ليس من المناسب الآن التعلىق على نتائج المؤتمر العام للحركة الشعبية لتحرير السودان من حيث التقييم السياسي للمؤتمر غير ان ما لا يجب تجاوزه بعيداً عن الخلافات التي دلف بها المؤتمرون الى القاعات في الجلسات الاولى ونجح المؤتمر في تجاوزها حفاظا على وحدة الحركة كما اشار قياداتها، وما يستحق الطرق عليه هو اجازة المؤتمر العام الثاني لمنفستو الحركة الجديد الذي يمثل الطريق نحو السودان الجديد الذي تدعو له الحركة الشعبية ويعتبر المنفستو قراءة حاضرة ومستقبلية، وقد اورد المنفستو في مقدمته مشكلة السودان في اطارها التاريخي وما أسماه بأمراض السودان القديم.. ثم عرج المنفستو الى التعريف بنشأة الحركة الشعبية وفهمها الجديد لمشكلة السودان بجانب نضالات الحركة والتحديات التي تواجهها، وناقش المنفستو في محوره الثالث رؤية الحركة للسودان الجديد، واوضح المنفستو ان رؤية الحركة للسودان الجديد هو الطريق الوحيد لتطوير الهوية السودانية والكيان السوداني القابل للحياة، كما انه بدون الفهم الصحيح للواقع السوداني تصبح مفاهيم البناء الوطني والوحدة الوطنية مجرد شعارات فارغة، وطرح ان الوحدة الطوعية في السودان الجديد مرهونة بخلق رابطة سياسية واقتصادية واجتماعية ينسب لها كل السودانيين كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات - ويشير المنفستو - بوضوح لابد من التحرك بعيدا عن السودان القديم ومظاهره القديمة المتمثلة في العنصرية والتعصب الديني وقصر النظر التاريخي والظواهر المصاحبة لها من انهيار اقتصادي وحروب وعدم استقرار، وتذهب رؤية المنفستو الى أن كل تلك المؤشرات قد قادت السودان القديم الى طريق مسدود والى حافة الهاوية. ويطرح منفستو الحركة خيارين اما ان تنقسم البلاد الى عدة دول مستقلة او ان يتم الاتفاق على اقامة السودان الجديد ككيان سياسي واجتماعي جديد يدين له السودانيون بالولاء الكامل بغض النظر عن العرق او الدين او القبيلة، ويورد منفستو الحركة في اطاره النظري للسودان الجديد بناء سودان جديد موحد، ديمقراطي، علماني، وفقا لمرتكزات نظرية تبدأ بتطوير هوية سودانية تعكس طبيعة السودان التعددية والمتنوعة عرقياً واثنياً وثقافياً بجانب اعادة الهيكلة الجذرية للسلطة في المركز وتعزيز لا مركزية السلطة بجانب اقامة نظام حكم ديمقراطي لا تكون فيه المساواه والحرية والعدالة الاقتصاية والاجتماعية مجرد شعارات بل واقعاً ملموساً يعيشه الناس. دموع على الدم المسفوك ابيي... قنديل بين الزيت والبارود الدم المسفوك في ابيي لم يكن حالة جديدة في مسرح الازمة المتجددة والموصوفة برحلة التجاذب التي لا تنتهي بين شريكي نيفاشا.. الحكومة والحركة الشعبية اللذان يتنازعان حول طرفي ملف بروتوكول ابيي، فاكثر من مرة قد اندلع القتال هناك وطالت حرائقه من طالت، غير ان الاحداث الاخيرة وربما للحالة السياسية الخاصة بالحركة الشعبية في الجنوب متمثلة في التئام الموتمر العام الثاني للحركة بجوبا دفعت بدخان الازمة متصاعدا في بهو قاعة نياكري الدولية مقر المؤتمر، كما ان موقف الخرطوم تجاه ما يجري في ابيي لم يكن مختلفا عن ما قابلت به جوبا الاحداث الاخيرة، فهنا في جوبا فقد شخصت ابصار المؤتمرين من عضوية الحركة الشعبية نحو ابيي فور نقل اسلاك الهاتف لقيادات الحركة الشعبية وعضويتها من ابناء ابيي المشاركين في المؤتمر اخبار الاحداث المتصاعدة بالمنطقة، حيث لم يتأخر رئيس الحركة الشعبية الفريق اول سلفاكير ميارديت في ابتعاث وفد من حركته ضم د. لوكا بيونق وادوارد لينو وروجر ونتر لتفقد