وكفى اسماعيل حسن الصبر الصبر الصبر .. فهو طيب * اسمح لي أخي القارىء بأن أذكرك بأن المصائب مهما كثرت عليك فهي إلى زوال.. وإن صبرت عليها كانت العاقبة خيراً وأجراً كبيراً.. * رب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً.. وعند الله منها المخرج.. * انظر دائماً إلى من هم حولك من الناس فستجد فيهم من هو أعظم بلاءً مما أنت فيه ، وانظر وقلِّبْ نظرك فسترى ، وسترى ما لا يقوم له بصرك من أدواء الناس وبلاياهم.. فإن لم تجد في نفسك من الإيمان الباعث على الصبر والاحتساب __ وظني بك أنك نعم المؤمن الصابر __ فاجعل بلايا وأدواء الناس لك دواءً.. فمن ينظر إلى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته.. * واقرأ في كتب الغابرين تجد مصائب الناس مسطورة ، وفي التاريخ مزبورة. واقرأ القرآن ، سيحدثك عن أمراض عباد الله الصالحين ، ومحن المقربين ، وشكاوى العابدين. فذا أيوب كم عانى من المرض(؟) * إذا قلت لي ايوب نبي فسأقول لك نعم نبي ولكنه بشر يَأْلَمُ كما تَأْلَم ، ويحس كما تحس ، ويحزن ويغتم ، بل هو في ذلك أشد بلاءً ، وأعظم امتحاناً من غيره. * وهذا يونس عليه السلام ويالها من شدة ، وكربة ، حيث حبسه الله في بطن الحوت ، فأسقمه البلاء وأمرضه ، حتى عاد جسمه رخواً ليِّناً لا يقوى حتى على القيام.. * وللنساء من البلاء نصيب أيضاً. فهذه مريم العذراء البتول رميت عن قوس الإفك بسهام الريبة ، وتهمة الزنا وهي الصبية العذراء العفيفة الضعيفة التي لا تملك حيلة ، ولا تستطيع سبيلاً، حتى تمنت الموت على الحياة ولم يكن هذا الذي كان، وهي المؤمنة التي تعلم أنه اختيار الله وقدره ومشيئته ، فقالت: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيَاً مَّنْسِيّاً) .. والنسي المنسي هو اللبن الذي ترك حتى تغير طعمه ومذاقه.. * تتمنى أن لو كانت لبناً تُرك وأهمل على هذا البلاء الذي اصطفاها الله له ، ومع هذه الحسرات ، وما يظهر في كلامها وشكواها من ضعف وعجز ، إلا أنها صبرت لهذا الأمر ، وقامت به فماذا كان وما قيل لها وكيف كانت عاقبة أمرها(؟) * قال تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي).. وكم كانت بحاجة إلى أن يقال لها (لَا تَحْزَنِي) فقد كانت حقاً حزينة ، ولا شك أن البلاء يُحْزن ، فكم من مريض دواؤه أن يُقال له: (لا تحزن).. * الحزن طبيعة بشرية.. كيف لا وهذا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يحزن لموت عمه أبي طالب ، ويحزن لموت خديجة حتى سمي ذلك العام بعام الحزن.. ويحزن أيضاً صلى الله عليه وعلى آله وسلم لموت ابنه إبراهيم فيقول: (إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تدمع عينه، ويحزن قلبه وهو من هو في منزلته، فكيف إذا كانت امرأة ، وشابة عذراء وتنسب إلى بيت صلاح ودين وأرومة ، ثم تأتي بولد ولا يعرف لها نكاح.. فكان من الطبيعي أن يحزن قلبها وتدمع عيناها.. * ولكن لأنه لا ينبغي الاستسلام للحزن ، وإذكاء الهم بهم آخر.. فلقد استمدت من الله العون… قال تعالى: (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً).. أي جدولاً جارياً.. (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطَ عَلَيْكِ رُطَبَاً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُوِلِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِياً).. * كم كانت مريم بحاجة إلى هذا المدد وأن تسمع مثل هذه الكلمات لتشد وتربط على قلبها وتعلم أن الله معها ، وأنه