بالعربى الكسيح محمد الطيب الأمين داؤود مصطفى … موت بحر !! * حامل المسك حتى وإن لم تشتر منه (المسك) سيصيبك منه (طِيب المسك) .. * وحامل المسك لا يؤذي .. * تجد منه الريح الطيب وهذا أضعف الإيمان .. * وبعض الناس هم بمواصفات (المسك) وبصفات (حامل المسك) .. * ناس لا تجد منهم إلا (طيب القول وطيب العمل) .. * وإذا كان هذا هو حال (حامل المسك) فكيف هو حال (المسك) ؟؟ * داؤود مصطفى هو (مسك) وجدنا منه (الريح الطيب والقول والعمل الأطيب) .. * رجل بقامة النخيل ، ونخيل بقامة الوطن .. * وفر نفسه لخدمة المجتمع وكان مبذولاً للناس والحياة .. * دخل عالم الصحافة السودانية مثل نسيم مقدمة الخريف وخرج من الصحافة والدنيا مثل نسيم آخر الخريف .. * وما بين مقدمة الخريف وآخر الخريف كان داؤود مصطفى فصلاً من مطر الروعة ورشاشا باذخاً من الألق والمحبة .. * والناس .. كل الناس.. احتارت في تلك (الطاقة) التى كان يملكها داؤود مصطفى ، ونقصد (طاقة الحب والعطاء) .. * يحب فوق طاقته ويحبه الناس أضعاف ما كان يحبهم؛ وذلك لأنه عاشق لخلق الله وكريماً وصادقاً مع نفسه .. * ولم يصدق سيف الدسوقي مثلما صدق في قوله : (كنت تمنحني السعادة وليا تتفجر عطايا) .. * كان داؤود متفجراً عطايا وهدايا .. * والصحيح أن وجوده معانا وبيننا هو الهديه الأكبر .. * أنا أختشي والله أن اكتب عن رجل كان كلما انتهى صبره تجده يصبر .. * كلما انتهى صبره يلازمه الصبر الجميل .. * رجل أرهق البسمات وأرهقته الأوجاع فطبق القول : (الشكوى لغير الله مذلة) وكان بسيطاً وقنوعاً حتى أن بعضهم حسبه غنياً وما كان غنياً؛ ولكنه آثر العفة والعفاف والأدب .. * كتم وراء البسمات دموع وبكى كثيراً من غير أن نحس به ، ومتى كنا نحن نحس بالآخرين ؟؟ * عرفت الراحل عن قرب وتشاركنا (مكتباً واحداً) لسنوات لم أجد منه إلا كل ما هو طيب من القول والعمل وحسن الظن .. * كان يحسن الظن بالناس حتى كنا نخاف عليه من ويلات الغدر .. * ولكن له قناعة بأن (النوايا حقت الله) ولذلك هو يحسن الظن في كل شخص حتى يثبت له الشخص العكس .. * وفوق هذا يتحمل الناس ويحب الضيوف والزوار ولا يكل من الترحاب والضحك .. * بشوش وخدوم وصاحب مواقف وقمة في التواضع والمشاركة والواجب .. * وكنت أحس أن دور داؤود في الحياة لا يقل عن دور (النحلة) التي لا تنقطع من إنتاج العسل وهو كذلك . * يحبه الصغير والكبير والقدامى والجدد وحتى الذين لم يسجلوا حضوراً في بلاط صاحبة الجلالة .. * طرح نفسه هلالياً معتدلاً وفناناً يغني بالقلم ويغرد فيشجي الناس .. * دائما وأنا في حضرته أحرص على أن أسمع أكثر من أن أتحدث وذلك لاعتبارات أهمها أن الراحل يمثل مدرسة في التعامل والتعاون، وحتى قصصه الواقعية التى حدثت له في الحياة كنا نستفيد منها باعتبارها دروساً وحياة قائمة بذاتها .. * داؤود كان فقيراً يدعم الفقراء وهذه مفارقه عند البعض، ولكنها (سر القبول) الذى يحظى به الراحل لكل من يعرفه .. * وللراحل خير كثير في أهله وأسرته الصغيرة والكبيرة ونحن نشهد له بذلك وغيرنا يشهدون .. * عندما عملنا معهم في صحيفة (حبيب البلد) كنا نحس بأننا نملك (درهم الحظ) وحينما جمعتنا الظروف عبر صحيفة الأسياد ملكنا (مليار الحظ) لأن مصادفة داؤود في أكثر من موقع لا تعتبر درهم حظ ، بل هي (مليار حظ) ويزيد . * ولأن ذلك كذلك؛ كان من الطبيعي أن يتنقل داؤود بين الإصدارات مثل الفراشة او مثل الغيث أينما وقع نفع . * ظللنا نتواصل معه على فترات متباعدة بحكم العمل ومصاعبه؛ ولكنه أفضل منا يبدأ عادة بالسؤال وتفقد الأحوال .. * يهتم بقضايا الناس ومهموماً بالزملاء وأهل الوسط ولعل آخر رسالة وصلتني منه كان يستفسرني عن سر الغياب وهل هذا الغياب سيطول ؟؟ * طلب مني الراحل أن أعود سريعاً للكتابة، وكان الوعد مني خيراً، وشاء الله أن لا أكتب إلا بعد رحيله، وأنا أسطر هذه الكلمات الخجولة في حق رجل تخجل أمامه المفردات السيالة .. * عانى الراحل من داء القلب فكان هذا الفؤاد الذي عشق الناس سبباً في موته والموت لا يحتاج سببا .. * الآلاف دخلوا هذا القلب، ودخل هؤلاء قلوب الآلاف وكان مكانه داخل كل قلب (ناصية) لأنه لا يمنح الداخلين الى قلبه إلا (ناصية) .. * كان يعجبني عند الراحل كل شيء ويلفت نظري ذلك الهدوء والصوت الهامس حتى في اللحظات التى تحتاج ل(الكواريك) .. * رجل بكل هذا الحجم (إندفن) ليلاً في مقابر الصحافة، بحكم من الله وحكم الله قائم وقويم إلى يوم الدين .. * نرضى بالقدر وهو ليس بعزيز على الله .. * كان هو أفضلنا ولذلك أصابنا شيء من الخوف وكثير من الحزن لهذا الفراق الكبير .. * والحزن عادة يبدأ (كبيراً) ويصغر مع الأيام . * وبعض الأحزان تُولد كبيرة وتظل كما هي .. * أحزان تحتفظ بدرجة حرارة الدمع والألم ما بقينا على ظهر هذه الفانية .. * وكذا حزننا على داؤود سيكون كما هو كبيراً .. * ولأن الناس لم تلتفت للراحل هو حياً علينا أن نلتفت لأسرته بعد رحيله؛ حتى نرد بعض الدين ونحفظ الوفاء ونعمق أواصر الحب النبيل .. * ويظل الراحل باقٍ فينا، وتظل ذكراه موجعة فقط نلاحقه بالدعاء ونسأل له الله العالي من الجنان والمغفرة والرحمة .. * اللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عنه وأسكنه فسيح الجنات واجعل الصبر ملازماً لأسرته وكل معارفه .. * رفض القلم أن يكتب؛ ولكن ولكن أجبرناه على ذلك فسجلنا حضوراً حزيناً بهذه الكلمات الركيكه .. * له الرحمة والنور ومدخل الصديقين والشهداء إن شاء الله .. إنا لله وإنا إليه راجعون) )