"بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    الجيش السوداني: كادوقلي تصد هجوم متمردي الحركة الشعبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاغتيال الدِّيني … مِن الخازندار إلى بَلعيد!
نشر في حريات يوم 14 - 02 - 2013


(رشيد الخيّون – ميدل ايست أونلاين)
لا حصر لحوادث الاغتيالات بين الأَحزاب السِّياسية، أو تبادلها بين السُّلطات ومعارضيها، مثلما حصل بين “الإخوان المسلمين” والحكومة المصرية، قبل (1952) وبعدها، والمؤسس حسن البنا اغتال واغتيل (1949). ومثلما حصل بين السُّلطات السورية و”الإخوان” مِن تبادل اغتيالات (مطلع الثمانينيات)، وما حدث بعد الثَّورة الإسلامية الإيرانية مِن اغتيالات متبادلة وقصصها مشهورات. وما حصل إبان الثورة الروسية (1917) والثورة المصرية (1952)، بل وما حصل للمهاتما غاندي (30 يناير 1948) بالهند، مع أنه كان: سلام في سلام.
الاغتيال درجات، وشرها ما ارتبط بدافع ديني، لأنه فعل فقهي، قد يمارس بعاطفة جماعية، عندما تُكَفَّر جماعة بأسرها مِن قِبل الإسلاميين، وهنا لا يبقى الأمر بحدوده السِّياسية، وإنما يُنفذ دفاعاً عن الدِّيانة. والإسلاميون عادة إذا مارسوا الاغتيال لابد أن يصبغونه بصبغة دينية، فالمطلوب يُغتال لأنه عدو الله!
وإليكم توظيف الدِّيني باغتيال القاضي أحمد الخازندار (1948)، عن محمود عساف مستشار مجلس إدارة النِّظام الخاص للإخوان، في كتابه “مع الإمام الشَّهيد حسن البنا” (القاهرة 1993): “دخل الأستاذ (البنا) وهو متجهم، وجلس غاضباً ثم سأل عبد الرَّحمن السِّندي (المشرف على النِّظام الخاص) قائلاً: أليس عندك تعليمات بألا تفعل شيئاً إلا بالإذن الصَّريح مني؟ قال: بلى. قال: كيف تسنى لك أن تفعل هذه الفعلة بغير إذن وبغير عرض على مجلس إدارة النِّظام؟ فقال عبدالرَّحمن: لقد طلبتُ الإذن وصرحتم فضيلتكم لذلك! قال الإمام: كيف هل أُصرح لكم وأنا لا أدري! قال عبدالرَّحمن: لقد كتبتُ إلى فضيلتكم أقول: ما رأيكم دام فضلكم في حاكم (قاضي) يحكم بغير ما أنزل الله، ويوقع الأذى بالمسلمين ويُمالئ الكُفار والمشركين والمجرمين؟ فقلتم فضيلتكم: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (المائدة: 33). فاعتبرتُ هذا إذناً”( ص 147)!
هذا ما أكده أيضاً مستشار النِّظام الخاص آنذاك عبدالعزيز كامل (ت 1991) في “نهر الحياة” (المكتب المصري الحديث 2006)، الذي قال تفاصيل أكثر (ص 46-47). أقول: أليس مسؤولية مَن يُقتل برصاص النِّظام الخاص هي مسؤولية منشئه الإمام البنا؟! النِّظام الذي بدأ باسم “أنصار الله”، ثم الخاص ثم السِّري، وعند البيعة يتم القسم على “المصحف والمسدس” وفي غرفة معتمة (العساف، ص 155). فماذا يُرتجى مِن أجيال تربت وتدربت في العتمة؟!
كان اغتيال المعارض السِّياسي لحركة النَّهضة الإسلامية شكري بلعيد، أمين عام حزب “الوطنيين الديمقراطيين”، الأربعاء (6 فبراير 2013)، يطابق هذا النَّوع مِن الاغتيالات، اجتمع فيها السِّياسي والدِّيني. أُطلق عليه الرَّصاص عند عتبة داره ولاذ الغَوْل، أي منفذ الاغتيال، بالفرار. مِن جانبها وجهت زوجة بلعيد الاتهام إلى زعيم حركة النَّهضة، بوصفها حامية العنف.
