كانت طائرة الهلوكبتر التي اقلتنا صبيحة أمس من منطقة سارجاس الى قنال جونقلي تطير على إرتفاع منخفض نسبياً، أمكن معه لا رؤية الخضرة التي تمتد على مد البصر بمنطقة المستنقعات فحسب، بل حتى رؤية بعض الغزلان الشاردة من صوت الطائرة ربما. قبل ان تحط رحالها على مقربة من نقطة التلاقي الرائع لنهر السوباط مع بحر الجبل. وإن شكل السوباط وبحر الجبل في لقائهما لوحة طبيعية فريدة، فإن لوحة اخرى لم تكن اقل روعة رسمها أهالي منطقة القنال الذين جاؤوا لإستقبال مولانا أحمد هارون الذي تسبقه دائماً هناك صفة الأب الروحي لمشاريع نزع الالغام بالسودان والسفير شارلز وكيل وزارة الشؤون الإنسانية وقيادات أخرى رفيعة من الجيش والجيش الشعبي وبرنامج الأممالمتحدة الأنمائى بالسودان. أما سبب الزيارة فكان لحضور فعاليات ختام مشروع نظافة طريق السلام ملكال ايود في مرحلته الأولى بطول (144) كلم من الألغام والزخائر غير المتفجرة ومخلفات الحرب، بعد أن اخرجت من باطن الأرض ودمرت كما غرست على ايام الحرب كيفما اتفق. الأحتفال كان صاخباً بهذه المناسبة، إنطلق بتدمير مدوي لبعض الألغام التي كان لصوتها أمس ولأول مرة وقعاً محبباً إلى النفس، حيث دمرت وسط شعور غامر بالفرح، يحس في اوجه مواطني قنال جونقلي الذين عبروا عن فرحتهم تلك بالزغاريد والرقصات الفلكلورية الرائعة تجاوباً مع رائعة «أرض الخير افريقيا مكاني» التي غناها فنان مقتدر من على منصة الإحتفال. وأرض الخير، لم تكن بالأمس سوى منطقة قنال جونقلي التي جنى مواطنيها بالأمس احدى ثمار إتفاقية السلام التي جعل توقيعها من إحتفال الأمس امراً ممكناً. وبمثل ما اوجز نحو (220) مهندساً يمثلون مكونات السودان المختلفة مهمتهم وإخلاء المنطقة من الألغام فقد اوجز الإحتفال وغادرت طائرة الهلكوبتر مواطنو جونقلي الذين لوحوا لها بأيديهم وكأنها كانت تستجديهم بالبقاء قليلاً وتذكرهم بقطع خطوات اخرى على طريق التنمية. وقبل المغادرة تحدثت الى شاب في الرابعة والعشرين من العمر اسمه قلواك بدأت عليه سعادة فوق المعدل اثناء تأديته لأحدى رقصات النوير فسألته عن سبب انشراحه الزائد فقال بكلمات مقتضبات أنا مولود في العام 1984م في ذات العام الذي زرعت فيه هذه الالغام على الطريق الذي لم أطأه قبل اليوم رغم انه لا يبعد سوى مئات الامتار عن منزلنا ، قال ذلك ثم مضى وشيء يشبه الدمع كان يلمع في عينيه.