على غير العادة ابرزت صحيفة الجمهورية المصرية على صدر صفحتها الاولى التي تخصص عادة للاخبار الثلاثاء الماضى مقال رأي، كاسرةً بذلك تقاليد الصحافة المصرية. ومغردة خارج سربها والذي شغلها - اى الصحف الاخرى-الاهتمام بقرار مجلس الشعب بتمديد حالة الطوارئ بالبلاد، ولكن تفضيل الصحيفة الحديث عما اسمته تورط ايراني فى غزو ام درمان الاخير بواسطة حركة العدل والمساواة، جعل الاهتمام بقرار الطوارئ يتراجع بالجمهورية. فصحيفة الجمهورية المقربة من الحكومة (مجلس الشوري يعين رئيسي مجلس الادارة والتحرير) تحدثت فى مقال رأي كتبه المحرر السياسي (هكذا سمى نفسه) عن دور ايراني فى غزو ام درمان الاخير، وتخطيط يهدف لتعميد د. خليل ابراهيم زعيم العدل والمساواة رئيسا للسودان، بعد دعمها لحسن نصر الله زعيم حزب الله، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس. وقد اورد كاتب المقال ان مصادر مسئولة كشفت للصحيفة أن عمليات فحص الأسلحة والذخائر والمعدات التي استولت عليها القوات المسلحة السودانية من متمردي حركة العدل والمساواة أظهرت أن هناك كميات و أسلحة حديثة إيرانية الصنع. واضافت ذات المصادر أن إيران اسهمت بدور مهم ومؤثر في محاولة الانقلاب الأخيرة لحركة العدل والمساواة للاستيلاء على السلطة في السودان وتنصيب خليل إبراهيم رئيس الحركة رئيساً للجمهورية. واشار كاتب المقال هنا الى خلفية علاقة خليل بايران عندما كان وزيراً إقليمياً للصحة، وعقد لقاءات كثيرة مع الإيرانيين بحجة تنسيق المعونات الإنسانية الإيرانية لبعض المناطق في السودان. وواصلت ذات المصادر لكاتب المقال قولها إنها لا تستبعد أن يكون خليل قد زار طهران قبل شن عمليته الأخيرة ضد الخرطوم لبحث مرحلة ما بعد وصوله للسلطة في السودان. لم تمض سوى ساعات على صدور الصحيفة المصرية، حتى بدا ان وكالة الصحافة الفرنسية ( (APFقد تصدت للامر، واصدرت نفيا سريعا مشتركا على لسان حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية لما اسمته بمزاعم صحيفة الجمهورية المصرية. فمن لندن صرح جبريل ابراهيم (شقيق د. خليل) واحد اكبر الممولين لحركة العدل والمساواة للوكالة بالقول( هذا امر غريب، وغير منطقي. ليست لنا اية علاقة بايران. نحن لا نتحدث معهم (الايرانيين) ولا يتحدثون معنا). واتفقت الحكومة مع حركة العدل والمساواة فى ذات الشأن وقال ربيع عبد العاطي - كمتحدث باسم الحكومة- للوكالة (لا اعتقد ان صحيفة الجمهورية هذه هي مصدر حقيقي، لا وجود لمثل هذه القضية في اعلامنا او دوائر صنع القرار لدينا). ويري مراقبون ان نفي حركة العدل للدعم فى حالة وجوده قد يكون بدافع الضغوط، الا ان النفى الحكومى يبدو محيرا. الا اذا كان لاسباب دبلوماسية، وهذا لا ينفصل عن عدم الكشف للدولة الكبرى والاخرى الاقليمية، اللتين دعمتا الغزو بالاقمار الصناعية والاموال والعتاد. غير ان د. الصادق الفقيه (المحلل السياسي) ذهب الى انه فى وقت الازمات تكثر الاتهامات. وقال ل (الرأي العام) لا يوجد اي دليل حتى الآن ضد طهران، كما ان علاقتها جيدة بالخرطوم. ويضيف