رَصَدتُ لسنواتٍ مضتْ جولاتٍ من المُخاشنة المُتبادلة بين الحكومة السودانيّة و(المجتمع الدولى)... فى هذه المخاشنة، المجتمع الدولى يخاشن من موقع المهاجم، والحكومة السودانيّة تخاشن من موقع المدافع... (المجتمع الدولى) يقدّم دعوى الاتهام، والحكومة السودانيّة تقدّم مرافعة الدفاع! لكنّ موقفاً اتخذته الحكومة قبل سنوات ثلاث قَلبَ الوضع، فصارت الحكومة السودانيّة هى المُهاجِمة و(المجتمع الدولى) هو المُدَافِع... انقلبت هذه المعادلة بطرد ثلاثة عشرة منظمة عن دارفور، ولم تستخدم الحكومة السودانيّة اللفظ المخفّف: إبعاد، فقد استخدمت أكثر الألفاظ خشونة: طرْد! فى الوقت الذى كان يتوقّع (المجتمع الدولى) بعد قرار الجنائيّة بحق رئيس الجمهوريّة موقفا خرطوميّا من شاكلة طرد القوات الدولية المشتركة (اليوناميد) أو بعثة الأمم المتحدّة (اليونميس)، أتته من الزاوية التى لم يتوقّعها:المنظّمات... أمسكتهم من اليد الموجعة! بعد ظهور ردود الافعال الغربيّة ثبتَ أنّ الخرطوم أحسنت اختيار الملعب وطريقة اللعب... فقد أمسكتْ وقتها بعدد من الاخطاء المهنيّة لأداء المنظّمات على الأرض... أخذت الخرطوم فى ذلك الوقت المبادرة وأمسكت الكرة بيدها فصارت هى صاحبة الكرة وأجبرت المجتمع الدولى على الهرولة وراءها! انكشف المستور عن المنظّمات إذ لم يتوقّع أكثر الناس حيادا أنّ المنظمات (عزيزة) على الدول الغربيّة لهذا الحد... بل لم تكن تتوقع الحكومة السودانيّة نفسها أن تبادر تلك المنظمات (المطرودة) بالاعتراف بتجاوزاتها فتعتذر طالبة العفو بل تطلب من الدول (المعتدلة) بالمنطقة التوسّط لدى الخرطوم لاعادة المنظمات... وناشد مجلس الأمن السودان حينها باعادة النظر فى المنظات، هدّد مجلس الأمن السودان فى تلكَ المرّة تهديداً(مهذّبا)! فى هذه الأيّام يصعد سيناريو المنظمات إلى المشهد من جديد... الولاياتالمتحدة تقود حملة دوليّة بأنّ الأوضاع الانسانيّة فى جنوب كردفان تقضى على الحكومة بفتح مسارات آمنة للمنظمات، حتى ولو كان ذلك باعادة انتشار المنظمات (الانسانيّة) فى مناطق تحركات القوّات السودانية، وترهن تعاون الولاياتالمتحدة مع مؤتمر اسطنبول القادم الداعم للسودان بتغيير موقف السودان من(الأوضاع الانسانية)... ولم تقل انّها ستُدْخِل المنظّمات الانسانيّة بذات الطريقة التى دخل بها عضو الكونجرس فرانك وولف إلى جنوب كردفان!!