فقبل ذلك بُث (يوتيوب) بالصَّوت والصُّورة لخطباء إسلاميين هددوا بلعيداً بالقتل، وكان المفروض أن يحتجز هؤلاء في وقتها. فبلعيد كان خصمهم السِّياسي، ومَن يتابع مقابلاته يفهم أنه الخصم اللدود لهم، وقف ضد تجنيد الشَّباب في معسكرات إسلامية، وضد تدخل الإسلاميين في حياة النَّاس. ويوصف “بلعيد” أنه كان لدوداً أيضاً لنِّظام بن علي. ردت النَّهضة مِن جانبها، لإبعاد الشُّكوك، باتهام أعوان النِّظام السَّابق، لأنهم يريدون إجهاض الثَّورة!
على أية حال، الوقائع ستظهر آجلاً أم عاجلاً، وما فعله المشِّيعون لجنازة بلعيد عين العقل، لِما حذروا زعماء “النَّهضة” وبقية الإسلاميين مِن حضور التَّشييع، فإن كانوا هم الفاعلين أو الحاثين بأسلوب مباشر أو بإيماءة، حسب الأُسلوب الذي كان يمارسه مؤسس “الإخوان المسلمين” مع الخصوم، فهنا يصعب تقبل المشهد أن يسير القاتل بجنازة المقتول وعلى رؤوس الأشهاد! أو أن منع أقطاب “النَّهضة” مِن حضور التَّشييع لدفع الأذى عنهم، فقيل هي الجنازة الأكثر مشيعين في تاريخ تونس المعاصر، وفي مثل هذه الأحوال مِن الصَّعب السَّيطرة على المشاعر والانفعال الجمعي الطَّاغي.
عودة إلى محمود العساف ومذكراته، وكان مِن المخلصين لشيخه البنا، حتى أنه اعتبر ليلة رقوده إلى جنب شيخه، على سرير واحد، محنة لم يأت الدَّهر بمثلها لغيره، يقصد ما له مِن خصوصية في نفسه، ففارق النَّوم جفنه حتى صلاة الفجر، حذراً مِن إيقاظ الشَّيخ، وهو يقول في المقدمة: “كنت أعمل أميناً للمعلومات عنده”(ص 5).
بمعنى أن المريد حاول قدر الإمكان تبرئة شيخه مِن دم القاضي الخازندار، وما قبله وما بعده مِن دماء. وأراد في مذكراته التي سجلها عام (1992)، وهو يقيم عند ابنته ببرلين، أن يُبين “لجيل اليوم مِن الشَّباب الفائر الثَّائر، الذي لم يجد ما يملأ به فراغه الرُّوحي والنفسي، فاستجاب – عن جهل وحِسن نيَّة- إلى دعاوى باطلة وتأويلات خاطئة وأفكار هدامة، ملأ أذهانهم بها متعصبون ومتطرفون ليسوا مِن الإسلام الذي تعلمناه على يدِ البنا في شيء، ذلك الإسلام الحق الذي نادى به رسول الله صلى الله عليه وسلم” (ص 5).
ربَّما قصد العساف بالمتعصبين سيد قطب (أعدم 1966)، وهو الذي ضخ في الجماعة روح التَّكفير، لكن الأخير يُعد مِن الأئمة أصحاب القداسة، ومَن يُطالع كتاب الإخواني عبد الله العقيل “مِن أعلام الحركة والدَّعوة الإسلامية المعاصرة”، يفهم منه أن قطب وبقية الإخوان ملائكة!
وإذ حاول العساف تأكيد براءة شيخه، فإن مرتكب الجريمة هو مؤسس “النِّظام الخاص” عبدالرَّحمن السِّندي (ت 1962)، وهو اليد اليمنى للشِّيخ، وبدلاً مِن أن يُسلم السِّندي ويُطبق عليه القصاص، نرى الشَّيخ برر له الجريمة. قال البنا للسِّندي: “إن كان قتلك للخازندار قد تم بحِسن نية فإن علينا الدِّية”(ص 148). تأملوا العبارة! وهذا ما قد يُفسر به اغتيال المعارض لإخوان تونس شكري بلعيد، أي “القتل بحِسن النِّيَّة”!
على أية حال، الاغتيالات بخناجر النَّزاريين أو سيوف الخوارج أو رصاص الإسلام السِّياسي المعاصر، وآخرها اغتيال بلعيد، نفذت بلبوس ديني، وبحسب عرفهم وتوظيف الشَّيخ حسن البنا للآية: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا”! يتم الاغتيال! ولا أوضح مِن هذا اللبوس الدِّيني في الاغتيال السِّياسي! فأي ديمقراطية ستتحقق، وأي رفاهٍ سيجلبه القتل باسم الدِّين؟! للمقال بقية.
