بعد أكثر من عام على توقيع سلام جوبا، التي جاء فيها بند الترتيبات الأمنية، لم تدخل حيز التنفيذ إلا نهاية الأسبوع الماضي، بعد مطبات سياسية وأمنية أدت إلى تأجيل التنفيذ. وعندما قررت السلطات البدء في التنفيذ، رفضت الجبهة الثالثة تمازج المكتب القيادي من تعامل الحكومة معها، وكشفت بأن الاجتماع الذي عقد بخصوص دمج القوات تم إقصاؤها منه، وحذرت فيه من التمادي في تهميشها، مؤكدة بأن كافة الخيارات أمام الجبهة فاتحة. عدد من المراقبين أشار إلى أن ما قطعت به جبهة تمازج ينذر بعودة الإقليم المضطرب إلى نقطعة الصفر "الحرب"، ودعوا الحكومة إلى معالجة مطلب الجبهة بأسرع وقت ممكن، حتى لا تعود الحرب إلى ما كانت عليه في السابق. وكانت القوات المسلحة أعلنت الأسبوع المنصرم عن بدء تنفيذ الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاقية سلام جوبا التي وقعت عليها الحركات المسلحة في أكتوبر 2020م، وقال نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات الفريق المهندس ركن خالد عابدين الشامي، إن تنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاقية جوبا للسلام قد بدأ (الأحد) الأسبوع الماضي، بالإجراءات الخاصة باستيعاب قوات الحركات المسلحة بدارفور في القوة الأمنية المشتركة ذات المهام الخاصة. في الثالث من أكتوبر وقعت الخرطوم اتفاقاً لإحلال السلام مع حركات مسلحة بعاصمة جنوب السودان جوبا، فيما لم توقع الاتفاق حركتا (الشعبية- شمال، وتحرير السودان). وحدد بند الترتيبات الأمنية، 39 شهراً لعملية الدمج والتسريح لقوات الحركات المسلحة في الجيش، والمشاركة بالقوات المشتركة في دارفور، المكونة من الجيش والدعم السريع والشرطة والمخابرات. الجبهة الثالثة تمازج المكتب القيادي التي عرفت خلال مفاوضات السلام التي جرت بعاصمة جنوب السودان، حيث لم تكن في خارطة الحركات المسلحة التي ناضلت سنوات ضد النظام البائد. لتكشر الجبهة عن أنيابها عقب إبعادها من اجتماع المجلس الأعلى للترتيبات الأمنية الذي عقد الأربعاء الماضي، ونددت الجبهة الثالثة تمازج المكتب القيادي ما وصفته بالإقصاء الممنهج الذي حال دون مشاركتها في وفد المجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية. تمازج حذرت من مغبة تجاوزها، وطالبت بإدراج حقوقها ضمن حصة ما وصفتها بالفئة الاقصائية (تظن أنها تملك بزمام الأمور وتسير مجتمع دارفور كما يحلو لها وهي لا تدري مآلات هذه التصرفات الصبيانية التي ستدخل الإقليم وأهله في انقسامات لن تتيح فرصة للوحدة والتنمية المستدامة). وأضافت الجبهة في بيان وفقاً لمصادر مطلعة، لكن اليوم ظهرت النوايا وبدأت الصفوف تتمايز وبعض القوى السياسية ورفاقنا في النضال الطويل يدبرون المكائد ويشعلون الفتنة، وهم على دراية ويقين بأنهم لن ينجحوا في إدارة البلاد بالصورة المثلى التي تحقق مطالب أهل الهامش. وقالت بعد مشاورات دامت لفترة قررنا إمهال الحكومة مدة 24 لإيجاد حلول جذرية، وإلا فإن الخيرات ستكون أمامنا مفتوحة والعواقب ستزداد وسيتحول إقليم دارفور إلى بؤرة صراع بسبب فئات تريد إقصاء مكون فعال وله شرعية دولية، ذلك لأن إقصاء تمازج يعني إقصاء الشريط الحدودي. فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي عز الدين دهب أن تمازج لم تكن معروفة من قبل اتفاقية السلام بجوبا، وأن وضعها فيه شيئ من الريبة لأنها وطيلة العشرين عاماً من الكفاح المسلح لم يكن لها وجود. وقال دهب الأوضاع في الإقليم لم تكن على ما يرام بسبب الترتيبات الأمنية، لافتاً إلى أن ما يفهم من حديث الجبهة (الخيارات مفتوحة) يفهم منه العودة إلى مربع الحرب. ومضى بالقول في الآونة الأخيرة ظهرت حركات لها قوات كبيرة من بينها تمازج التي تملك عدداً مقدراً من القوات، وعزا سبب التشاكس الذي يحدث إلى التأخير في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وأن التأخير أدخل السودان في حالة تنذر بحدوث كارثة، مشيراً إلى أهمية التعامل الجاد مع الجبهة وأن يكون وفقاً لاتفاقية جوبا الذي اعترف بها ووقع معها الاتفاق. وقال دهب يجب النظر في ملف تمازج، لأن الظروف لا تساعد في أي تلكؤ، منبهاً إلى أن الأوضاع عقب 25 أكتوبر أدخلت السودان في مطبات صعبة في كافة مناحي الحياة بما فيها بند الترتيبات الأمنية، لأن من أهم محفزات التوقيع على دعم خارجي لاتفاقية السلام، وأن الدعم وقف من قبل المانحين بسبب قرارات الانقلابيين. ولفت دهب الانتباه إلى أن الحكومة في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية تريد تسجيل نقاط لصالحها تساعد في الحوار وهم في وضع مريح, وقال الأيام كفيلة أن تثبت على أن الحكومة دخلت في الترتيبات الأمنية تكتيك أم أنها صادقة في خطوتها. أما المحلل السياسي محمد إبراهيم قال إن الجبهة لن تقدم على خطوة متهورة، وما قالته يعتبر تسجيل موقف، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية ستقوم بمعالجة الموقف الذي حدث بالفاشر. وأضاف أن ملف الترتيبات الأمنية لن يمر بلا عقبات، وفي القريب ستشهد ململة بين الحكومة والحركات بسبب التأخير الذي قاد إلى زيادة الهوة بين الأطراف، وإن كانت الخلافات غير ظاهرة في الفترة السابقة. وتابع: إذا أصرت الحكومة أن تتعامل كما تعاملت مع الجبهة الثالثة تمازج، ستزيد من شق الخلاف بين مكونات الترتيبات الأمنية. تقرير مبارك ودالسما