الاوضاع في ابيي ميدانيا وذهب الوفد وعاد في نهار اليوم التالي وبعودته اتسعت دائرة الاهتمام بما يجري في ابيي لتبلغ الدرجة التي عطلت انعقاد جلسات المؤتمر واثرت على جدول اعماله حيث عقد القيادي بالحركة ومشرفها الاداري على ابيي ادوارد لينو مؤتمرا صحفيا ظهر الاحد قال ادوارد لينو ان الجيش الشعبي ملتزم بتوجيهات قائده سلفاكير القاضي بعدم التدخل، وعندما كانت الدموع تطفر من عيون بعض الحضور من أبناء ابيي الذين شهدوا المؤتمر الصحفي وشاهدوا العرض التلفزيوني عاد ادوارد لينو ومن ورائه خلفية الحريق ليقول: (برغم المأساة هناك في ابيي إلا اننا في الحركة الشعبية لن نطفئ القنديل ابداً ونأمل في تنفيذ بروتوكول ابيي). اما في الخرطوم فما ان صدرت صحف الاحد قبل الماضي وما حملته من اتهامات ردت عليها القوات المسلحة ببيان ساخن اقتربت فيه التلميحات من التهديد بتسوية المسألة عسكرياً فيما بدا من العبارات المستخدمة وكان هذا هو الموقف العسكري.. اما من الجهة السياسية فقد استحوذ ظهور روجر ونتر في ابيي وجوبا وتصريحاته على ردود الفعل السياسية من المؤتمر الوطني، ومن على الضفة الاخرى تطلب القوات المسلحة من الجيش الشعبي الانسحاب من ابيي والتوجه نحو جنوب البحر انفاذا لاتفاق جرى بين القوات المشتركة، لتتصاعد الخلافات وماتجره من اشارات حول عودة الحرب في صحف الاسبوع الماضي، لتعود الكرة التي يخشى المراقبون ان تفجر الحرب بارتداداتها القوية بين الخرطوموجوبا الى مقر المؤتمر عبر المؤتمر الصحفي لادوارد لينو المشرف السياسي من قبل الحركة على ابيي نهار الثلاثاء الماضي مجددا مطالبات الحركة الشعبية السابقة للقوات المسلحة بل ويتهم الخرطوم بجر الحركة للحرب عبر تفجير الاوضاع بأبيي وعدم تطبيق بروتوكول ابيي، وهكذا يظل حريق ابيي عالقا في سماءي الخرطوموجوبا وقبلهما في منطقة الاحداث نفسها في وقت تتسارع فيه محاولات الاطفاء رغم ان زيت الاختلاف على بروتوكول ابيي سياسيا لم يزل غير بعيد عن نيران القوات المسلحه من جهة والجيش الشعبي من الجهة الاخرى وما بينهما من مليشيات تصنف على الضفتين بنعوت الصداقة والعداء حسب دعمها لأحد طرفي النزاع، الأوضاع في ابيي برمتها الامني والانساني منها والسياسي ترسم في الافق مشهد حريق متمدد قد تبدأه البنادق في ابيي ولكنه سيقضي على كل شيء.. وما بين المواقف المتباينة يتسيد الخوف آلاف النازحين يلازم ظلالهم الهاربة من رصاصة ما تطفيء قنديل الحياة. تكتيكات بدلاً عن التصريحات ياسر عرمان بعيداً عن أجهزة الاعلام في نياكري من أبرز الملاحظات حول مؤتمر الحركة الشعبية بجوبا ان نائب الامين العام لقطاع الشمال ياسر عرمان لزم الصمت حيال اجهزة الاعلام طوال ايام المؤتمر عدا حالة واحدة رغم محاصرة الصحافيين له عقب كل جلسة وبذلك تكون آخر الافادات الاعلامية التي قدمها عرمان للاعلام هي تلك التي اطلقها في المؤتمر الصحفي بسوبا قبل اكثر من اسبوعين .. التساؤل الكبير عن هذا الصمت رده بعض المتابعين الى ان الرجل كان مهموما بتكتيكات القوائم المصعدة لقيادة الحركة من قطاع الشمال.. كما ان اي تصريحات في ذلك التوقيت ربما تدفع بعض المواقف للتغيير مع او ضد، وفسر البعض الصمت الرهيب بأنه تعبير عن ان (الاعلام ملحوق) فقط يجب الاهتمام بترتيبات الخارطة السياسية سيما ان من تفلت منه المكاسب لن يدركها إلاّ بعد خمسة اعوام قادمة.. ومع كل ذلك الصمت إلاّ ان ياسر عرمان كان جاذباً لأجهزة الاعلام عبر تنوع الازياء التي توشحها طوال ايام المؤتمر وابرزها زي شرق السودان في