الاغتيال الدِّيني … مِن الخازندار إلى بَلعيد!
)رشيد الخيّون - ميدل ايست أونلاين(
لا حصر لحوادث الاغتيالات بين الأَحزاب السِّياسية، أو تبادلها بين السُّلطات ومعارضيها، مثلما حصل بين “الإخوان المسلمين” والحكومة المصرية، قبل (1952) وبعدها، والمؤسس حسن البنا اغتال واغتيل (1949). ومثلما حصل بين السُّلطات السورية و”الإخوان” مِن تبادل اغتيالات (مطلع الثمانينيات)، وما حدث بعد الثَّورة الإسلامية الإيرانية مِن اغتيالات متبادلة وقصصها مشهورات. وما حصل إبان الثورة الروسية (1917) والثورة المصرية (1952)، بل وما حصل للمهاتما غاندي (30 يناير 1948) بالهند، مع أنه كان: سلام في سلام.
الاغتيال درجات، وشرها ما ارتبط بدافع ديني، لأنه فعل فقهي، قد يمارس بعاطفة جماعية، عندما تُكَفَّر جماعة بأسرها مِن قِبل الإسلاميين، وهنا لا يبقى الأمر بحدوده السِّياسية، وإنما يُنفذ دفاعاً عن الدِّيانة. والإسلاميون عادة إذا مارسوا الاغتيال لابد أن يصبغونه بصبغة دينية، فالمطلوب يُغتال لأنه عدو الله!
وإليكم توظيف الدِّيني باغتيال القاضي أحمد الخازندار (1948)، عن محمود عساف مستشار مجلس إدارة النِّظام الخاص للإخوان، في كتابه “مع الإمام الشَّهيد حسن البنا” (القاهرة 1993): “دخل الأستاذ (البنا) وهو متجهم، وجلس غاضباً ثم سأل عبد الرَّحمن السِّندي (المشرف على النِّظام الخاص) قائلاً: أليس عندك تعليمات بألا تفعل شيئاً إلا بالإذن الصَّريح مني؟ قال: بلى. قال: كيف تسنى لك أن تفعل هذه الفعلة بغير إذن وبغير عرض على مجلس إدارة النِّظام؟ فقال عبدالرَّحمن: لقد طلبتُ الإذن وصرحتم فضيلتكم لذلك! قال الإمام: كيف هل أُصرح لكم وأنا لا أدري! قال عبدالرَّحمن: لقد كتبتُ إلى فضيلتكم أقول: ما رأيكم دام فضلكم في حاكم (قاضي) يحكم بغير ما أنزل الله، ويوقع الأذى بالمسلمين ويُمالئ الكُفار والمشركين والمجرمين؟ فقلتم فضيلتكم: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (المائدة: 33). فاعتبرتُ هذا إذناً”( ص 147)!
هذا ما أكده أيضاً مستشار النِّظام الخاص آنذاك عبدالعزيز كامل (ت 1991) في “نهر الحياة” (المكتب المصري الحديث 2006)، الذي قال تفاصيل أكثر (ص 46-47). أقول: أليس مسؤولية مَن يُقتل برصاص النِّظام الخاص هي مسؤولية منشئه الإمام البنا؟! النِّظام الذي بدأ باسم “أنصار الله”، ثم الخاص ثم السِّري، وعند البيعة يتم القسم على “المصحف والمسدس” وفي غرفة معتمة (العساف، ص 155). فماذا يُرتجى مِن أجيال تربت وتدربت في العتمة؟!
كان اغتيال المعارض السِّياسي لحركة النَّهضة الإسلامية شكري بلعيد، أمين عام حزب “الوطنيين الديمقراطيين”، الأربعاء (6 فبراير 2013)، يطابق هذا النَّوع مِن الاغتيالات، اجتمع فيها السِّياسي والدِّيني. أُطلق عليه الرَّصاص عند عتبة داره ولاذ الغَوْل، أي منفذ الاغتيال، بالفرار. مِن جانبها وجهت زوجة بلعيد الاتهام إلى زعيم حركة النَّهضة، بوصفها حامية العنف.
