله الدستور وذكرتني بحرمة موالاة الكفار في الاية
الكريمة قال تعالي : والذين كفروا بعضهم أولياء بعض الا تفعلوا تكن
فتنة وفساد كبير ) ولكن عبد الحي يوسف يعلم جيدا وهو الذي ظل يطلق
لفظ التكفير كثيرا علي معارضي النظام الحاكم وينعتهم بأقبح الالفاظ التي
تأبي النفس الكريمة عن تردادها مثل وصفه لمالك عقار( بالفاجرو الخمار)
ويعلم عبد الحي جيدا ان اول من قام بموالاة من يسميهم كفارا من اعضاء
الحركة الشعبية هو حزب المؤتمر الوطني لانه أول من قام بعقد اتفاق معهم
( اتفاقية السلام الشامل) و التي اصبح بموجبها سلفاكير نائبا للرئيس ولم
يعترض فضيلة الشيخ عبد الحي حينها علي ذلك بل رضي ان يحكمه من حرم
ةالله موالاته….
لقد ظللت ولفترة طويلة أرصد خطاب الشيخ عبدالحي يوسف فهو لا يزال
تقليديا وعاجزا عن خلق مشروع يتمحور حول قهر الملأ الحاكم وكأنهم براء
من التهم تصمم لهم برامج الصون والعفاف ولا يري عبد الحي لهم اي حل غير
ان يوسع لهم الطريق بطريقة لا تعترف بفوضاهم الغريزية وبذلك يكون قد قدم
لهم خدمات جليلة وشغل الناس بقضايا انصرافية عن الاهتمام بالقضايا
الجوهرية كالظلم وتبديد أمول الشعب في ما لا طائل منه فمرات الدولة تكون
ظالمة فحتي لو كانت تقيم الدين تسقط فالظلم هو السوس الذس ينخر في جسد
أي دولة ويعجل بنهايتها فالمماليك والعثمانيين والعباسيين والامويين
هذه كلها مملك اسلامية كانت ترفع نفس الشعارات ولكن اين هي الان…..
ان ظاهرة رجال الدين الذين يزينون للحكام أصبحت سمة محيرة ومتلازمة في
محيطنا الاسلامي وهي ظاهرة قديمة منذ اديان التعدديات حيث كان سدنة
الاصنام والنار المقدسة يتبعون أقوياء الملوك والسلاطين ويفتون ضد
البسطاء واستمرت هذه الظاهرة الي اديان التوحد اليهودية والمسيحية
فالاسلام ويذكرني رجال الدين الموالين للأنقاذ بالامام الغزالي حين قال
: بأن الطلاب في زمانه يفضلون الفقه وعلوم الدين ولا يرغبون في علوم
اللغة وأدابها وذلك لمنافقة السلاطين والوصول لاموال الصدقات
واليتامي والمساكين وقد صدق من وصف أعلام الحكومة وابواقها بالدعارة
الفكرية والسياسية فالمومس التثي تتاجر بأنوثتها لا تختلف عن الذين
يتاجرون بضمائرهم ومسؤليتهم الدينية والوطنية والاخلاقية في سوق
السياسة ولقد قال الاستاذ محجوب محمد صالح انه لا يعرف للاعلام غير مهنة
واحدة هي ( قول الحقيقة ) ولو أن الحقيقة تقال لما كنا في هذا المصير
المجهول والنفق المظلم.. ويخون الاعلامي شرفه المهني عندما يخون الحقيقة
وفي لندن هناك أعلاميون تحت الطلب يتسكعون في الشوارع والمقاهي
كالعاهرات في انتظار الزبائن فالاعلاميون العرب امتدادا للشعراء العرب
الذين كانوا أبواقا اعلامية في خدمة السلطة والمال والجاه والنفوذ….
ان التدين ورع يمنع الانسان من الوقوع في الظلم أكبر الكبائر بعد
الشرك بالله ولذلك تخلي المتدينون عن الانقاذ
عن الانقاذ عندما اتضح لهم انها للشيطان وليست لله كما يزعمون….!
ولقد كنت انتظر من شيخنا الجليل ان يبديء ارائه حول الكثير من الاراء
المهة التي تهم المواطن المغلوب علي امره ولكن عبد الحي يوسف كان من
المحرضين علي الكراهية وزرع بذور الانفصال والتفرقة الدينية ومن يوالون
الكفار بفتاويه ضد من لا يدينون بالاسلام ومن يخالفونه الرأي ولكن هل
ذهبت المسيحية حتي بعد ان انفصلت دولة الجنوب….؟ فسماحة الدين الاسلامي
علمتنا ان نحترم جميع من يخالفونا في الدين ولقد كان لنا في رسول الله
أسوة حسنة ولقد كان للقائد الفذ صلاح الدين الايوبي الكثير من الجنود
المسيحين في جيشه وساعده الايمن كان من المسيحين هو( القائد عيسي)
وكان محل احترام صلاح الدين الذي كان يهنئهم بأعيادهم ويشاركهم ولذا
احترمه خصومه قبل أصدقائه واشهرهم عدوه اللدود( ريتشارد قلب الاسد)
ويحفظ لصلاح الدين الايوبي قولته المشهورة (الدين لله والوطن
للجميع)…..
