كان يعيش في البصرة رجل اسمه أبو بديع الفطائري وقد سماه الناس هكذا لأنه يصنع الفطائر الشهية. وكان جار أبي بديع الفطائري في السوق رجل اسمه أبو بديع البزاز وقد سماه الناس هكذا لأنه يبيع الأقمشة ويخيط الثياب أيضاً. كان دكان الفطائري ملاصقاً لدكان البزاز وذات يوم والسوق مزدحم بالناس مر رجل بذلك المكان فوجد على الأرض كيساً صغيراً فحمله فإذا هو كيس مليء بالنقود المعدنية ومكتوب عليه «أبو بديع» فأحب ان يعيده الى صاحبه الشرعي، لكن الفطائري والبزاز اختلفا وأصر كل منهما على أن الكيس كيسه.. وحين اشتد الخلاف لم يبق إلا أن يذهب الثلاثة الى القاضي إياس.. ففكر القاضي إياس طويلاً ثم سأل الرجل الأول: - من أنت؟ أجاب الرجل الأول: أنا عابر سبيل وقد وجدت هذا الكيس وأريد أن يُعاد الى صاحبه. فتوجه القاضي إياس بالسؤال الى الرجل الثاني: - وأنت: - قال أنا بزاز وهذه دراهمي وإنني لا أتنازل عنها أبداً. فالتفت القاضي بالسؤال الى الرجل الثالث: - وأنت؟ - قال أنا فطائري يا سيدي أصنع الفطائر بالزبدة والسمن. - فقال القاضي: هاتوا طستاً فيه ماء ساخن، فاستغرب الرجال الثلاثة هذا الطلب المفاجيء لكنهم رضخوا للأمر.. وجلبوا طستاً فيها ماء ساخن.. ففتح القاضي الكيس وألقى ما فيه من النقود في الماء وانتظر هنيهة والثلاثة انتظروا صامتين لكنهم ما لبثوا ان لاحظوا أن سطح الماء قد تغير لونه إذ طفت عليه بقع رقيقة من الدهن. رفع القاضي إياس رأسه وقال للفطائري خذ الدراهم فهي مالك، إذ لا تزال محتفظة بآثار الدهن من يديك. أما البزاز فقد نزلت به العقوبة المناسبة.