ان ايران لديها اهتمام كبير بالقارة الافريقية بصورة عامة، ولديها اهتمام بالمنطقة وقد لعبت دورا لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وانجمينا وإعادة فتح سفارتيهما والتنسيق المشترك فيما يخص قضية دارفور العام نهاية العام الماضي. ويرى محللون أن إيران أصبحت قوة استراتيجية وإقليمية عظمى لا يمكن أن يستهان بها فهي تلعب دوراً رئيسياً في المنطقة، و انطلاقاً من هذا الموقع ترغب في بسط نفوذها في أفريقيا وتسعى لإيجاد موطئ قدم، خاصة فى منطقة كالسودان او تشاد،لانطلاقة أي عمل إسلامي. وينقسم المراقبون حول علاقة إيران بتشاد، فالبعض يرى ان طهران لا تربطها علاقة وطيدة بانجمينا عكس الخرطوم ولكن يبدو أن القاسم المشترك في هذه الخطوة الإيرانية هو باريس، التى تتجه للعب دور شريك فعال لطهران. ويؤكد آخرون أن لإيران وجوداً سابقاً في إفريقيا خاصة في دول غرب إفريقيا كالسنغال ونيجيريا - ظهور صراعات سنية شيعية - وربما تسعى إيران بهذه الخطوة لنشر الفكر الشيعي في هذه المناطق السنية ويضيف، يبدو أن لإيران علاقة مع تشاد ولكنها لا ترقى للعلاقة الوطيدة بين السودان وإيران. ويذهب عزالعرب حمد النيل (الباحث فى الشأن الايراني) ل (الرأي العام) ان ايران تضع تمديد المذهب الشيعي فى صدر اولوياتها، لذلك تركز على السودان وتشاد. ويبدو نظرياً احتمال تورط ايران فى العملية مستبعدا لدى عدد من المحللين السياسيين ويردون ذلك لطبيعة العلاقات بين السودان وإيران التي تبدو متميزة، ويقولون: (لا يمكن أن يكون لإيران يد فيما حدث في السودان لان إيران من مصلحتها مقاومة أمريكا وعدم وجود فتنة في السودان واستقراره يخدم مصلحتها في مواجهة أمريكا، لذا فان طهران ليس من مصلحتها أن تشكل أي نوع من انقلاب أو ان تدعم مثل هذه الحركات المسلحة). غير ان آخرين يفسرون - فى حالة وجود اسلحة ايرانية- بطرح احتمال ان تكون ايران طرحت اسلحة للعرض فى سوق السلاح، ومن ثم تسربت عبر وسيط او وسيطين لحركة خليل. وينظر مراقبون الى ان ايران اذا تحركت فى المنطقة، فان ذلك لا يتم الا بعد اخذ الضوء الاخضر من فرنسا اللاعب المركزي فى هذه المنطقة، وتبدو قاطرة ومن خلفها اوروبا. ورغم ان العلاقة بين فرنساوايران شهدت منذ انتصار الثورة الإيرانية إلى الوقت الراهن فترات من التحسن والتوتر، لكنها بشكل عام ُنظر إليها على أنها الأفضل من بين العلاقات إذا ما قورنت بعلاقات إيران مع الدول الأوروبية الأخرى باستثناء المانيا. حيث تعد الإقامة القصيرة للخميني في فرنسا قبل انتصار الثورة الإسلامية والدور الفعال الذي قام به من خلال وجوده في هذا البلد للمطالبة بحق الشعب الإيراني في نيل استقلاله واستعادة كرامته. ومنذ العام 1998م وضع الأسس القوية للشراكة المتميزة بين باريس وطهران، فنهاية العام فتحت أبواب الاستثمار لرجال الأعمال الفرنسيين في إيران وتعد فرنسا أكبر المستثمرين في إيران، بفضل الاستثمارات النفطية. كما ان الموقف الفرنسي والإيراني متقارب تجاه الحرب على العراق التي تم رفضها وإدانتها من قبل الدولتين.