لقد كان يوسف الكودة من أشد المتشددين والمتطرفين قبل ان
يتحول الي الاعتدال ويكون حزب الوسط الاسلامي لتقديم انموذج اسلامي مشرق
فكرا وتطبيقا وليصبح اكثر مرونة وتعديل لغة الخطاب لتصبح اكثر
جاذبية……
وكما برز من الوجوه السلفيه الشيخ الراحل المقيم محمد سيد حاج كنجم لامع
في فضائنا وهو من افضل الوجوه التي قدمتها التيارات السلفية في تاريخنا
المعاصر وبالرغم من انه متشدد بعض الشيء الا ان خطابه كان جاذبا علي
غير عادات التيارات السلفية ولامس قضايا مهمة وحمل هم الشباب وداعب
أحلامهم والبسطاء كان لهم نصيب وبالرغم من فترته القصيره الان اخذ حيزا
واسعا وانسي الناس شخصا اسمه عبد الحي يوسف وبالرغم من انه لاح في الافق
الا انه مر سريعا كالشهاب وحقق حضورا مقدرا بفضل خطابه الجاذب ولقد كنت
من المحظوظين فلقد درسني كلا من الشخصيتين عبد الحي يوسف ومحمد سيد حاج
وكان الفرق واضحا وبالرغم من انني اختلف معهما فكريا فلقد كان عبد الحي
يوسف يؤدي محاضراته ثم ينصرف مباشرة وكان اكثر صرامة وهذه فيما يبدو
انها عادته اي سمة طبيعية بالنسبة له ولا احتكاكات كثيرة له مع الطلاب
علي عكس الاستاذ محمد سيد حاج الذي دخل كالنسيم الي قلوبنا جميعنا
بمختلف انتمائتنا الفكرية وتكتظ القاعة قبل مجيئه ومن جميع طلاب الكليات
الاخري ويداعبه الطلاب كثيرا ويكيلون له الاسئلة من كل الاتجاهات
ويتقبلها بسعة صدر ويتحلق حوله الطلاب بعد انتهاء المحاضرة فلقد كان
شخصا غير عاديا وكان يهتم بقضايانا الشخصية وكان رقم هاتفه متاحا
للجميع نتصل عليه في كل الاوقات ومنزله محل ترحابنا في اي وقت وبالرغم
من رحيله الباكر الا ان حضوره لا يزال طاغيا حتي الان……
ان السودان أشبه ما يكون بغابة من الهويات الثقافية والدينية بيد ان
هذا يعني انتفاء الوشائج والاواصر التي تشد من هذا النسيج ببعضه ليشكل
لوحة أثنية ودينية وثقافية وأجتماعية رائعة وعليه ينبغي أن أن تقوم
الدولة بواجبها تجاه هذا التنوع وحمايته وتطويره مشفوعا بالخطط
والبرامج دون تحييز وأصبح من الضروري أفساح المجال لظهور تيارات
دينية مختلفة وأعطائها فرصتها للظهور فظهور مدارس فقهية مختلفة
وتيارات متعددة في الفقه تعبر عن هذه الاختلافات وتحرك الجمود الفكري
من حالة القيود حتي تلغي من هيمنة هذه التيارات السلفية للأسباب التي
ذكرناها مقارنة بالتيارات الدينية المقابلة بأعتباران هذا مؤشر أيجابي
ولا يمكن ان يحدث اي اصلاح وتلك الافكار مسيطرة علينا ومالم يفضح هذا
هوس الديني.. فالتحامل الديني والثقافي واللغوي والاجتماعي في السودان
أشبه ما يكون بجدار الجليد أي حرارة كفيلة بتذويبه لأن معرفة
السودانيين لبعضهم بتنوعهم سيكون بمثابة الشمس التي تذيب جبال الجليد
وجدرانه التي تفصل بينهم ….
