على مدى يومين، السبت 14 والأحد 15 يناير 2012، انعقدت في الدوحة بقطر ندوة شارك فيها الأساتذة أحمد حسن هود ، خبير هندسة كيميائية والطاقة المتجددة، وحامد التيجاني علي ، أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة و عبد الكريم القوني ، أكاديمي وسياسي ومحمد محجوب هارون، مدير معهد أبحاث السلام ،جامعة الخرطوم، والدكتور منصور خالد وهو غني عن التعريف. نظمت الندوة قناة الجزيرة الفضائية ونشرت أخبارها صحيفتان سودانيتان هما الرأي العام والصحافة. وكنا قد نشرنا في صحيفة الرأي العام الحلقة الأولى من مقالين عن النقاش الدائر حالياَ حول العلاقات بين مصر والسودان ودولة الجنوب الوليدة. وبسبب تطابق الموضوع الذي نشرناه بصحيفة الرأي العام، وموضوع ندوة الدوحة فقد رأينا، وقبل نشر الجزء الثاني من مقالنا، استعراض ما ورد في ندوة الدوحة والتعليق على وجهات النظر التي أبديت فيها وذلك بسبب أهميتها، وارتباطها بما أوردناه من وجهات نظر في مقالنا. وجهات نظر متباينة حول الموضوع تحت هذا العنوان أوردت صحيفة الرأي العام مقدمة لما دار في الندوة جاء فيها: هيمن موضوع التفاعلات الإقليمية والدولية إزاء انفصال جنوب السودان على أجواء اليوم الأخير من الندوة التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان» دولتا السودان: فرص ومخاطر ما بعد الانفصال». وأضافت الصحيفة: « برزت في هذا الجانب وجهات نظر مختلفة إذ استبعد بعض المتحدثين وجود العامل الخارجي وراء انفصال جنوب السودان وحملوا النخب الحاكمة المحلية المسئولية عن الانفصال. وناقش المشاركون في الندوة التداعيات الإقليمية والدولية لانفصال الجنوب، وعلاقات دولتي الجنوب والسودان بالدول العربية والأفريقية. وجاء في عدد جريدة الصحافة الصادر يوم الخميس الموافق التاسع عشر من شهر يناير: «يرى أكاديميون وباحثون سودانيون أن حل القضايا الخلافية بين السودان وجمهورية جنوب السودان مرهون برحيل حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان عن سدة الحكم في الخرطوم وجوبا.» وذكر أحد المتحدثين، ولم يخالفه أو يصحح ما قاله أي مشارك في الندوة، «أن مشكلة الجنوب بدأت في العام 1956 – عام استقلال السودان.» ووصف أحد المتحدثين في الندوة ما يذكر عن تدخل خارجي في انفصال الجنوب سخف وأنه لا داعي للقلق من علاقة الجنوب بإسرائيل. أوصاف لا تنطبق عليهم وصفت الصحف ووسائل الإعلام المشاركين في ندوة قطر بأنهم أكاديميون وأساتذة جامعيون مستقلون. ومن المؤسف أن نذكر هنا، وفي بداية تعليقنا على إسهاماتهم في النقاش الذي دار في الدوحة أنهم أخلوا بأهم الشروط التي تجعل منهم أكاديميين ومستقلين. وعلى سبيل المثال لا الحصر: 1 – ليسوا مستقلين طالب المشاركون في الندوة بضرورة « رحيل حزبي المؤتمر الوطني (الحاكم في السودان)، وحزب الحركة الشعبية في الجنوب، عن سدة الحكم قبل التوصل إلى حل للقضايا الخلافية بين حكومة جنوب السودان والحكومة السودانية. فهل غاب عن هذه الكوكبة من الناس التي تدعي الاستقلال، والفهم الأكاديمي للأشياء، أن مناداتهم بتنحية حزب سياسي، مهما يكن، وأينما يكون، تنفي عنهم صفة الاستقلال والحياد؟ ومن حق إي سوداني، أن ينادي في أي مكان، في الدوحة أو في السودان، بإزاحة أي حزب سوداني من سدة الحكم، ولكن لا يحق له بعد ذلك ادعاء الاستقلال. وهل نحتاج لنقول ونؤكد أن إزاحة الأحزاب عن الحكم من شأن الشعوب وليس من شعن النخب المستقلة حتى ولو كانت أكاديمية؟ 2- ليسوا أكاديميين زعم المشاركون في ندوة الدوحة أن أزمة الجنوب بدأت في العام 1956، أي بعد استقلال السودان. والغريب في الأمر أن الدكتور منصور خالد شخصياَ قد تبنى هذا الزعم الغريب. ولا يخفى علي أي شخص ناشط في المجال السياسي بصورة عامة، ومهتم بشئون السودان بصورة خاصة، أن أزمة الجنوب بدأت بعد احتلال البريطانيين للسودان في نهاية القرن التاسع عشر. وازدادت تعقيداً طوال الفترة التي حكموا فيها السودان والتي انتهت في عام 1956. وحتى طلبة المدارس في السودان يعلمون أن الحكم البريطاني سعى جاهداَ لفصل جنوب السودان عن شماله، وأعلن الجنوب منطقة مقفولة، وحرم على الشماليين الدخول فيها لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً. أثناء تلك الفترة سعى، بالتعاون مع الكنائس المسيحية من كل طائفة وجنس لتنصير الجنوب وعزله تماماً عن الشمال المسلم. ولا شك أن تلك السياسة، بالإضافة إلى سياسات أخرى، من بينها اتهام الشماليين باحتقار الجنوبيين، والسعي لاسترقاقهم، قد أسهمت في الخلافات بين الشمال والجنوب والتي انتهت بانفصال الجنوب في العام 2011. 3 - يساندون أعداء السودان ليس من الصعب على أي مراقب محايد أن يصل إلى حكم واضح وسليم على هذه المجموعة من المثقفين، التي التقت في ما سمي بندوة قطر التي نظمتها قناة الجزيرة. فحوى هذا الحكم أنهم جماعة تقف ضد السودان في نزاعه الحالي مع دولة جنوب السودان الوليدة، وتؤيد حكومة جنوب السودان. الدليل على هذا الموقف هو ما قالته هذه الجماعة في الندوة، وهو أنه ليس هناك ما يدل على تدخل أجنبي في المشكلة التي نجمت بين الحكومة السودانية ودولة جنوب السودان، حول قضايا النفط، والحدود، وأن أي زعم من هذا القبيل هو من قبيل السخف والسذاجة. وأرجعت هذه الجماعة أسس وأسباب كل ما يدور من خلاف ونزاع بين الشمال والجنوب إلى الحكومات السودانية المتعاقبة. وببساطة فإن هذه الجماعة تريد أن تقول لنا، وللعالم بأسره، بأن إسرائيل بعيدة كل البعد عن التأثير على مجريات الأحداث في الجنوب، وكذلك الولاياتالمتحدة الأميركية. وهي تريد أن تقول لنا أيضاً، وللعالم بأسره، بأن ما يشاع من حرب على العرب والإسلام تشنها الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل في أفريقيا من منصة تقيمها إسرائيل في جنوب السودان، هو مجرد وهم لا صلة له بواقع الحياة. وكلمة أخيرة، وهي أن كل ما نتحدث عنه فيما يتعلق بالسودان، وجنوب السودان، قديماً وحديثاً، والصراع بينهما، لا علاقة له، في نظر هذه الفئة المستقلة الأكاديمية التي عقدت ندوتها في الدوحة، بإسرائيل أو الولاياتالمتحدة الأميركية ولهذا السبب لم ينبث أي من أفرادها، ولا حتى الدكتور منصور خالد نفسه، ببنت شفة عن إسرائيل والولاياتالمتحدة في كل ما قدموه من وجهات نظر حول الأزمة القائمة في العلاقات بن السودان ودولة الجنوب الوليدة. وليس لنا من تعليق إضافي على كل ما أوردنا غير: من يعش ير ويسمع العجب العجاب.