حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي كانت خطوط طيران عالمية كثيرة تنظم رحلات منتظمة الى العاصمة السودانية، وكانت تلك الخطوط من الكثرة بحيث يحتار المرء على أيها يسافر. وكانت هناك الخطوط المصرية والاثيوبية والكينية والبريطانية والفرنسية والإىطالية وطيران الشرق الأوسط «اللبنانية» والاسكندنافية والهولندية وغيرها من شركات الطيران العالمية، وحتى الروسية على ما أذكر، وبالطبع كانت في مقدمة تلك الشركات مفخرة بلادنا «آنذاك» طيراننا الوطني «سودانير». ? الشركة الإيطالية (Alitalia) التي نحن بصددها في هذا التقرير كانت تنفذ رحلتين اسبوعياً من وإلى مطار الخرطوم الدولي عندما قررت صحيفة «الأيام» انتدابي لحضور ندوة أقيمت في مدينة فلورنسا الإيطالية حول هيمنة وكالات الأنباء العالمية على أخبار العالم الثالث. فقد كانت الوكالات الأربع «أ.ف.ب الفرنسية» و«رويترز البريطانية» و«اسوشيتدبرس ويونايتد برس الأمريكيتين» مهتمة بنقل التقارير السالبة عن الدول النامية، وكنت حينها أراسل يونايتدبرس. قسم العلاقات العامة بدار «الأيام» كان على تلك الأيام يرتب كل إجراءات سفر صحفيي الدار: تأشيرات الخروج والدخول والتذاكر وتحويل العملة.. إلخ يعني وجدت كل حاجة جاهزة للإنطلاق الى بلاد الروم بطائرة أليتاليا - أولاً الى مطار دافنشي خارج العاصمة روما ومن هناك مباشرة بطائرة اخرى صغيرة الى مدينة بيزا. مكثت في تلك المدينة الصغيرة ليلة واحدة لم أحاول خلالها الدخول في ردهات برج بيزا المائل واكتفيت بمشاهدة واحدة من عجائب الدنيا السبع. ومن بيزا بالقطار عبر «القدم» الإيطالي الى فلورنسا مدينة الفن والجمال. وبعد انتهاء الندوة التي دامت يومين ركبت القطار مرة اخرى - هذه المرة الى روما في أقصى الجنوب الغربي. تجولت في العاصمة الرومانية وشوارعها - وساحة الكوليزيوم التاريخية التي كان الرومان القدماء يقيمون فيها حلبات المصارعة والركن الأسباني الشهير (SPANISH CORNER) حيث يقبل عليها السواح والفنانون من شتى أنحاء العالم. كل تلك الجولات في المدن الإيطالية الثلاث لم تستغرق أكثر من تسعة أيام توجهت بعدها الى مطار دافنشي بحافلة الشركة الإىطالية على بُعد اربعين دقيقة من العاصمة ووصلت هناك قبل إقلاع الطائرة بساعتين، وحينما قدمت التذكرة لموظف «الكاونتر» أعادها لي معتذراً أنها لا تصلح للإستعمال قبل إنقضاء فترة لا تقل عن «21» يوماً. فقد تبين أن التذكرة التي كنت أحملها مخفضة القيمة (EXCURSION TICKET) ولا تسمح لوائح طيران أليتاليا للمسافرين بذلك النوع من التذاكر بالإقامة في البلد المضيف فترة أقل من «21» يوماً «يعني ناس «الأيام» مقلبونا».! كان أمامي خياران لا ثالث لهما: إما ان أدفع فرق التذكرة «حوالى 051 دولاراً» أو أسافر في الرحلة التالية بعد قضاء أربعة أيام أخرى في المدينة. وبحسبة بسيطة اتخذت الخيار الثاني: فقد كانت تكلفة الإقامة في روما أقل بكثير من الزيادة الطارئة على قيمة التذكرة «الإقامة في بنسيون مقابل «5» دولارات لليلة الواحدة». بقضاء الأيام الاربعة الإضافية أتاحت مزيداً من الجولات في روما وضواحيها التقيت من خلالها عدداً كبيراً من اخواننا الاثيوبيين والأريتريين وكثيرون منهم لجأوا هروباً من حكم منجستو هايلي ماريام - أي مستعمريهم السابقين!.