حذر التقرير السنوي لمنظمة هيومن رايتس ووتش من انتكاسات قد تشهدها حقوق الإنسان في العديد من الدول العربية، وركز بالأساس على دول الربيع العربي التي أفرد لها التقرير مساحات ركزت على مسارها في التغيير بعد إسقاط الأنظمة المستبدة. التقرير الذي صدر قبل أيام حذر مما دعاها مخاطر استعلاء واستفراد الأغلبية بالسلطة، وتحدث عن المصاعب التي تواجه انتقال الثورات من مرحلة التظاهر إلى مراحل الاستقرار، وحذر شركاء الثورة من التفكير في العودة إلى أنظمة القمع بعد تحقيق أطرافٍ الأغلبية الحاكمة. ووجّه انتقادات للدستور المصري الجديد، وقال إنه تضمن عبارات عامة قابلة لتفسيرات عديدة عن ضمان الحقوق والحريات. كما انتقد الفترات الانتقالية في دول الربيع العربي، وحذر من خطر بقاء ليبيا ضعيفة في مجال بناء دولة القانون. ولم يستثن التقرير أيضا الدول العربية الأخرى، حيث تحدث عن تراجع في الحريات بغالبية الدول. حقوقيون أبدوا موافقتهم على ما تضمنه التقرير من خلال رصد مراكز يعملون بها لحالة حقوق الإنسان في الدول العربية ودول الربيع العربي خصوصا. رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور تحدث عما رصده “برنامج رصد وتوثيق الانتهاكات في العالم العربي” الذي كان المركز أحد أركانه، إذ كوّن فرق رصد ميداني لتوثيق الانتهاكات، خاصة الواقعة على حرية الإعلام في مصر والأردن وتونس. وقال منصور إن “أكثر ما يلفت الانتباه أن الانتهاكات الجسيمة ضد الإعلاميين بالذات لا تزال مستمرة، ومصدرها السلطات الحاكمة بشكل مباشر”. وأضاف “في تونس غالبية الشكاوى الموثقة اتهم فيها الصحفيون أعوان الأمن ولجان حماية الثورة بارتكاب الانتهاكات بحقهم”. وعن مصر قال إن “الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في ظل الحكم المستبد السابق تتكرر اليوم، بل إن ما سجل من قضايا تتهم صحفيين بإهانة رئيس الجمهورية خلال ستة أشهر فقط، تفوق عدد ما سجل من هذه القضايا إبان الحكم المخلوع”. ويشكل الإفلات من العقاب السمة الأبرز في معالجة الانتهاكات ضد الصحفيين وفقا لمنصور، وقال إن “غالبية الانتهاكات التي جرى الإبلاغ عنها لم يتم التحقيق فيها بشكل مستقل، أو لم يتخذ بحق مرتكبيها إجراءات حقيقية”. أما الأردن -الذي يعتبر من الدول العربية التي تشهد حراكا سياسيا نشطا- فوجه له تقرير هيومن رايتس ووتش انتقادات لاسيما في توسع محكمة أمن الدولة في ملاحقة النشطاء وحبسهم. وتحدث منصور عن استمرار استخدام هذه المحكمة العسكرية في محاكمة الصحفيين، وهو ما يضرب مصداقية التعديلات الدستورية التي أقرت بكافة مراحلها العام الماضي. بدوره تحدث رئيس مركز الحياة للتنمية وحقوق الإنسان عامر بني عامر عن مؤشرات غير إيجابية في مجال احترام حقوق الإنسان بالدول العربية. وقال بني عامر -الذي راقب الانتخابات وحالة حقوق الإنسان في عدد من الدول العربية وخاصة دول الربيع العربي- للجزيرة نت، إن الأنظمة التي جاءت بعد الثورات أو التي ما زالت تشهد حراكا يطالبها بالتغيير، ما زالت عاجزة عن احترام حقوق الإنسان الأساسية، وخاصة الحريات الفردية وحرية التعبير والرأي. وركز على ما وصفها “بالانتهاكات المؤسفة” للحريات من قبل النظام المصري الجديد، ولفت إلى ما تشهده تونس من بعض الانتهاكات لاسيما ما اعتبره تحفظا من قبل النظام الجديد حيال منظمات المجتمع المدني ونشطائه، واستمرار السلطة في استخدام الفصل ال121 الذي ورثته الدولة من عهد زين العابدين بن علي الذي وضع نصا فضفاضا حول تعكير صفو النظام. أما عن الأردن فقال بني عامر إنه رغم إقراره قانونا يسمح بالتظاهر دون إذن، فإن السلطة سجلت اعتداءات على متظاهرين في أكثر من مناسبة وحاكمت نشطاء بتهمة التجمهر غير المشروع، وهو ما يتناقض مع هذا القانون. ولفت إلى أنه رغم الشكل الإصلاحي والنزيه للانتخابات البرلمانية الأخيرة فإن القوانين الناظمة للعملية الانتخابية لم تتمكن من مقاومة انتهاكات خطيرة، أبرزها شراء الأصوات التي فاز متهمون بها بعضوية البرلمان الجديد. وذهب إلى اعتبار أن ما ينطبق على الأنظمة الجديدة في مصر وتونس وليبيا ينطبق على المعارضات في بعض هذه الدول، معتبرا أن العالم العربي بحاجة إلى ثورة تغير من ثقافة الحريات وحقوق الإنسان والحكم الرشيد لدى الأنظمة والأحزاب على حد سواء.