اليوم الاخيرللمؤتمر، والاكثر غرابة ان عرمان لم يتحدث حتى في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الحركة سلفاكير، وعلى ذكر الاعلام فإن مؤتمر الحركة اوضح قصوراً اعلامياً صاحب التظاهرة السياسية للحركة بدءاً من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي فشل اغلب الصحافيين في حضورها، بجانب ان الحركة لم تحدد ناطقاً باسم المؤتمر ولولا ان الامين العام باقان اموم درج منذ اليوم الثاني للمؤتمر على التصريح للصحافيين لكانت المشكلة اكبر، بجانب ان السكرتارية لم توفر للصحافيين الاوراق السياسية التي اجيزت من المؤتمر مثل منفستو الحركة وغيرها مما هو غير تنظيمي نهاية بتوصيات المؤتمر التي لم يعلنها احد مما دفع الصحافيين للاعتماد على مصادر للحصول على بعضها لرفد صحفهم بها. خرج من المؤتمر بمقعد مجلس التحرير د. لام أكول بين الصمت المطبق والملامح المحايدة د. لام اكول وصفه احد اعضاء المؤتمر بأنه لم يجد غير الصمت بديلا فلم يقل شيئاً. وأشارت مصادر الى ان اكول لم يطلب اية فرصة للحديث او المناقشة اثناء جلسات المؤتمر مما افرز سؤالاً كبيراً خاصة بعد نهاية المؤتمر الذي لم يخرج منه د. لام اكول سوى بعضوية مجلس التحرير الوطني الذي يضم «275» عضوا.. وقد صعد اكول ضمن القائمة ال «35» التي يختارها رئيس الحركة لعضوية المجلس .. وطوال ايام المؤتمر تلاحظ أن د. لام اكول كان يطبق شفتيه إلاّ من حديث عبر الهاتف خارج قاعة المؤتمر ولم ينجح الصحافيون في قراءة اي موقف اعتمادا على ملامح وجهه المحايدة التي ليس فيها نظرات الحسرة او التعبير بشعارات الحركة كما فعل الكثيرون.. صمت د. لام اكول وحياد ملامحه طرحت سؤالا منذ ايام المؤتمر وحتى الآن؟ باقا ن أموم .. الانسانية قبل السياسة باقان أموم الامين العام المنتخب للحركة الشعبية لتحرير السودان واصل -قبل جلسة انتخابه امينا عاما- تصريحاته عن عدم رغبته في الترشح لمنصب الامين العام ولكن في اليوم الذي سبق انتخابه وعندما حاصره الصحافيون بالسؤال قال العبارة الشهيرة: «انا عضو بالحركة وجندي بها وخادم لها.. ومنضبط» ووقتها فهم الجميع ان الرجل قادم للموقع بعد ان تمت تسوية المواقف السياسية.. غير ان الصحافيين انتبهوا الى ان باقان اموم قد يكون الوحيد من قيادات الحركة الشعبية الذي حرص على ارتدا ء ملابس مزينة بشعارات تحمل ادبيات الحركة الشعبية وابرزها ذلك القميص المزين بعبارة (الانسانية قبل السياسة) وكأنما باقان كان يرسل رسائل بعينها للبعض. مبارك الفاضل.. العودة للبحث عن الحلف القديم في جوبا التمثيل الذي حُظي به حزب الامة (الإصلاح والتجديد) منذ الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحركة الشعبية بمشاركة الامين العام للحزب عبد الجليل الباشا في ظل غياب حزب الامة القومي تماماً. إزداد التمثيل والوجود في اليوم الثاني للمؤتمر بوصول مبارك الفاضل زعيم الحزب الى جوبا ضيفا على الحركة وبالرغم من أن مبارك اختفى بعدها عن مقر المؤتمر الاّ انه عاد للظهور مرة اخرى في احتفال الحركة بيوبيل تأسيسها الفضي ليكون هو المتحدث الوحيد من احزاب الشمال في الاحتفال.. ونتيجة طبيعية لمجريات وتداعيات تقارب الوطني والامة تحدث مبارك عن الحركة الشعبية كحليف لحزبه لتحقيق السودان الجديد.. ومع ان مبارك كان مقلاً في الحديث والظهور الا ان بعض المراقبين فسر استمرار وجود الفاضل بجوبا الى ان ثمة حوارات متصلة بينه والحركة سيما بعد قطع اتفاق التراضي الوطني بين المؤتمر الوطني والامة القومي لآمال وحدة الحزب.