الحديث هنا عن قانون بيع الاموال المرهونة للمصارف الذى صدر فى العام 1990 م وتم تعديله في العام (1993م) ،جاء هذا القانون الشائه ليطيح بكل المعايير التي شكلت وجداننا كأمة تتطلع لتحقيق مجتمع متحضر ينعم بالأمن من الجوع والخوف، والتغول على المال والنفس والعرض، فالقانون الذي نحن بصدد تناوله معيب من (الفه الى يائه) كما سنرى. المادة (3) منه اعطته السيادة على ما عداه من القوانين في حالة تعارضها معه وبنظرة عجلى يتضح لنا انه يقع في تناقض مغ كثير من القوانين كقانون الاجراءات المدنية لسنة (1983) عامة ومع الباب السادس الفصل الثاني والفصل الرابع منه على وجه الخصوص ومع المادة (102) من قانون الشركات لسنة (1925) حيث قررت المحكمة العليا في القضية (م ع/ ط م 748/ 1999) المنشورة بمجلة الاحكام القضائية (1999) ص (149) ان تسجيل الرهن لدى مسجل الشركات الذي تنص على وجوبه المادة (102) من قانون الشركات لسنة (1925) لا يعتبر ملزماً لصحة الرهن طالما لم يرد ذكره في قانون بيع الاموال المرهونة للمصارف (1990-1993) وذلك لتسيده على القوانين العامة ،وانا شخصياً لم اهتد الى التعرف على هذا التعارض. نحن نعلم ان المصارف لا تعدو ان تكون مؤسسات تنشأ وتدار لغرض الربح شأنها في ذلك شأن الكثير من المؤسسات التجارية التي يحكمها قانون الشركات لسنة (1925) فلماذا هذا الانحيازالسافر من قبل المشرع للمصارف كما سنرى لاحقا. المادة (4) من القانون تعطيه صلاحية الانطباق على الاموال المرهونة للمصارف قبل بدء العمل به اي بأثررجعي بصرف النظرعن ان التعامل بين العملاء والمصارف قد تم في ضوء قوانين ومعطيات اخرى رتب عليها العملاء إلتزاماتهم وحقوقهم قبل صدور هذا القانون. المادة (5) تعطي المصرف سلطة البت في كل الوقائع المتعلقة بالنزاع وهي بمعيار العدالة المعمول به في كل بقاع الدنيا نقاط نزاع يتعين الفصل فيها بواسطة محكمة محايدة بعد أخذ البيانات من الطرفين وتكون صياغتها كما يلي: 1- هل حل الأجل المحدد لسداد المبلغ المضمون بالرهن؟ 2- هل تأخر الراهن في سداد الدين؟ 3- ما هو المبلغ المتبقي من الدين؟ 4- هل تم إنذار الراهن كتابة قبل شهر من بيع المال المرهون؟ 5- هل أرسل الإنذار للعنوان الصحيح؟ هذه النقاط وغيرها تتطلب الإثبات عن طريق البيانات وعلى القاضي ان يفسح المجال للراهن لدحض هذه الادعاءات وذلك ما لم يتحه له القانون موضوع المذكرة. ثالثة الأثافي، أعطى القانون سلطة القاضي للمصرف المرتهن ان يبيع المال المرهون وبالقيمة التي يحددها المصرف دون كبير اعتبار لمصالح الراهن كما أعطاه الحق في الرجوع على الراهن لاسترداد ما تبقي من دين إذا كان عائد البيع لا يكفي لسداد مبلغ الدين. في حالة الأموال المنقولة فقد أعطي مدير المصرف أو من يفوضه سلطة شرطية تنفيذية بالإضافة إلى السلطة القضائية لدخول الأماكن والاستيلاء على الأموال المرهونة بالقوة الجبرية وله في ذلك ان يأمر ضباط الشرطة بتمكينه من ذلك ولا يحق لضابط الشرطة ان يمتنع عن تنفيذ هذا الأمر كل هذه السلطات «يا للعجب» كرست في يد من يعتبر بكل المعايير العدلية خصماً في نزاع مدني ولم يلتفت المشروع في ذلك للقوانين الطبيعية. «The Rules of Natural Justice» التي تواطأت عليها كل النظم المدنية وفي مقدمتها النظام الاسلامي الذي كثيراً ما تمشدقنا بإتباع نهجه وبالحتم لا يغيب عنا المثل الرفيع الذي ضربه أمير المؤمنين سيدنا علي كرم الله وجهه حينما مثل امام القاضي خصماً ليهودي في نزاع بينهما حول درع ومن هذه السابقة اخذ النظام الغربي نظريته القائلة: «One cannot be a judge in oneصs own case» ليست هذه فحسب بل تبني الغرب الكثير من قواعد العدالة والنصفة التي جاءت بها الشريعة الاسلامية السمحاء اذكر على سبيل المثال قانون الارتفاق وقانون الإثبات وقانون الشفعة وكثيراً من مبادئ القانون الدولي التي صاغها الإمام محمد بن الحسن الشيباني عراب القانون الدولي باعتراف الغرب. المصارف بلا ريب هي البقرة الحلوب للمصرف المركزي ومن رعاياه ولذلك فانحيازالمحافظ الذي أناطت به المادة (10) من القانون مهمة تعين المحكمين المختلف حولهم والمادة (11) مهمة وضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون لا تخطئه العين إلا من رمد. لا يفوتني ان اذكر مثلبة اخرى تنم عن امتهان صارخ لمفهوم العدالة فى القانون فمسجل الاراضي في حالة بيع العقار المرهون يتصرف وفقاً للامر الصادر له من المصرف المرتهن بتسجيل العقار باسم المشتري ولا يحق للراهن استرداد حقه في العقارلان القانون ينص على ان الاخطاء التي تكتنف البيع لا تؤثرعلى حق المشتري في نقل الملكية له، المادة 6(4) (أحشفا وسوء كيلة) مطيحة بذلك بالقاعدة الماسية التي تقول (ما بني على باطل فهو باطل). كثير من الجهات التي تناولت هذا الموضوع لامسته على استحياء وهي تتهيب المواجهة مع أجهزة الدولة والمؤسسات المالية ذات الشوكة والنفوذ ولكن سيل الحيف والعسف الذي انطوى عليه هذا القانون قد بلغ الزبي واخذت تنبعث منه روائح تزكم الانوف ،وقد جاء في الاثر الشريف (الظلم ظلمات يوم القيامة) فهلا َّ انبرى وزير العدل الهمام بسيفه لازالة هذه الوصمة من صحيفة المشرع السوداني ،وانا على يقين بأن مجلسنا الوطني سيستجيب له.