خارطة الطريق ناصر بابكر المريخ كما أراه (2-2) * في سنوات مضت أو بالأصح منذ بداية كرة القدم السودانية.. ظلت علاقة الجماهير بالأندية تقتصر على حضور المباريات والنقاش الكثيف واليومي حول ما يدور في الأندية من أحداث وهو وضع ظل متوارثاً جيلا بعد جيل دون أن يتغير حتى مع التغييرات الكبيرة التي عرفها عالم الساحرة المستديرة وحتى مع تحولها من الهواية إلى عصر الاحتراف الكامل وهو ما جعل واقعنا الكروي (محلك سر) دون أن يتقدم قيد أنملة للأمام على الرغم من التطور الكبير الذي عرفته أغلب دول العالم حتى من بدأوا في ممارسة هذه اللعبة بعدنا بسنوات طويلة. * المفهوم السليم والصحيح لكرة القدم في كل العالم يشير إلى أن الجماهير هم الملاك الحقيقيون للأندية وهم الذي يفترض أن يكون محرك الأحداث الأول فيها والسر في ذلك أن الجماهير تمثل مصدر الدخل الأساسي للأندية.. أما في السودان، فالصورة مقلوبة تماماً.. حيث أن دور الأنصار ظل ولسنوات يقتصر على التعليق على ما يحدث دون مشاركة في صناعة الحدث.. والسبب أن الجماهير لم تكن تدرك أن توفير مداخيل للنادي هو من واجباتها الرئيسية.. حيث ظل الفكر السائد أن الصرف هو مسؤولية الإداريين وبالتالي فإن من يسلط الضوء على واقع أنديتنا يدرك على الفور أن الخطأ الشائع الذي يجعل الأندية تبدو وكأنها ملك للإداريين وليس الجماهير. * قناعتي كانت من زمن بعيد وما زالت أن تلك المفاهيم الخاطئة لو لم تتغير فإن كل الجهود التي تبذل على مر العقود لامتلاك أندية تنافس بصفة منتظمة على الظفر بالألقاب القارية وتمتلئ خزائنها بالألقاب ستكون مجرد لهث خلف السراب وتعب لا طائل من ورائه وأن أقصى ما يمكن أن تقودنا له تلك الجهود هو إحراز بطولة يحتاج الفوز بها مجدداً لعشرات السنوات طالما أن الأساس في الأصل خاطئ وغير سليم ونحن نمضي في طريق البحث عن لقب قاري دون أن نتوقف أولاً لتغيير ذلك الأساس لنبدأ السير بعدها في طريق صحيح ومن ثم يمكننا بناء أندية بطولات على غرار الأهلي والزمالك. * لكن الشاهد مؤخراً أن جماهير المريخ المتفردة على الدوام بدأت في أخذ زمام المبادرة لتغيير ذلك الواقع وشرعت في حراك جدي لتعديل تلك الصورة المقلوبة عبر الاضطلاع بمسؤوليتها في توفير موارد للنادي وعبر خطوات جادة من شأنها نقلها من خانة المتابع والمعلق على الأحداث لصناعة الحدث وذلك عبر الإقبال على اكتساب عضوية النادي كخطوة أولى من خطوات التغيير. * عندما تتابع الدور الذي لعبه شباب وعشاق خلص للمريخ بعضهم بأوروبا وآخر بالخليج وجزء بجنوب السودان في تحويل مسار ألوك للأحمر بعد أن كان في قبضة الأزرق، ثم ما فعلوه لإعادة شيبوب للخرطوم بعد أن كان في حراسة الهلال بجوبا، تدرك على الفور أن الحال في الكوكب الأحمر يمضي نحو الأفضل وأن جماهير النادي بدأت تدرك أنها يفترض أن تكون جزءً رئيسيا في صناعة وتحريك الأحداث لا أن تكتفي بمتابعتها فحسب. * وعندما تتابع أعمال الصيانة التي تنتظم النادي هذه الأيام بمبادرة من قروب (صفوة بلادي) الذي قام قبلها بعدة مبادرات مماثلة.. وعندما تتابع نفرات قروبات أخرى للمساهمة أيضا في الأعمال التي تنتظم النادي.. تدرك على الفور أن هنالك حراكا إيجابيا وسط (القاعدة) الحمراء يبشر بمستقبل أفضل للنادي. * وعندما تتابع الحملات التي تحث الجمهور على المشاركة في مشروع تحويل الرصيد والحملات التي تنتظم القروبات المختلفة لحث أعضائها على اكتساب العضوية تصل لقناعة أن مستقبل المريخ سيكون بإذن واحد أحد أفضل من ماضيه وحاضره. * فاستمرار الحراك الحالي يعني ببساطة أن المريخ وعلى مدى السنوات القريبة القادمة سيتخلص من كل المفاهيم الخاطئة التي كانت تمثل عائقاً أمام وصول النادي للمرحلة التي يتطلع إليها كل عشاقه ومحبيه وهي أن يصبح قادراً على المنافسة على البطولات القارية بصفة منتظمة ومقارعة كبار أندية أفريقيا على الألقاب دون أن يتأثر بمن يجلس على مقاعد إدارته.. وأولى تلك المفاهيم الخاطئة العيش على جاه (الرئيس الثري) الذي يصرف بمفرده على النادي في وقت يكتفي فيه الجميع بالفرجة والتمني والانتقاد والمدح دون أي دور في صناعة الحدث ودون دور في تحمل مسؤولية الصرف.. وتخطي تلك المحطة والانتقال لمحطة تولي الجماهير لمسؤولية الصرف على النادي عبر اشتراكات العضوية والمساهمة في إنجاح مشاريع الدعم الجماهيري هو الخطوة الأولى والأهم والأكبر للوصول بالنادي إلى المرتبة التي ينشدها الجميع. * استمرار تلك الصحوة هو أكثر ما يحتاجه المريخ في الوقت الحالي.. ومربط الفرس في استمرار الحراك الحالي يتمثل في درجة قدرة القاعدة الحمراء على الصبر والمضي قدما في الطريق الذي يسيرون عليه دون توقف عند نتائج تحدث في الموسم الجديد أو الموسم التالي.. سيما أن الزعيم حالياً في فترة انتقالية يمكن أن تؤثر على الفريق سلباً لعام أو اثنين لكن على الأنصار أن يدركوا أن إرساء المفاهيم الجديدة والسليمة وترسيخها أكثر أهمية بمراحل من نتائج الفريق على المدى القريب، لأن تلك المفاهيم ستغير واقع المريخ بالكامل وتضمن أنه يكون مستقبله أفضل.