رأى الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية في حديث ل «إيلاف» أن قضية دارفور مضخمة إعلاميّاً ومُستغلة من قبل الادارة الأميركية بهدف تغطية فشلها الذريع في العراق. كما شكك في حيادية تقارير الاممالمتحدة حول ضحايا العنف في الاقليم، نافيًا ان يكون هناك تطهير عرقي، ومتهماً إسرائيل بأنها تريد أن تجعل من إقليم دارفور ساحة معركة بينها وبين العرب. يلقب البعض الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل بأنه راعي الدبلوماسية السودانية ويطلق عليه آخرون لقب مهندس العلاقات الخارجية؛ فهو أحد أهم صُناع انفتاح السودان على العالم، سيما بعد مرحلة الانغلاق والتوترات التي شهدتها سياسات السودان الداخلية والخارجية خلال فترة التسعينات عقب وصول البشير الى سدة الحكم. كما يصف أحد الدبلوماسيين الغربيين اسماعيل بالقول "إن أسلوبه في التفاوض مختلف عمن سبقوه، حيث لا يميل الى الجدل الدائري والحجاج الحلزوني، ولكن يعترف بالأخطاء وينفذ الى تطوير مواقف عملية بناءة. يطلق عليه السفراء الأجانب في الخرطوم لقب "مستر سمايل "وذلك بدلا عن مستر اسماعيل نسبة لابتسامته الدائمة التي يقابل بها أحرج المواقف". وحاول اسماعيل الانطلاق في حديثه مع «إيلاف» حول دارفور من خلال قراءة الواقع الدولي فقال: "قطعاً نحن في سنة تشهد تغيرات عديدة ونحن مطالبون بأن نضع أجندة نواجه بها إدارة أمريكية جديدة.. وأمامنا رئيس روسي جديد كما ان الرئيس الصيني جدد له.... وكل ذلك يؤثر على مستوى الأمور، فالتصورات العالمية لا بد من وضعها في الحسبان... فأنظار العالم اليوم تتجه نحو أفريقيا ومع ان ثلثي العرب في أفريقيا نكاد لا نجد رئيساً عربياً زار جنوب الصحراء، وعلينا كعرب أن نرتب أجندتنا الخارجية بما يصب في مصلحة الامن القومي العربي". ولم ينف اسماعيل في حديثه وجود مشكلة في البلاد وأشار بالقول :" هناك مشكلة وأزمة في دارفور... غير أن قضية دارفور أُريد لها التصعيد والتضخيم الاعلامي بأكبر قدر ممكن لكي تغطي على قضية أخرى تحاصر الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية وهي المعاناة العراقية" مضيفا ان "تقارير الأممالمتحدة تشير الى وجود حوالي مائتي ألف قتيل في دارفور؛ التي نعتقد نحن في السودان أنها تقارير مشكوك فيها. وانها تقارير المنظمات الغربية التي لا تسعى لمصلحة دارفور.... ومن يتابع الإعلام الغربي يجد تضخيماً واضحاً للأوضاع في دارفور وكأن ما يجرى فيها اخطر مما يجري في العراق.. فعدد القتلى في العراق أكثر من مليون..! " وعن الدور العربي في حل أزمة دارفور قال :" قضية دارفور قضية تؤرق المواطن العربي وأصبحت الآن تُستغل من قبل القوى المعادية للسودان، والمساهمات العربية في حل الأزمة تكون عبر ثلاثة مسارات رئيسة هي: أولها: الجانب الإنساني، والعرب إلتزامهم جيد في هذا الجانب وهم مستمرون في الدعم. ثانيها: المسار الأمني، وهو مرتبط بالقوة العربية-الأفريقية، ونشيد بدور مصر لإرسالها ثلاث كتائب إلى دارفور، واشار هنا الى أن المساهمات العسكرية من الدول العربية في أفريقيا