تفاقمت الأوضاع في السوق النفطية للدرجة التي دفعت السعودية، وهي أكبر منتج ومصدر وصاحبة أكبر طاقة إنتاجية فائضة الدعوة الى قمة تضم المنتجين والمستهلكين والشركات في 22 من الشهر الحالي. ومع القناعة ان العالم دخل مرحلة الصدمة النفطية الثالثة، الا ان بيت خبرة محترم هو رابطة كمبريدج لأبحاث الطاقة ترى ان العالم يسير بسرعة نحو الصدمة النفطية الرابعة، وتحددها بوصول سعر البرميل الى (150) دولارا. وقتها ستكتسب الأسعار لها قوة ذاتية وتتحرك بصورة مستقلة. و لا يبدو هذا السيناريو بعيدا عن التحقيق. ففي الفترة بين عامي 2003-2007 زاد سعر البرميل عشرة دولارات فقط الى (50) دولارا للبرميل، بينما في فترة ستة اشهر منذ بداية هذا العام الى الأسبوع الماضي إرتفع سعر البرميل من (100) دولارالى قرابة ال (140) دولارا. ويوم الجمعة السابع من هذا الشهر قفز السعر مرة واحدة (11) دولارا، وهو ما كان يساوي سعر البرميل بأكمله قبل عقد من الزمان. القناعة التي بدأت تترسخ بين الخبراء والمتابعين ان عهد النفط الرخيص قد إنتهى، وان ما يجري الآن هو ملامح للصناعة النفطية في القرن الحادي والعشرين. ما الذي يمكن للمؤتمر أن يفعله؟ ليس كثيرا فبطبيعة المشاركين الكبيرة لا يتوقع أن تتبلور سياسات محددة، لكن المؤتمر سيتيح فرصة للمنتجين والمستهلكين لتفريغ ما في قلوبهم وجهاً لوجه، مع امكانية التركيز على بعض القضايا وهي تحديدا وضع العرض والطلب. فالمنتجون يقولون ان هناك امدادات كافية بدليل انه لم يعان أي مستهلك من الحصول على أية كمية من النفط يحتاجها، وهم يريدون ضمانات للاستثمار في رفع الطاقة الانتاجية كما سيسشيرون الى الدور الذي يلعبه المضاربون في رفع السعر. بينما يدعو المستهلكون بقيادة الدول الغربية وانضمت اليها الصين والهند الى ضخ المزيد من الامدادات وفتح أبواب الدول ذات الاحتياطيات النفطية الضخمة الباب أمام الشركات الأجنبية للعمل. السودان قد تتم دعوته الى المؤتمر رغم انه منتج صغير والتقليد السائد الاعتداد بمن ينتج مليون برميل يوميا وأكثر، لكن بسبب حالة الاضطراب التي تسود الأسواق وتراجع الانتاج من خارج أوبك وكون زبائن السودان الرئيسيين من الدول الآسيوية، وهي المنطقة الأكثر طلبا للنفط، فكل هذا سيعطي السودان ثقلا اضافيا يسهم في ذلك تحسن وضع احتياطياته كما يشير التقرير الأحصائي لشركة "بي.بي" عن الصناعة النفطية الصادر الأسبوع الماضي ويضع احتياطيات السودان المؤكدة في حدود ستة مليارات وستمائة مليون برميل بنهاية العام الماضي، أي بزيادة نحو «200» مليون برميل عما كان عليه بنهاية العام 2006م. لكن تبقى القضية في كيفية مواجهة البلاد الصدمة النفطية التي تمر بها السوق. وقبل تناول هذا الجانب يستحسن البدء بطرح سؤال عما كان يمكن أن يكون عليه الحال اليوم لو لم يتم انتاج النفط بكميات تجارية تكفي الاستهلاك المحلي ومن ثم التصدير وسعر البرميل قد تجاوز ال «130» دولارا، وعائدات البلاد من الصادرات الأخرى لا تتعدى كلها ال «600» مليون دولار ضعف الموارد الذاتية لم تمكن السودان حتى من الاستفادة من انهيار أسعار النفط في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وهو ما كانت تعبر عنه الصفوف المتتالية أمام محطات الوقود، وهي لم تكن مشكلة على المستوى الشخصي للمستهلكين، وإنما بالنسبة لادارة الدولة وهو ما جربته مختلف الحكومات المتعاقبة. أولى القضايا المطروحة وضع الاستهلاك المحلي وتسعيره. فبسبب النمو الاقتصادي وتوافر الامدادات قفز الطلب المحلي الى أكثر من «100» ألف برميل يوميا، أي نحو «20» في المائة من الانتاج. وأي برميل يتم استهلاكه محليا يكون على حساب ما يمكن تصديره. ثم يأتي جانب التسعير، ومع الأسعار العالية الحالية أضطرت حتى الدول الآسيوية مثل الصين والهند وماليزيا الى مراجعة سياسات الدعم التي تقدمها للمنتجات النفطية المكررة. فإبقاء الأسعار على ما هي عليه يشجع على استمرار النمو في الاستهلاك، كما سيدفع الى حدوث تهريب الى الدول المجاورة التي تعاني من شح الامدادات النفطية وغلاء أسعارها. ويعني هذ ضرورة الاستعداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدفع سعر أعلى. الجانب الثاني يتمثل في كيفية الاستفادة من الظروف التي تمر بها السوق لاستقطاب شركات ذات قدرات استثمارية وتقنية عالية للعمل في السودان حتى يمكن تحسين ورفع الحجم الانتاجي. فالكثير من المربعات تحتاج الى تكثيف لعمليات البحث والتنقيب، الأمر الذي يتطلب تنشيط برنامج التخلي عن المربعات من قبل الشركات التي لم تنجح في تحقيق نتائج مثمرة. أما الجانب الثالث فيتركز في النظر في البدائل وعلى رأسها الغاز الذي يحتاج الى المزيد من الدراسات والتخطيط على الأقل لتحديد كيفية الاستفادة من مكامن الغاز التي تم اكتشافها خاصة في البحر الأحمر، وهو أمر ممكن مع تقدم التقنية في هذا الجانب. وهو جانب يحتاج الى إعطائه أولوية. فالكثير من المحطات الكهربائية التي أقيمت تعمل بطاقة تعتمد على النفط، الأمر الذي يضغط على حجم الانتاج القابل للتصدير. هذه قضايا فنية ذات بعد اقتصادي واضح، لكن يبقى جوهر التحرك هو الجانب السياسي سواء من ناحية العمل على الوصول الى قواسم مشتركة في السياسة النفطية تنداح آثارها الى بقية المجالات، أو تحقيق الاستقرار الذي بدونه يصبح كل الحديث عن استغلال موارد البلاد بناء لقصور فوق الرمال.