ليس بتاركها ، فتنزلت عليها السكينة ، وغشيتها الرحمة ، وكفاها الله ما أهمها. * وذاك إبراهيم عليه السلام ولا يخفى عليك ما كان من أمره وهو الفتى الصغير الضعيف الذي لا حول له ولا قوة مع قومه ، وكيف رمي في النار وأنجاه الله بصبره وتوكله عليه.. * يقول داعٍ: دُعِيتُ مرة لأقرأ على امرأة ظلت خمس سنوات طريحة الفراش لا شيء فيها يتحرك سوى الرأس والعينين فقد عطل المرض كل عضو فيها.. * جسد هَدَّهُ المرض وأفناه الداء وتهاوى تحت شدته وسقط تحت سطوته فجعله حطاماً لا يُرجى صلاحه ، أو يُنتظر برؤه.. * عندما أبصرتها أبصرت هشيم المُحْتَضَر ، ولما رأيتها رأيت الحزن أمامي ماثلاً لدرجة أنها لم تكن تملك حتى أن تَئِنَّ ، وبعض الأنين رحمة.. * حتى اللسان أبكمه المرض وأخرسه البلاء ، فلا تسمع إلا همهمة كهمهمة الخرس البكم الذين لا يتكلمون.. * يقول لي زوجها: إني انا الذي أقوم على خدمتها… أغسلها وأنظفها ولا أسمح لأحد أن يقوم بهذا عني، فهي زوجتي منذ خمسة وعشرين عاماً ، ليس لدينا أولاد ، مرضت قبل خمس سنوات ، والحمد لله.. * بالله عليك كيف تتخيل أي نفس نفس هذه المرأة..?! * لها عينان تبصران وعقل يعي ونفس تتمنى وترجو.. كيف تراها من الداخل وهي ترى الأصحاء المعافين في أبدانهم كيف يقومون وكيف يتحركون وهي طريحة الفراش لا تقوى أن تحرك في بدنها اي عضو. * أكيد وسوس لها شيطانها بسوء حظها العاثر وأكيد ندب لها نفسها بحجة أن اي حياة هذه التي تحياها?! ولكنها تغلبت على كل ذلك بالصبر والتوكل على الله .. * والزوج كيف بالله تحمل أعباء امرأة ليست بالطفل الصغير.. لولا صبره وتوكله على الله?! * والله إني لاعجب منه في شيئين.. في صبره على خدمة زوجه وفي وفائه لها.. * مرة دخلت على طفلة صغيرة لأرقيها ، تشكو تضخم الرأس ، عندما أبصرت رأسها هالني منظره ، واستعظمت ضخامته ، وحجمه ، رأس ضخم لا كالرؤوس ، لو وضع على أضخم جثة بشرية لاستضخمه الناس ؛ فكيف وهو على جثة صغيرة لا يتجاوز عمرها السنوات.. والبنت طريحة الفراش منذ وُلدت.. ورأسها يزداد كل يوم ضخامة إلى اليوم الذي رأيتها فيه ، ولا يجدون لها دواءً.. فظنوه مساً وليس بمس… ظنوه سحراً وما هو بسحر.. ظنوه عيناً وليس بعين.. فماذا يكون إذاً?! * هذا علمه إلى الله. والصغيرة طريحة الفراش لا أحد يضمها ولا أحد يحملها أو يحركها مع أن نفساً صغيرة كهذه تحتاج شيئاً كهذا مثل ما تحتاج للطعام والشراب ولكن من ذا سيحملها.. لا أحد يقوى ، فرأسها سيكسر رقبتها ويدقها إن حُرِّكتْ ، أو حملت.. بالله عليك أخي وأختى أيُّ نفس معذبة باكية بين جنبي هذا الصغيرة?! وأي قلب حزين مثل قلب أمها?! * إن كنت يا أخي تملك عيناً تبكي بها على ما أصابك، ففي دنيا الناس من لا عين له يبكي بها ، فَكَفْكِفْ دُمُوعَكَ. وتحل بالصبر والتوكل على الله مثل هذه الصغيرة وأمها.. * فاصبر أخي الصبر الجميل ولا تجزع لأي مصيبة مهما كانت .. ولا لأي مرض يلم بك أو بأحد والديك أو أحد ولديك أو بصديق أو حبيب مهما كان.. فإن الله أرحم بك وبهم من نفسك التي بين جنبيك ، واعلم أنك لن تزداد بالصبر عند الله إلا رفعة ، وإيماناً ، وديناً ، ومنزلة… * واعلم أيضاً أن الله يصلي على الصابرين المسترجعين من أهل البلاء ولهم رحماته ، قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ).. صدق الله العظيم.. * ختاماً .. قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم.. فلعل بلاءك نعمة وإن كان عظيماً.. ولعل نعمة غيرك بلاء . * وكفى.