خبر خطير حملته الخطوط الرئيسية لصحف الخرطوم أمس.. وهي حدوث تعديلات اعتبرتها قيادة الشرطة قد تمت دون علم البرلمان.. وأن النسخة الأصلية اختفت وظهرت نسخة أخرى لا تعلم من الذي فعل ذلك. هذا أمر خطير وفوضى لا توجد في أكثر البلدان تخلفاً. والسؤال الذي يطرح نفسه.. من هي الجهة المستفيدة من هذه التعديلات في القانون، وأخطر ما في التعديلات التي أجريت كما قال اللواء أنور.. أن القانون المعدل لم يشر لأية علاقة أو صلة لمديري شرطة الولايات بالمدير العام للشرطة، بل جعل ولاة الولايات يتدخلون في صميم عمل الشرطة. هذا عمل خطير.. ينم عن نوايا تستهدف قوات الشرطة وقيادتها.. ويجب العمل على كشف الجهة التي سعت الى هذه التعديلات ومعرفة المكاسب من وراء تلك التعديلات. ولا أدري لماذا يصر السيد الوالي المتعافي ان تكون الشرطة تحت إمرته، بالمعنى الأكثر وضوحاً.. وبالمعنى العام ان تكون الشرطة ولائية.. أي تتبع للوالي.. يحركها كما يريد ويفرض القوانين عليها كما يريد.. كما فهمنا من التصريح الأخير للسيد مدير الشرطة والتي حملت روح التحدي للوالي .. وأعني به الدكتور المتعافي. والمتعافي كما نعلم جميعاً رجل يحمل عقلية اقتصادية واستثمارية كبيرة واستطاع خلال فترة وجيزة ان يغير وجه الخرطوم.. وهذا أمر لا ينكره إلا مكابر.. لكنه.. كما أكدت الأحداث التي مرت على الخرطوم.. أنه يفقد الحس الأمني أو بمعنى أكثر دقة.. غير مشغول بأمر أمن ولايته.. خاصة أن مشاغله كثيرة ودائم الترحال يبحث عن تمويل لمشروعات الولاية.. ويتعاقد هنا وهناك من أجل ان تكون الخرطوم عاصمة حضارية. ويبدو أن كل الولاة في السودان لديهم الرغبة في السيطرة على الشرطة في ولاياتهم.. ومنذ مائة عام هي عمر الشرطة السودانية كانت وما زالت شرطة قومية.. لها قيادة واحدة في العاصمة تقود كل شرطة أقاليم السودان المختلفة. أعجبت بالثقة العالية التي يتمتع بها الفريق أول محجوب حسن سعد مدير عام قوات الشرطة حول أهمية ان تبقى الشرطة قومية. إن إدارة الشرطة وفق منظور قومي تحت قيادة قومية موحدة من شأنها ان تسهم كثيراً في تطوير وتدريب قوات الشرطة، وان تخلق وسطها انسجاماً وانضباطاً كبيرين من شأنهما خلق قوة شرطية ضاربة تستطيع أن تحمي مال المواطن وعرضه. إن التطور الذي شهدته الشرطة في السنوات الأخيرة تطور غيرمسبوق، وذلك بفضل الرؤية الشرطية الثاقبة لقيادة الشرطة.. لأن مدير عام الشرطة رجل عسكري منضبط.. يستطيع أن يقود الشرطة باقتدار شديد، لمعرفة الرئاسة بقانون الشرطة وبكافة القوانين الاخرى الأمر الذي لا يتوافر في الرجل المدني الذي يتولى أمر قيادة الولاية. وأذا لا قدر الله أصبحت الشرطة ولائية وتحت قيادة الوالي صاحب العقلية الاقتصادية والاستثمارية وصاحب الإنجاز الكبير في تحويل العاصمة.. سوف تتحول كل موارد الشرطة من غرامات وترخيص للعدد الهائل من السيارات وموارد رخص القيادة.. ستحول كلها الى ميزانية الولاية التي تهتم كثيراً بالمشروعات وبناء المواقف واستيراد سيارات نظافة وتحسين الشوارع والإنارة الحديثة. وستبقى الشرطة بلا موارد.. بل ستتحول الى كشافة، حيث ستفتقد التدريب والتسليح وسرعة الحركة. ان الشرطة القومية تتمتع باستقلال مالي مكنها من تلبية احتياجاتها كاملة.. خاصة في هذه المرحلة الدقيق التي تمر بها البلاد. لقد قصدت أن استطلع عدداً من ضباط الشرطة.. الذين أكد عدد كبير منهم أنهم سيتركون العمل بالشرطة إذا أصبحت الشرطة تحت مسؤولية ولاة الولايات.. لأن في تقديرهم أن الشرطة ستفقد الكثير، وسوف تسلب الكثير من صلاحياتها.. نسأل الله ان يتدارك المسؤولون خطورة هذه المسألة ومعالجة الأمر بحكمة. والله الموفق وهو المستعان.