محمد الحافظ محمود في اجتماعها بتاريخ 26/9/2012 بدار الكتاب السودانيين أنهت لنا بعض منظمات المجتمع المدني الوطنية أنها قد تم إستدعاؤها من قبل مفوضية العون الإنسان ثم أخُضعت لتحريات مجحفة ووجهت بأسئلة مستفزة أعقبها أن خلصت المفوضية لمقولات على شاكلة عدم توفيق تلك المنظمات لأوضاعها وفق أحكام المادة (8) من قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لسنة 2006م -دون الإفصاح عن ماهية تلك الأوضاع المراد توفيقها وتلك لعمري غلواء وذاك تربص وشراك-وعدم إخطار المفوضية بالأنشطة التي قامت بها المنظمات المعنية ثم الزعم بأن تلك الأنشطة –أو بعضها- سياسية تخرج عن دائرة أهدافها المنصوص علنها قانوناً.. والعجيب أن إطلاق هذه المقولات وفي شكل لائحة إتهام قد جاء شفاهة بما يناقض الأداء الرسمي المتمثل في “القرار الإداري” وهو القرار الذي تصدره جهة إدارية-المفوضية- بوصفها سلطة عامة بقصد إحداث أثر قانوني معين يتعلق بحق أو واجب.. وبالرجوع لفكرة العمل الطوعي الإنساني وأسباب نشأتها وتطورها وفي ضو المعايير الدولية والفقه المقارن ثم بالرجوع لنصوص قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لسنة 2006م في فلسفته العامة أو حتى بالرجوع للنصوص ذات الصلة مدار الاتهامات آنفة الذكر وبرغم العيوب والعوار الدستوري الذي شاب بعض نصوص هذا القانون فإنه ينبغي التأكيد على الآتي: 1- أن حرية تنظيم وتكوين ونشاط منظمات المجتمع المدني مما يندرج بالضرورة تحت طائلة أحكام المادة (40) من دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005م ومن ثم فالحق في تكوينها وتسجيلها وممارسة أنشطتها مكفول ومحمي بأحكام هذه المادة بالقدر الذي يؤكد أنها-أي المنظمات- بالضرورة أحد روافد المجتمع الديمقراطي ومن ثم يلزم ويجب عدم التضييق عليها أو الانتقاص والحد من ممارسة أنشطتها لاسيما وأن أنشطة هذه المنظمات مشمولة بالحماية الدستورية وفق أحكام المادة (48) من الدستور. 2- أنه من واجب مفوضية العون الإنساني- وهي بنص القانون جهة تنظيم وتسهيل ومعاونة- أن تستصحب في تعاملها مع منظمات المجتمع المدني حال تقيد الأخير بالحد الواجب من متطلبات القانون ما نصت عنه المادة (27) (3) من دستور جمهورية السودان من حيث كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة والتي تسمو على كل تشريع قطري بما يؤكد احترام منظمات العمل الطوعي والإنساني وتسهيل مهامها والتعاون معها لانجاز مهامها الوطنية دون مضايقة أو تحقير أو إهانة. 3- وأياً كان العيب والعوار الدستوري في بعض نصوص قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لعام 2006م فإنه مما لا شك فيه أنه ينبغي فهم وتفسير تلك النصوص بما يتوافق مع تلك الحماية الدستورية والتي تفرض روحها على كافة التشريعات دونها. 4- أن التكييف الموضوعي والقانوني لتصرفات المفوضية محل هذه الفتوى مما يندرج كما تقدم القول تحت وصف القرار الإداري وأن لم يصدر بالشكل الرسمي المعتاد.. وأن كنا نحسب أن “الجدية الرسمية” تقصر عن هذه التصرفات إلا أنه ليس بالمستبعد أن تنتهي هذه التصرفات لقرار رسمي بالشكل والجدية ومن ثم وجب التحسب للتصدي قضائياً عن طريق الطعن الإداري وفق ما وافقني فيه زميلي العالم / كمال الجزولي، إذ ببساطة فأن الرقابة القضائية على التجاوز في استعمال الصلاحيات التنفيذية يبقى دوراً تاريخياً ظلت تتطلع به محاكم القضاء الإداري. 5- لقد توقفنا ملياً عند عبارة “توفيق الأوضاع” الذي عابت به المفوضية على المنظمات.. وبالرجوع للفصل الثاني من قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني ( المواد من 8 وحتى المادة 14) نراها-للدهشة- تتناول واجب التسجيل دون غيره.. ومن ثم فقد صح تماماً ما ذهب إليه استاذنا العالم د. أمين مكي أنه بتمام عملية التسجيل وشفافية المنظمة في نشاطها وتقديم حساباتها وفق الضوابط المرعية فإن المنظمة تكون قد أوفت بالتزاماتها القانونية بالكامل. 6- أن الزعم بأن بعض أنشطة المنظمات المستدعاة هي أنشطة سياسية (؟!) لهو في تقديرنا (المحرك) الحقيقي وراء تلك (التحرشات) حتى وأن قيل بأمور أخرى.. ونرى أن ثمة قراءة خاطئة عن جهل أو عمد لمنطوق المادة (6) من قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لسنة 2006م والذي يقرأ ” تشتمل ولا تقتصر الأهداف الإنسانية الرئيسية إلي آخر النص” بمعنى أن الفقرات من (أ) وحتى (ح) ليست هي بالضرورة الأهداف الرئيسية للمنظمات بل ليست هي الأهم وهذا مأخوذ من عبارة (ولا تقتصر).. أذن في الأمر سعة أو كما تفضل استاذنا العالم د. أمين مكي مدني أن التعاطي مع القيم الدستورية والتوعية بها مثلاً لا تخرج بحال عن أهم أنشطة منظمات المجتمع المدني.. وغير ذلك من الموضوعات التي تمس عصب حياة الناس. 7- غاية الأمر فإن روح القانون أهم من كل نصوصه حتى لو أستقام قصد النصوص وحسنُت مراميها .. ونرى بالنظر للعوار والعيوب الدستورية التي شابت بعض نصوصه- والتي يمكن تفاديها تحت ستار التفسير والفهم باستدعاء الحماية الدستورية وتحكيم المواثيق الدولية والفقه المقارن-فإن إعداد القانون على النحو الماثل كان أقرب إلي أجواء تربص بالمنظمات منه إلي أجواء تشريع وأحكام!! تلك هي فتوى أو رأي قانوني يمكن البناء عليه أو الإضافة إليه أو إثارة جدل قانوني جاد حول كيفية التعاطي مع نصوص القانون المذكور أو التصدري لتطبيقات أو تفسير مشتطة أو مغرضة على نحو ما كان. محمد الحافظ محمود أمدرمان في 29/9/2012م ملحوظة : هذه الفتوي القانونية صدرت قبل قرار السلطات الامنية لحزب المؤتمر الوطني إغلاق المراكز الثقافية وبعض منظمات المجتمع المدني المسجلة وقبل ممارسة الاجهزة الامنية للارهاب ضد المنظمات التي ذهبت لمباني ما يسمي بالمفوضية القومية لحقوق الانسان لتسليم مذكرة احتجاج ضد الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان في السودان ومن المهم الاشارة الي ان الفتوي تنبأت بصريح العبارة بأن السلطات الامنية لنظام الانقاذ ستتخذ اجراءات متشددة ومتعسفة ضد منظمات المجتمع المدني السودانية .