٭ بالامس قلت ان الازمة بلغت مداها، وان الاجراءات التقشفية التي اعلنها امام المجلس الوطني وبصم عليها أعضاء المؤتمر الوطني الذين هم اغلبية في المجلس الوطني.. اجراءات ليس في مقدورها ان تعالج الازمة.. فالازمة قديمة ومتعمقة وقد وصلت الى نخاع التجربة الانقاذية.. وكل العلاجات المسكنة لا تجدي في هذه الحالة المستعصية. ٭ اذكر عام 9991 وفي الايام الاخيرة فيه بالتحديد ايام 92-03-13 كتبت اعمدة ثلاثة ناقشت الازمة.. ازمة نظام الانقاذ ولأن الذكرى تنفع المؤمنين، سأعيد نشر الاعمدة التي كانت في زاوية صدى بصحيفة الرأي الآخر. «الافق على امتداده يردد اصداء متداخلة ومتفاوتة.. اصداء من كل نوع ولون.. اصداء انفجار الازمة السياسية في السودان.. ازمة نظام الجبهة الاسلامية التي تمددت على السطح بعد ان كانت تدور خلف الكواليس وتتجاذبها التصريحات التي تنكر وجودها حتى بعد المؤتمر التأسيسي. ٭ ومضى الاسبوع الثاني على قرارات رئيس الجمهورية لتي اعلن فيها حالة الطوارئ وفض جلسات المجلس الوطني وتعليق بعض مواد الدستور.. وكل الناس يتابعون ويتحدثون ويحللون ويعلنون مواقفهم، والزملاء الصحافيون يلهثون ويهرولون ما بين المؤتمرات الصحفية التي تعقد بمقر المؤتمر الوطني الحزب الذي اصبح نصف حاكم وبين وزارة الثقافة والاعلام.. وتلك التي تعقد بالقصر الجمهوري. ٭ وطوال الايام الفائتة تدفقت المعلومات ونشطت الفضائيات ومحطات الاذاعة.. وامسك رئيس الجمهورية بزمام الامور في البلاد.. وظل يؤكد ان كل ما تم يهدف اساساً لتأكيد هيبة الحكومة والقضاء على ازدواجية القرار والقيادة، واتكأ على حكمة اهل السودان بأن رئيسين يغرقون المركب. ٭ وتوالت المعلومات عاصفة وانكشفت الاسرار وجاءت الاجابة على السؤال الذي ظل متأرجحاً على الصعيد النظري وثابتاً في ارض الواقع، سؤال الاخ قلندر مع بداية انقلاب 03 يونيو هل هؤلاء الرجال جبهة؟. ٭ انفجر الشيخ دكتور الترابي غاضبا ً ووصف رئيس الجمهورية بأنه خان حزبه الذي اتى به الى السلطة وخان الدستور.. بل المح الى انه سيلجأ الى المحكمة الدستورية التي شكك في حكمها مسبقاً، بل اشار الى اللجوء الى الشارع السياسي وخطورة الاثارة واضحة. ٭ ومن ناحية اخرى قال الفريق البشير انه نفذ انقلاب 03 يونيو بأمر الجبهة، وايضاً حل مجلس قيادة الثورة بذات الامر، وهو الآن رئيس المؤتمر الوطني وان الحكومة حكومة المؤتمر الوطني ومن اراد ان يخرج فليخرج. ٭ توالت عمليات التأييد الدولي والاقليمي والمحلي للخطوة التي قام بها البشير، وهذه تبعتها تحليلات وتفسيرات من الجهة الاخرى وصلت حد الاتهام بالعمالة والتدخل الاجنبي. ٭ وبالامس القريب ابقت هيئة الشورى على الوضع كما هو في انتظار المحكمة الدستورية وكثرت التساؤلات مرة اخرى.. هل هذا هو الفصل الثاني من مسرحية صبيحة الثلاثين من يونيو 9891م؟. ٭ هذا هو الواقع الماثل واقع ان الازمة انفجرت داخل الجبهة وان الفريق البشير استشعر الخطر وخاف من ان تغرق المركب.. وخطوته لاقت ارتياحاً.. لا سيما في اشارتها لتفعيل مبادرات الوفاق واتساع دائرة الحريات والمشاركة، وهذه كلها مؤشرات قد تساعد على تفادي غرق المركب، ولكن تبقى الحقيقة الكبيرة وهى ان الاستغراق في مناقشة مشاكل الحركة الاسلامية وانشقاقاتها وكشف اسرارها يبعد كثيراً عن لُب المسألة وهى حقيقة فشل برامج حكومة الانقاذ التي قادت الى الواقع الذي نعيشه.. بينما المطلوب اعانة رئيس الجمهورية في اطار مسؤوليته القومية في اخضاع التجربة للدراسة وتقييمها حتى تتمكن القوى الوطنية مجتمعة من مغادرة محطة الكلام.. الكلام الذي اصبحت سوقه رائجة ولكن بلا فائدة. ٭ نحن في مفترق طرق.. والازمة الاقتصادية في كل شيء وكلما ضاقت اتت جحافل الظلام لتزيدها ضيقاً.. الضائقة المعيشية طرقت كل باب ودخلت وتربعت في كل انحاء النسيج الاجتماعي، خلخلته ومزقته والحرب اللعينة تحصد الارواح والمقدرات. ٭ المسألة ليست مسألة اشخاص.. ليست مشكلة بين الفريق والشيخ او بين القصر والمنشية كما يسمونها.. ولكنها أزمة برامج وفشل رؤى نتمنى من الفريق البشير ان يضعها في هذا الاطار حتى نبارح محطة اسواق الكلام التي لا تقدم شيئاً. اواصل مع تحياتي وشكري 92/21/9991«الرأي الآخر»