لقد أستفادت النخب المتسلطة في أرتريا من الانفصال وأصبح لها قطيع
منفصل تستغله لحسابها الخاص وكان ذلك خصما علي الاسلام وعلي المسلمين
في أثيوبيا الموحدة وكذلك حال المسلمين في الهند الذين أصبحوا أقلية
أمام الهندوس ولم تكن باكستان ملاذا أمنا من التعدد الديني والمذهبي
والعرقي وهي الاكثر فقرا وتخلفا وأقل أمنا وأستقرارا سياسيا قياسا
بالهند لغياب الحرية والديمقراطية ودولة المواطنة ولن يكون السودان
ملاذا أمنا لامثال الطيب مصطفي وعبد الحي يوسف من التعدد وللتعدد وجود
داخل البيت الواحد والاسرة الواحدة والعرق والدين والمذهب فلقد خلق
الناس مختلفين شكلا ومضمونا ونفوسهم مختلفة كسحناتهم وبصمات أصابعهم
وربنا ما خلق هذا عبثا وأتذكر في أحدي حلقات الاتجاه المعاكس أستضافت
الاستاذ المحامي ساطع الحاج مع الطيب مصطفي ذكر الطيب مصطفي أن التعدد
في الشمال يجمعه الاسلام فرد عليه مقدم الحلقة في ان لماذا يتقاتل
المسلمون في دارفور ويقتل بعضهم بعضا….؟ ولماذا لم يحل الاسلام مشاكل
الاكراد في العراق وتركيا وأيران والامازيغ في الجزائر؟….
لم يكن لمحمد بن القاسم الثقفي فضل في نشر الاسلام في شبه القارة
الهندية أوعبدالله بن أبي السرح في نشر الاسلام في السودان بل كانت
الحرب دعوة للكراهية وانهار الاسلام في الاندلس لأن المسلمين كانوا
غزاة ومستعمرين وليسوا دعاة كما يزعمون ولولا أن الاسلام أصبح
سوبرماركت يرتزق منه الكثيرون وأداة للقهر والاستبداد لما تراجع امام
المسيحية في أفريقيا وقد ثبت ان الاسلام في السودان لا يتمدد ولا ينتشر
الا في مناخات الحرية والتسامح والتعايش الديني والامن والاستقرار
والحوار الصامت بين الناس في معترك الحياة وكان الاسلام يتمدد في ظل
الاستعمار البريطاني ولم يواجه بأي مقاومة الي ان جاءت قوانين سبتمبر
1983 وأصبحت حاجزا مخيفا امام الاسلام ولكن عبد الحي يوةسف أتضح أنه ليس
مهموما بمستقبل الاسلام في السودان….
ان العالم كله أصبح يتفرج علينا لفضائحنا التي أصبحت تصدر للعالم أجمع
ولا مثيل لما يحدث في السودان في أي دولة وقد هان السودان علي أهله
وأصبح وطنا بلا وجيع فعبد الحي يوسف وجماعته لا يعترفون بالاخرين حتي في
داخل الدين الواحد وجماعة الطيب مصطفي ساهمت في فصل السودان وتريد
المزيد وحزب التحرير لا يعترف بحدوده الجغرافية والانقاذ( احمد وحاج
أحمد) والشعب السوداني مغلوب علي أمره وممنوع من الاحتجاج علي الذين
يتاجرون بوطنه في سوق السياسة الاقليمية والدولية فالوضع في العراق
أفضل من السودان لأن كل المكونات العرقية والدينية والمذهبية متفقه
علي وحدته أرضا وشعبا كخط أحمر يتراجع أمامه الجميع ولكن عبد الحي يوسف
يحاول دائما أن يبحث عن شماعة يعلق عليها مسؤلية فشل الحكومة وفي خطبة
الجمعة 2/12/2012 بمسجد جبرة ذكر فضيلة الشيخ بأن ما تمر به البلاد من
غلاء وكوارث سببها ذنوبنا ومعاصينا وأعمالنا السيئة وهذه صيغة فقهية
لأنقاذ الملأالحاكم عن مسؤليته مما يعانيه الشعب المغلوب علي أمره
وبهذه الصيغة فان المظلومين مسؤلين عن ظلمهم لسوء أخلاقهم وليس لظلم
حكامهم والحل يكمن في تغيير المحكومين وليس الحكام؟…..
ان قضية االتعايش الديني أضحت مأزومة جدا ولا يمكن حسمها بأليات الحسم
الظرفي والطلاء التنظيري المثقفاتي وبات من الضرورة مناقشة الواقع بوضوح
ان اريدت الحقائق كاملة وبأعتبار ان تلك التيارات السلفية أصبحت تغرد
وحيدة في محيطنا السوداني وبأعتبارها عقبة وحجرعثرة امام التسامح الديني
حتي لا يصبح الاسلام حقلا للتجارب الدخيلة والفطيرة في استيطان قيم
الاسلام الجوهرية كالعدالة والمساواة والاستقامة ومكارم االاخلاق
والالتزام بها حتي لا تسيء للدين الاسلامي قبل كل شيء فضلا عن كلفتها
السياسية أضحت باهظة للغاية ومهددا للتماسك الوطني والتعايش الديني بشكل
جدي….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.