(الكوشة) لمن لا يعرف عنها شيئا أو لم يعاصر زمنها هي (مكب النفايات) في مكان يبعد مسافة قليلة عن الحي او القرية.. فهي حتى وقت قريب كانت موجودة قبل ان تطول العمارات السوامق في المدن، ويتدرج الناس في سلم الحضارة وتأتي طريقة حضارية للتخلص من (النفايات)..وكثير منا له ذكريات خالدة و جميلة مع هذا المكان في بدايات الصبا.. حيث كانت (الكوشة) في سنوات ماضية محطة اساسية للاطفال من الجنسين، ويبدأ يوم لهوهم بها يجمعون منها كل مايحتاجونه في وقت (اللعب) يقضون فيها وقتا طويلا يفرزون الصالح من الطالح في سعادة مفرطة ..و كنا كبنات نبحث عن الأنعم في القمامة والأكثر رقة ليتناسب مع طبيعتنا الانثوية مثلا (علب الصلصة) لكي نضعها تحت اقدامنا ك(كعب عالي) نتجول به أكبر وقت في اليوم دون أن ننزعج منه، أما الأشياء الصلبة فنتركها للصبية (الأولاد) ليجمعوا بها سياراتهم الوهمية و(أبواقها) ، و كل واحد منهم يجتهد في تصميم سيارته بحسب قدرته على جمع أكبر قدر من حديد (الكوشة).. ولكن الكوشة قد لا يعرفها الجيل الجديد، وما ان يسمعوا اسم (الكوشة) فيتبادر الى اذهانهم ذلك المكان الذي يجلس عليه (العروسان) في لحظات حفل الزفاف، لأنهم لم يعاصروا هذه الأمكنة ولم يرتعوا فيها ولم يتذوقوا (حلاوة) اللعب فيها. دكتورة (مي عز الدين) الاستاذة بجامعة الاحفاد رجعت بذاكرتها الى أيام الطفولة وذكرياتها مع (الكوشة) وقالت: كنا نتنادى انا وصديقات الطفولة منذ الصباح الباكرقبل شروق الشمس للذهاب الى (الكوشة) حتى نتحصل على اكبر غنيمة من (الكوشة) قبل أخريات، واحيانا نجدهن قد سبقننا الى هناك، وقالت: مازلت أتذكر(العقوبة) التي اتلقاها يوميا من والدتي بعد رجوعي من رحلة (الكوشة) ولكنها اي (العلقة) الساخنة لا تمنعني من الذهاب ثاني يوم وكأن (امي) تحرث في البحر..وقالت د.مي ل(الرأي العام): (الكوشة) زمان لا شك انها تختلف عن الآن كسائر الاختلافات الزمنية والمكانية، فقديماً كانت القمامة نفسها نظيفة وغير متعفنة، ولا تتكدس بأكياسها ذات الالوان المختلفة و الكبيرة على قارعة الطرق لأيام!! حيث كانت تحرق في يوم محدد يختاره شباب الحي المهتمون بهذا الشأن، وغالباً يكون الوقت متناسبا مع سرعة الرياح إن كان ليلاً أو نهاراًَ حتى لا تنتشر (النيران) وتصعب السيطرة عليها والأوساخ معاً! كما أن آلية الحرق تلك كانت تمنع انتشار الجراثيم والحشرات التي تعيش ب(الكوشة) لفترات تطول بطول (الكوشة) ووجودها في بقعة بعيدة عن الحي.. وقالت (حنان محمد) معلمة:(الكوشة) حسب معرفتي سميت بهذا الاسم الدارجي للطريقة التي يتم بها التخلص من النفايات بحرقها ، دون مراعاة لمسألة اصحاح البيئة ، ولما كنا صغارا نذهب الى مكان رمى الاوساخ (الكوشة ) نبحث عن (علب الصلصة) بعد ان يتم حرقها من قبل عمال الصحة ، وقالت:الغريبة لم تكن بها روائح نتنة ولا مواد متبقية بعد الحرق كل شىء يتحول الى رماد يتم دفنها في (حفرة) يتم حفرها خصيصا ل(النفايات) المحروقة.. وقالت: فوق ذلك عشنا طفولتنا في بيئة صحية ونقية ليست كما الآن تدهور وفوضى وعدم مسؤولية .واضافت: ليتهم تركوا أمر النظافة الى الأهالى وبثقافة (الكوشة) القديمة سيرجعون احياءهم سيرتها الأولى من حيث النظافة والترتيب في المنازل والشوارع، وليت موظف الصحة يعود من جديد.. وقالت زميلتها (منى):عندما كنا في المرحلة الابتدائية وفي فترة (الاستراحة) نركض مباشرة الى (الكوشة) القريبة من مدرستنا ولا يمنعنا المعلمون بل أحيانا يقف المعلم بعيدا ويراقبنا دون ان يزجرنا في ذهابنا الى(الكوشة) لأنها كانت (نفايات) نظيفة وجافة ليس فيها ما يضر، ونحمل منها مايروق لنا لنلعب به. وفي ذلك الوقت لا توجد (لعب) بلاستيكية ولا دمي فتشكلت طفولتنا البريئة من (الكوشة) اما الآن حتى (كيس) النفايات في المنزل لا يقربه اطفالنا فما بالك ان يذهبوا الى (الكوشة) ويختاروا العابهم منها. وقالت الباحثة الاجتماعية دكتورة دولت حسن:في ثقافتنا السودانية نعرف ان (الكوشة) هي (مكب للاوساخ) .وكنا حتى وقت قريب لا نعرف (كوشة) العروسين، واضافت: تسمية (الكوشة) لمكان (العروسين) جاءنا من شمال الوادي (مصر) فنحن في عاداتنا للعرس لا نمتلك فكرة الكوشة هذه، بل تكون الكلمة هي (القعود) للعروس والعريس وهي تمثل فكرة الهودج العربي القديم بتقنية سودانية، مضاف إليها السعف والبرش وما إلى ذلك..) ولم تحدد لي لماذا يطلق عليها (كوشة)؟ فالجامع بين الكوشتين أنهما قبلتان للناس للتخلص من شيء ما!! في الأولى تكون القمامة وفي الثانية هي المجاملة ومصافحات المباركة، وربما إظهار الوجه بأنك حضرت زفافهم! والاحتمال الأقرب أن الاثنتين محلان للأحلام محتملة الحدوث وشرفة للإطلالة على غد أجمل، وهما مكانان للتخلص من اشياء في حياتك إن كان قمامة (مأكولات وملبوسات واواني احذية)، أو قمامة ذكريات الصبا والشباب والدخول الى عالم جديد!! وقالت: وربما لأن الاثنتين مشتركتان في صفة المكان المتميز والمحدد والظاهر الذي يحدده الناس .