فقبل ذلك بُث (يوتيوب) بالصَّوت والصُّورة لخطباء إسلاميين هددوا بلعيداً بالقتل، وكان المفروض أن يحتجز هؤلاء في وقتها. فبلعيد كان خصمهم السِّياسي، ومَن يتابع مقابلاته يفهم أنه الخصم اللدود لهم، وقف ضد تجنيد الشَّباب في معسكرات إسلامية، وضد تدخل الإسلاميين في حياة النَّاس. ويوصف “بلعيد” أنه كان لدوداً أيضاً لنِّظام بن علي. ردت النَّهضة مِن جانبها، لإبعاد الشُّكوك، باتهام أعوان النِّظام السَّابق، لأنهم يريدون إجهاض الثَّورة!
على أية حال، الوقائع ستظهر آجلاً أم عاجلاً، وما فعله المشِّيعون لجنازة بلعيد عين العقل، لِما حذروا زعماء “النَّهضة” وبقية الإسلاميين مِن حضور التَّشييع، فإن كانوا هم الفاعلين أو الحاثين بأسلوب مباشر أو بإيماءة، حسب الأُسلوب الذي كان يمارسه مؤسس “الإخوان المسلمين” مع الخصوم، فهنا يصعب تقبل المشهد أن يسير القاتل بجنازة المقتول وعلى رؤوس الأشهاد! أو أن منع أقطاب “النَّهضة” مِن حضور التَّشييع لدفع الأذى عنهم، فقيل هي الجنازة الأكثر مشيعين في تاريخ تونس المعاصر، وفي مثل هذه الأحوال مِن الصَّعب السَّيطرة على المشاعر والانفعال الجمعي الطَّاغي.
عودة إلى محمود العساف ومذكراته، وكان مِن المخلصين لشيخه البنا، حتى أنه اعتبر ليلة رقوده إلى جنب شيخه، على سرير واحد، محنة لم يأت الدَّهر بمثلها لغيره، يقصد ما له مِن خصوصية في نفسه، ففارق النَّوم جفنه حتى صلاة الفجر، حذراً مِن إيقاظ الشَّيخ، وهو يقول في المقدمة: “كنت أعمل أميناً للمعلومات عنده”(ص 5).
بمعنى أن المريد حاول قدر الإمكان تبرئة شيخه مِن دم القاضي الخازندار، وما قبله وما بعده مِن دماء. وأراد في مذكراته التي سجلها عام (1992)، وهو يقيم عند ابنته ببرلين، أن يُبين “لجيل اليوم مِن الشَّباب الفائر الثَّائر، الذي لم يجد ما يملأ به فراغه الرُّوحي والنفسي، فاستجاب – عن جهل وحِسن نيَّة- إلى دعاوى باطلة وتأويلات خاطئة وأفكار هدامة، ملأ أذهانهم بها متعصبون ومتطرفون ليسوا مِن الإسلام الذي تعلمناه على يدِ البنا في شيء، ذلك الإسلام الحق الذي نادى به رسول الله صلى الله عليه وسلم” (ص 5).
ربَّما قصد العساف بالمتعصبين سيد قطب (أعدم 1966)، وهو الذي ضخ في الجماعة روح التَّكفير، لكن الأخير يُعد مِن الأئمة أصحاب القداسة، ومَن يُطالع كتاب الإخواني عبد الله العقيل “مِن أعلام الحركة والدَّعوة الإسلامية المعاصرة”، يفهم منه أن قطب وبقية الإخوان ملائكة!
وإذ حاول العساف تأكيد براءة شيخه، فإن مرتكب الجريمة هو مؤسس “النِّظام الخاص” عبدالرَّحمن السِّندي (ت 1962)، وهو اليد اليمنى للشِّيخ، وبدلاً مِن أن يُسلم السِّندي ويُطبق عليه القصاص، نرى الشَّيخ برر له الجريمة. قال البنا للسِّندي: “إن كان قتلك للخازندار قد تم بحِسن نية فإن علينا الدِّية”(ص 148). تأملوا العبارة! وهذا ما قد يُفسر به اغتيال المعارض لإخوان تونس شكري بلعيد، أي “القتل بحِسن النِّيَّة”!
على أية حال، الاغتيالات بخناجر النَّزاريين أو سيوف الخوارج أو رصاص الإسلام السِّياسي المعاصر، وآخرها اغتيال بلعيد، نفذت بلبوس ديني، وبحسب عرفهم وتوظيف الشَّيخ حسن البنا للآية: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا”! يتم الاغتيال! ولا أوضح مِن هذا اللبوس الدِّيني في الاغتيال السِّياسي! فأي ديمقراطية ستتحقق، وأي رفاهٍ سيجلبه القتل باسم الدِّين؟! للمقال بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.