* عندما دخلت قوات العدل والمساواة أم درمان عبر أحياء (الهامش).. أو حزام الفقر في الغرب والشمال الأم درماني، كانت المفاجأة أن النساء قابلن تلك الجحافل بالزغاريد وهتافات التشجيع، ليس لأنهم معجبون بالدكتور خليل إبراهيم، ولا لأنهم من أنصار العدل والمساواة، ولكنهم لم يميزوا او يستوعبوا فكرة أنها قوات غازية.. او أنها قوات أخرى وليست القوات المسلحة السودانية وقد اعتدوا عليها في طوابير السير والحركة إلى المعسكرات التي تحيط بالعاصمة.. وفي ذلك الوقت لم يكن أكثر المتشائمين بالخرطوم يتوقع أن تتجرأ قوات أخرى غير الجيش السوداني وتمتطيء سيارات الدفع الرباعي وتتحرك في شوارع الخرطوم.. وكانت هنالك ثقة (بلهاء) عند المواطن سببها إدعاءات البعض من قيادات الإنقاذ كذباً بأنهم قد أكملوا بنيان الدولة الآمنة المطمئنة، ليس إلى هذا الحد فحسب، بل طفق بعضهم يمتن علينا بنعمة الأمان.. وكأنهم كانوا يريدون أن يوفروه مقابل الصمت السياسي.. وهنا نضع علامة حمراء نعود إليها فيما بعد..!! تحرك خليل من دارفور ودخوله مدينة أم درمان عبر صحراء عريضة ومكشوفة كانت مسألة تحتوي على إشارات خطيرة تغاضى عنها الناس في ذلك العهد الذي عرف بالقمع والتكميم، ولكنها ظلت مدونة في دفاتر ذاكرتنا مع تفاصيل أخرى من ذلك اليوم غير قابل للنسيان، خاصة بعد أثبتت التقارير اللاحقة أن قيادة الدولة كانت على علمٍ بتحرك قوات خليل نحو أم درمان.. ومع ذلك تركوها عبرت كل الصحراء وتوغلت في أم درمان وتوجهت نحو القصر وكان يفصلها منها فقط كوبري الفتيحاب.. وهنالك ابتلي القوم ولزلوا زلزالاً شديداً..!! * كنا نعتقد أن تلك الحادثة التأريخية كانت كافية لتصحيح مسار الدولة وتسهم في رفع درجات اليقظة بالقضاء على بعض المظاهر السياسية السالبة التي دخلت فيها بعد في تكوين ما يسمى إصطلاحاً بدولة (56).. وقد ظل بعض السياسيين يسخرون من هذا المصطلع.. ولكي لا نمضي في إدعاء الغباء أكثر لابد من الإعتراف بأن النمط السلوكي لسياسيي ما بعد حقبة الإستقلال نتج عنه بعض الأضرار التي لحقت بكل بقاع السودان.. والمجال هنا لا يتسع للتفصيل..!! * المهم.. أن هنالك صفقات كثيرة أبرمت بعد تأريخ إجتياح أم درمان لم تحسن من هيبة الدولة بل عمقت من جرح ذلك اليوم، ولم نلحظ في عقلية إدارة الدولة إلا تغيير طفيف.. فبدلاً أن كان القبول لقوات الأمن (ضباط وأفراد) على أساس مناطقي وإثني شهدنا إنفتاحاً جزئياً لم يلبث أن عادت ريما لعادتها القديمة.. وكذا الحال في وظائف الدولة الأخرى.. حيث غابت معايير الكفاءة وظهرت مصطلحات أخرى نالت من هيبة بنيان الدولة مثل (المحاصصات السياسية والقبلية).. والتمكين الذي مارسته كل الأحزاب السياسية أسوة بالمؤتمر الوطني ولكنها لم تتعامل مع الأمر على أساس أنه إنحراف وفساد كما فعلت مع المؤتمر الوطني..!! * وبدلاً من حل مشكلة دارفور والقضاء على ظاهرة النهب المسلح والجماعات المسلحة وفرض نفوذ الحكومة وهيبة الدولة هناك صنعت حكومة الإنقاذ الدعم السريع وحميدتي قبل أن يتحول للكائن الخرافي الذي التهم ماتبقى من الدولة وأحدث بها خراباً لم تشهده منذ بداية الدنيا..! * كنت أظن أن دخول قوات خليل لأم درمان كانت علامة فارقة في التأريخ السوداني وأنها ستحول عقلية من كانوا في رأس الدولة وتفرض عليهم التعامل بواقعية وصياغة واقع جديد يساعد على بناء دولة تستوعب وتحتوي جميع أبناءها.. وجيش له من الهيبة ما يجعله الحاسم عندما يحل بأي مكان.. ولكن تعالوا لنرى ماذا فعلوا؟ * لقد أقحموا السودان وجيشه في معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فأصبح الجميع يتقاتلون من أجل الذهاب لقتال الحوثيين في اليمن بجانب الإمارات نفسها التي ردت لنا الجميل بتدمير السودان وتشريد شعبه وتجويعه..!!