رأي حر صلاح الأحمدي الذكرى (44) لرحيل الفنانة عائشة الفلاتية يأتيك صوتها فارداً أجنحة الإبداع ماداً ذراع الأماني سائراً بك نحو حلم لا يخلو من ألم وتارةً من إبتسامة هي هكذا في عطائها فوقها بنيت سنابل الحب وينغمس على واقع قلبك كأنه يسير ما فيه وكأنه يطوف بك ناحية الجهات الأربعة فإختر أيهما تشاء كل الجهات صوتها وحضورها المتزن العاقل الوقور . هي الفنانة التي لم يغيِّب الرحيل صورتها بل زادها حضوراً وزادنا ولعاً بها بهذا الحضور الطاغي حين يتسلل إليك صوتها في الليل كأنه يرافقك في سهرة غاب عنها القمر لتأخذ مكانة تضئ جنبات العتمة (سمسم القضارف) تارة و(يجو عايدين) تارة أخرى حاضر الغناء السوداني النسائي كلهن تعلموا منك الغناء ولكن واحدة منهن لم تستطع أن يتعلم منك كيف يرتقي رسالته الفنية كلهم تراجعوا حتى الذين أوجدوا لهم مساحات على خريطة الغناء السوداني جرفهم التيار العاتي وصاروا نسخاً مستنسخة من بعضهم كالمغنيات السودانيات في زمننا الحالي وهكذا لا يبقى من الأصالة إلا صوتك وصوت جيلك من الفنانات عبر شريط قديم نبثه أحياناً وتأخذنا معه لوعة رحيلك وهي تطغى على كل شئ من فنك ترنم به مطرب رغم مضي السنين . أيتها الفنانة الوقورة لقد تغيرت خارطة الغناء النسائي وصارت فريسة صيد من الإنحلال وصار الغناء بالأكتاف والأرداف ولا صوت فيها . كلها حناجر مشوهة كوجوههم التي شوهتها عمليات التجميل وسقوط الإحساس ونفخ كل شئ. لم يفكر أحد في أن يجمل صوته على الأقل ليتمكن من إيصال الكلمة الجميلة أنهن مطربات الخمسة دقائق حتى أنفاسهن مقطوعة بفعل عوامل كثيرة إن من أهم دلائل تراجع الأغنية السودانية النسائية هو حال الجفاف التي نعيشها والتصحر في الأصوات والأشعار والألحان وللأسف حتى أغنيات البنات صارت تقلدا وإمتدت حالة الإفلاس للأغنية الحديثة التي ظلت تعتمد على ملحن واحد ولقد تطاول بعض الملحنين والمطربين على التراث حين أدركوا أن أغانيهم الحديثة المراهقة لم تجلب سوى الإفلاس لذا صاروا يتسابقون إلى الغرف من أغاني الحقيبة ويسجلونها من جديد في مزيج مشوه من الألحان ثم ينسبونها للتراث رغم أنهم يعرفون مطربها الأول وشاعرها وملحنها ولكن البضاعة المتجمدة التي لم تتأثر بها الفنانة عائشة الفلاتية وبنات جيلها في عملية التقليد فقد فشل من تقلدها لأنها أكبر من أن تستوعبها حناجر أصابها الوهن أو تستوعبها عقول فارغة إلا من التفكير في الكسب المادي ويكفي المستمع الجيد وحده يعرف قيمة عائشة الفلاتية كما تعرفها الآذان التي أصغت إليها بإحترام بالغ