من دواعى سرورى أن تشهد البلاد هذه الأيام اهتماماً ملحوظاً بالقطاع الزراعى خاصة وأن هذا القطاع لم يأخذ بعده الإنمائى الحقيقى خلال العقود الماضية.ويأتى هذا الإهتمام فى ظل التصاعد المستمر لأسعار السلع الغذائية الضرورية عالمياً ومن منطلق قناعات الدولة أخيراً لما تمثله النهضة الزراعية المرتقبة من حراك إقتصادى وخدمى وإجتماعى يعود على كل أفراد المجتمع بالخير الوفير. ولكن فى خضم هذه البشريات بنهضة زراعية واعدة نحسب أنه سيتم تنفيذها وفق منهجية علمية حسب ما جاء فى الوثائق المصاحبة للبرنامج التنفيذى للنهضة الزراعية، تطالعنا وسائل الإعلام وهى منبهرة أن إحدى الشركات الإستثمارية الكبرى ستزرع نحو «20» ألف فدان ذرة صفراء(ذرة شامية) هذا الصيف وتحديداً شهر يوليو بمنطقة العبيدية بولاية نهر النيل، وبقدر ما يعكس هذا الخبر جدية ونشاط هذه الشركة فى إستثمار الأراضى الزراعية التى منحت لها بأسرع ما يمكن، وهذا أمر تحمد علىه، فإن زراعة هذا المحصول فى فترة الصيف فى تلك المنطقة لم تكن خطوة موفقة، ذلك لسببين، أولهما: إرتفاع درجات الحرارة، وثانيهما: شدة الإصابة بثاقبة الساق خلال فترة الصيف، ففى فصل الصيف تصل درجة الحرارة القصوى لأكثر من «45» درجة مئوية مما يؤثرعلى حيوية حبوب اللقاح وبالتالى تكثر الفراغات الخالىة من الحبوب فى ميزان الذرة مما يؤدى الى إنخفاض إنتاجية المحصول، هذا بالإضافة الى الدمار الذى يمكن أن تحدثه دودة الساق بالنسبة للمحصول. وقد أفادت المسوحات الحشرية التى أجريت بمحطة أبحاث الحديبة فى ستينيات القرن الماضى أن تعرض محصول الذرة الصفراء للإصابة بثاقبة الساق يكون مرتفعاً عادةً فى فصل الصيف مما قد يؤدى فى بعض الأحيان لفقدان المحصول كلية. ان المعلومات الفلاحية المتعلقة بزراعة هذا المحصول تحت ظروف السودان متوافرة فى كثير من المصادر لمن يود الاطلاع علىها. وتوصى هذه المصادر جميعها بزراعة الذرة الصفراء فى شمال السودان فى شهر اكتوبر كمحصول شتوى بسبب إنخفاض درجة الحرارة وتدنى الإصابة بثاقبة الساق خلال فترة الشتاء. أما فى مناطق الزراعة المطرية مثل مناطق النيل الأزرق وجنوب القضارف فيزرع كمحصول خريفى حيث تتم زراعته منتصف شهر يونيو. وعليه نوصى بألا يزرع هذا المحصول فى فصل الصيف بولاية نهر النيل وأيضاً بالولاية الشمالىة للاسباب التى أشرنا الىها من أجل مصلحة المستثمرين وتصحيحاً لمسار الاستثمار الزراعى فى البلد وما يترتب على ذلك من مردود سلبى فى جذب مستثمرين آخرين فى حالة فشل هذه التجربة. وليس هنالك ما يمنع زراعة الذرة الصفراء فى فصل الشتاء فى تلك المناطق إذا كان المستثمرون يرغبون فى ذلك ولكن أليس من الاجدى اقتصادياً زراعة القمح بدلاً عن الذرة الصفراء كمحصول شتوى فى الولايات الشمالىة؟ وفى هذا المقام نطرح تساؤلاً: ألم يخضع المشروع الاستثمارى المشار الىه لدراسة جدوى؟ إذا كان الامر كذلك فما هى المبررات التى إستندت إلىها الجهات التى أجرت الدراسة بالتوصية بزراعة محصول الذرة الصفراء فى فصل الصيف؟. فى ظني أن من أوصوا بزراعة هذا المحصول صيفاً قد إختلط علىهم الأمر واعتبروا ان نجاح زراعة هذا المحصول فى فصل الصيف فى مناطق اخرى مبرراً كافياً لنجاح زراعته صيفاً فى شمال السودان. فمثلاً ان الذرة الصفراء تزرع كمحصول صيفى فى مصر وغيرها من المناطق المعتدلة، ولكن يا للمفارقة بين صيفهم والصيف فى منطقة المشروع، حيث تفوق معدلات الحرارة بكثير معدلات الحرارة المناسبة لمحصول الذرة الصفراء التى تتراوح بين«35 - 32» درجة مئوية.