في محيط البهجة والمحتوى الاجتماعي في امثلتنا الشعبية نلحظ بأن اختلاف المكان والزمان هما من أهم عوامل التنوع في محتوى هذه الأمثال بل وشكلها.. اننا من مجرد استعراض طوائف عديدة من امثلتنا الشعبية نلحظ دلالتها الواضحة على البيئة التي نشأ فيها.. وهنا لا يلزم ان يكون المثل المعبر عنه أية بيئة هو سوداني بالنشأة.. إذ ربما انتقل إلى السودان من بيئات مماثلة في خارجه.. ذكرنا من قبل طائفة من الأمثال السودانية الدالة على منشأها البيئي او الحرفي فمثلاً في محيط الاوساط ذات الخبرة بالإبل قول المثل »أرع بي قيدك« أو في آخر المثل القائل »ألبل ورد والمال برد« أو في آخر قول المثل »ان شكروا ليك المراتع ارتع دونن« وفي بيئة الزراعة نجد المثل القائل: رفيقك كان صبقك بالزراعة اصبقو بالحش«.. وقد يأتي من محيط يشتغل أهله بالتجارة والمال قول المثل الشعبي »أمسك لي واقطع ليك« وهكذا نلحظ الاختلافات مؤشراً على البيئة كتلك القائلة: »أكلوا أخوان وإتحاسبوا تجار- أو أردباً ما هيلك ما تحضر كيلو« وبالقطع هناك الأمثال الكثيرة الشائعة تحمل من القرائن والخصائص واللهجة والاجتماعية ما يقطع بأنها سودانية بالنشأة فإذا سمعنا المثل »حدى ستي وكان بلبن أسكت كب«.. يعني ان القدر الذي يكفيني من شراب الشاي ستة »كبابي« فإن كان ممزوجاً باللبن فاسكب لي منه بلا عدد.. رجح لدينا انه مثل نشأ بين الشايقية ،ويعرف الجميع ديارهم الممتدة على طول ضفتي النهر من جبل الدقر إلى نهاية مسقط الشلال الرابع وعرفوا قديماً أنهم يوجهون عناية خاصة بشرب الشاي وكانت لهجتهم قديماً تميل ما قبل هاء التأنيث في مثل »ستي« بدلاً عن ستة.. ü وفي المثل القائل: »أدربين وابرين« يقول الشيخ بابكر بدري هذا المثل لم اسمعه إلا عند الرباطاب ويقصدون به التردد في علم حقيقة الشئ وربما استعملوه بمعنى »بين بين« وكذلك المثل »داك عنطروز« من خصائص لهجة الرباطاب فيما يظهر ويعني الشخص الفقير عديم الحرفة و التكسب.. وإذا سمعنا المثل القائل »ان طلعت التريا من عشي كوس لاولادك كسي« يقول الشيخ بابكر بدري في شرحه: إذا طلع نجم الثريا عشاء فحصل لاولادك كساء.. والمثل سوداني لأنه بلغة قبيلة الكبابيش.. وتضمن اسماء الامكنة والقبائل والاعلام المعروفة في السودان قد يكون دليلاً على نشأة المثل في بيئة سودانية فمن الامثال التي نشأت بين قبيلة الشكرية في اقليم البطانة: حدار أب علي«.. والحدار الحرم المنيع من مرعى او سكن او نحوه، يضرب لمنعة المكان وأبو علي هو عوض الكريم أبو علي بطل الشكرية المتوفي سنة 1779م، وله وقائع مشهورة، ومثله قولهم »أب علي عن جمله« أي عند جمله يحميه ويضرب للمنعة والاحتماء، وقولهم: »أحو أب علي الشال رفيقو وحملو« والاحو هو اسم جمل أبي علي ويروى انه ان باركاً بلا سرج فجاء اعرابي بجمله محمولاً عليه رحل غلال فبرك جمل الاعرابي على جمل أبي علي، فنهض بالجمل المحمول وما حمله من الغلال.. يضرب للقوة، وقولهم: (زايلة بي عوض كريمها )أي ان الدنيا زائلة حتى الشيخ عوض الكريم على عظمته زائل.. واسم عوض الكريم كثير شائع في أسرة أبي سن.. وتسمى به عدد منهم وقد يكون المقصود به هنا رأس الأسرة عوض الكريم أبو سن المتوفي سنة 1802م ويرى الشيخ بابكر بدري انه عوض الكريم ابن أحمد بك أبو سن وقد توفي 1886م.. ü بالطبع إذا سمعنا المثل القائل: أصل الجود جهينة وأصل الملك سنار واصل العز جعل.. ترجح لدينا انه نشأ في السودان وربما قاله أحد علماء الانساب في زمن متأخر، كذلك المثل القائل »انت في الابيض ما شلت ولد ابو صفية« فهو يتضمن اسم عاصمة كردفان الابيض وقربة قرية منها تنسب إلى أحد علمائها »أبي صفية« بضرب للدلالة على من يجهل من الأمور ما لا يجوز الجهل به..