في القوات المختلطة من الاتحاد الإفريقي والاممالمتحدة سيصل عددها الى حوالى ستة وعشرين ألف جندي. المسار الثالث: وهو المسار السياسي، وهو يُعالج من قبل دول عربية أهمها مصر وليبيا والجامعة العربية مما يسهم في دفع جهود المفاوضات حول دارفور.. هناك ايضا ترتيب لعقد موتمر اسلامي. وعن العلاقات العربية الافريقية أشار اسماعيل في حديثه الى أن هناك عملا عربيًّا- إفريقيّاً مشتركاً ومميزاً، لمواجهة التحديات مؤكدّاً أنه "علينا ألا ننسى أن دارفور مجتمع قبلي متنوع عربي إفريقي وهو خليط مستمر منذ أكثر من (400) عام، بحيث أن احداً لا يستطيع أن يميز بين عربي وإفريقي، وبالرغم من كل هذا أرادت القوى الخارجية المعادية أن تستغل قضية دارفور لدقّ الإسفين في العلاقات العربية الإفريقية، حين زعمت أن ما يجري في دارفور هو عملية إبادة للعرق الإفريقي من قبل العرق العربي، الذي يسمونه حينا بالجنجويد وحينا آخر بالميليشيات... لكن أول من انتبه لهذا الخلط والخطأ كان الأفارقة أنفسهم قبل أن ينتبه لذلك العرب.. ولذلك حرص الأفارقة، أن يأتوا بقوات افريقية من إفريقيا جنوب الصحراء وان يرفعوا صوتهم للقول إن ما يجري ليس إبادة عرقية كما يدعي الإعلام الغربي. وردّاً عن السؤال حول الأسباب التي جعلته يتهم اسرائيل بالرغم من كونها بعيدة جغرافيا عن دارفور ولا توجد لها مصالح مباشرة في الاقليم المنكوب أجاب: " أولاً استراتيجية إسرائيل كدولة قائمة على العرقية اليهودية وباعتبارها الدولة العرقية الوحيدة تقريباً في العالم الآن ، فهي تبحث عن دول شبيهة بها تقوم على العرقية، وهذه المحاولة ليست جديدة.... أقصد ليست في دارفور فقط.... فعلى سبيل المثال عندما استقل اقليم بيافرا عن نيجيريا وأقام دولته على عرقية الآيبو كانت إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي اعترفت بهذا الإقليم وقدمت له السلاح...." كما اتهم اسماعيل اسرائيل بتحريك ملف دارفور في الأممالمتحدة فقال :"عندما عرض موضوع الجدار العنصري في فلسطين على المحكمة الدولية ثم اعيد للجمعية العامة للأمم المتحدة بدأ مندوب إسرائيل في المنظمة الدولية بالحديث حول ماذا يفعل العرب في دارفور! وكان واضحاً انه يريد ان يرسل رسالة مفادها، ان العرب في فلسطين وفي لبنان وفي العراق هم العرب انفسهم الذين يقومون بأعمال القتل والاغتصاب والإبادة وخلافها في دارفور وبالتالي لا تلومونا على ما نفعله في فلسطين أو في غيرها لأن هؤلاء هم العرب.. في محاولة فاضحة لتشويه صورة امتنا" وقال ان قضية دارفور بالتالي - تمثل تحديا ليس امام السودان فحسب، بل امام الدول العربية كلها.. والتحدي هو ان نفضح هذا التزييف الذي يراد له ان يمر عبر دارفور وذلك بمعالجة قضية دارفور. وختم مصطفى عثمان اسماعيل حديثه ل «إيلاف» بطرح إشكالية معقدة حول مفهوم الهوية بالنسبة للسودان، جملة ربما تكون الأهم بالنسبة لكثير من المحللين فقال: "البلد في طور تشكيل هويته ومع التحديات الخارجية نحتاج الى وقفة.. ولا بد من توحيد الجبهة الداخلية عبر عامل الثقة من خلال رؤى وثوابت وطنية تجمعنا .."