ربما أعادت الازمة المكتومة التي خلفها قرار زيادة تعرفة الكهرباء وادت لاحقا لاغلاق طريق شريان الشمال ومنع الموارد السودانية الزراعية والحيوانية والمعدنية الخام من المرور الى جمهورية مصر، ربما أعادت، لمصر بعض ما كان خافيا عليها لتعيد بدورها قراءة الوضع في السودان وتعمل على معالجة ما نتج عن الازمة السودانية المتكاملة التي خلفها انقلاب الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان وفق رؤية جديدة سيما وان الأزمة بدأت في التأثير المباشر على اقتصاد مصر وأمنها الغذائي على اعتبار ان تطاول اغلاق طريق شريان الشمال تسبب في بعض الازمات والندرة للسلع في مصر. تأثير وفق ما اوردته صحيفة "الجريدة" الصادرة امس فإن عددا من المصانع التي تم انشاؤها في جمهورية مصر كشراكة بين سودانيين ومصريين توقفت بعد نفاد مخزونها من المنتجات الزراعية السودانية خاصة وان المصانع المنشأة في جمهورية مصر كانت تعمل وفق اتفاقات مسبقة تقوم على جلب المنتجات الزراعية خاصة السمسم والفول السوداني لتصنيعهما هناك... وخلال اليومين الماضيين ظهرت تحركات لوفود مصرية عالية المستوى بدأت في لقاءات مع احزاب سودانية بهدف التوصل لحل للازمة السودانية. ظهور خاص ظهور القيادات المصرية في مسالك الخرطوم كان الاول من نوعه – على الاقل بصورة علنية – منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي خاصة وانها لم تكن متعلقة بالجانب الحكومي انما ذهبت تبحث عن حلول مع الاحزاب السياسية، فقد اكدت مصادر متطابقة ان وفداً من المخابرات والخارجية المصريتين اجرى لقاءات مع عدد من الأحزاب السياسية وقوى الحرية والتغيير ووفق المصادر فقد اجرى الوفد لقاء بدار حزب الأمة القومي مع قيادة الحزب، كما قال مبارك الفاضل ان الوفد التقى به وناقش معه عدة ملفات، وقال تصريح صحفي صادر عن مكتبه الاعلامي، ان الفاضل ناقش مع الوفد المصري الجهود المبذولة للعبور بالأزمة بما يحقق تطلعات الشعب السوداني نحو الديمقراطية والتنمية والسلام. كما اكد الأمين العام لحزب الأمة القومي، والناطق الرسمي، الواثق البرير وفق تصريح ل(التغيير) إن الوفد المصري ناقش معهم الأزمة السياسية الراهنة وتداعياتها مقدماً رؤية كاملة للعلاقات المستقبلية مع السودان، شارحاً في الوقت نفسه فلسفتهم في التعامل مع الخرطوم والتي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي فيها، مبيناً ان حزب الأمة القومي ايضا قدم رؤيته الخاصة لمعالجة الأزمة واستعادة الحكم المدني والتحول الديمقراطي في البلاد المتمثلة في خارطة الطريق التي سبق وان طرحها من قبل. تحرك سريع ويرى الخبير القانوني والمحلل السياسي ياسر عثمان ان ظهور وفد مخابراتي مصري في السودان بُعيد اغلاق طريق شريان الشمال يجعل الاذهان تذهب مسرعة الى ربط الزيارة بما احدثه اغلاق الطريق من ازمة بين السودان ومصر لا زالت تتبلور.. بيد انه اشار في حديثه ان مصر دائما تتعامل مع السودان وفق النظرة المخابراتية، لافتا الى اتهام لسائقي الشاحنات المصرية التي تدخل السودان بان غالبيتهم يتبعون لجهاز المخابرات خاصة وان الشاحنات مسموح لها بالتجول في السودان من اقصى شماله الى اقصى جنوبه ومن غربه الى شرقه دون اي ضوابط !!، وقال : "الملاحظ ان معظم سائقي الشاحنات شباب" واشار الى وجود الوفد الأمني واتجاهه لمقابلة الاحزاب التي تعارض الانقلاب يشير بجلاء الى ان مصر اعادت النظر في دعمها الاول لما قام به البرهان ومن ثم تريد ان تعيد النظر، ولكن من واقع معلومات صحيحة وحقيقية تأخذها من ارض الواقع لتقوم بتقييم الوضع جيدا. ويلفت ياسر الى ان التحرك تم بعد ان اتضح ان الشعب السوداني يقف ضد الانقلاب ويعارض كل سياساته لدرجة انه يعمل على اغلاق الطرق بقوة التتريس الثورية. دور جديد وعلى ذات النهج التحليلي يمضي الخبير الاستراتيجي، محمد إبراهيم كباشي، الذي قال في تصريح ل(التغيير) ان مصر حصلت على معلومات مضللة جعلتها تذهب في اتجاه دعم الانقلاب العسكري، وأشار إلى أن المخابرات المصرية بدأت في قراءة للمتغيرات السياسية على رأسها قوى الثورة صاحبة التأثير الأكبر في رسم المستقبل السياسي في البلاد، وقال ان مصر اتضح لها عمق الثورة السودانية في مناهضتها الجادة للانقلاب العسكري المتواصلة طوال 4 أشهر صامدة في مواجهة العنف المفرط الذي تواجه به القوى الانقلابية التظاهرات الرافضة له. واعتبر أن اجراء المخابرات الآن لحوارات مع القوى السياسية يُعد تحولاً جديداً في طريقة إدارة مصر لعلاقتها مع الشأن السوداني . استشعار الخطورة ويرى المحلل السياسي محمد أحمد علي ان مصر استشعرت خطورة ان تعارض رغبة الشعب السوداني، سيما وأن الشعب ذهب ليضغط على مصر عن طريق منع الثروة الحيوانية و المحاصيل والمنتجات السودانية الخام من الوصول اليها، مشيرا في حديثه إلى ان ترس الشمال في ايامه الاولى رغم انه بدأ بقضية مطلبية الا انه كشف للشعب السوداني كله كمية المنتجات التي كانت تذهب لمصر دون الاستفادة منها ما خلق رأياً عاماً حول ضرورة منع المنتجات ما ادى لتحول المطالب من الغاء زيادة تعريفة الكهرباء الى مطالب سياسية.. لافتا الى ان المنتجات السودانية كانت تسهم بنسبة كبيرة في صادرات مصر ودعم الايرادات ،فضلا عن ان الميزان التجاري يميل دوما لصالح مصر بأكثر من 5 مليارات دولار تخرج سنويا من السودان، موضحا ان مصر قرأت الملعب جيدا وآثرت ان تبحث عن طريق جديد ربما تنحاز فيه للشعب السوداني بعد ان تأكدت ان مصلحتها لن تكون مع قوى الانقلاب!! تقرير – محجوب عثمان