1 لا تنصب قضية العلاج في السودان على الأطباء فقط بل على الكادر الطبي كله .. حيث لوقت قريب كان القطاع الصحي يعاني من نقص حاد في الكوادر المساعدة ناهيك عن المؤهلة هذا الشح ناتج من سياسات سابقة لم تعر اهتماما كافيا لهذا الموضوع الحيوي ، اضافة لسلوك بعض الفنيين غير الراضين عن أوضاعهم المهنية ، فالممرض او الممرضة يمّنيا نفسيهما ان يكونا طبيبا وطبيبة مع ان كلاً له أهميته القصوى في العملية العلاجية ، وكذا بعض الفنيين في المختبرات والأشعة والعلاج الطبيعي وغيرها يمنون أنفسهم لموقع غير الذي هم به .. هذه واحدة أما الأخرى فهي التدريب الجيد على المعدات الحديثة والاهتمام فقط بما يليهم حتى يتفرغ كل واحد الى مهمته الأساسية وتأتي في هذا السياق عناصر الجودة والمتابعة والضبط الإداري للمختبرات المنتشرة في الأحياء النائية توزع الملاريا كيفما اتفق .. فأغلب شكوى المرضى من تضارب نتائج المختبرات الطبية بشكل فاضح . هذا الضبط الإداري والتدريب والاهتمام بمجال المختبرات والأشعة .. وتأتي أشياء أخرى تساعد القطاع الطبي على أداء متميز والتي تنسحب على كل القطاعات المجتمعية الأخرى كالهندسة والقانون والإدارة .. حيث لا ينفع ان ننهض بالقطاع الصحي دون تطوير المجالات خاصة في هندسة المستشفيات والشأن القانوني في حقوق المرضى خاصة الأخطاء الطبية مرورا بتنمية القدرات الإدارية لقيادة المستشفيات بكفاءة عالية . -2- حتى لا يغضب الأطباء من مثل هذه المقالات حيث القطاع الطبي ليس معزولا عن بقية القطاعات التي أصابها الوهن و الاهتراء ولكن القطاع الطبي حساس للغاية لأنه يصيب الناس أنفسهم ، وهذا ما يدفع بالأولوية الى أقصاها . ندرك ان التنمية مرتبطة بالاستقرار الذي يأتي من الإحساس بالأمن ، ولكن هناك العديد من " المنغصات " في القطاع تصيب المرء بالذهول .. والناظر لبعض الدول التي تقدمت في الخدمات الصحية لا تفوت السودان عراقة في هذا المجال سوى بالاستقرار السياسي الذي ينمي القطاعات كافة . من الأمثلة المريعة ان شخصا ما شخصّ مرضه في السودان على انه سرطان من اختصاصي كبير يشار له بالبنان .. ويلملم أهل المريض أطرافهم لعلاج مريضهم في الخارج مثلا في الاردن وبعد بيع العديد من الممتلكات يكتشف ان هذا المريض خالٍ من الخلايا السرطانية... أي خطأ قاتل فعله المختبر اولا ثم الطبيب الذي عايّن المريض ، وأي إزعاج وقلق وتوتر سببه بعض الأطباء لهذا المريض وتلك الأسرة ؟!! لا قانون يحاكم على هذا الاستنزاف النفسي فيأتي بعده آخر وآخر . وتتكاثر مآسي بعض الأطباء وبعض المختبرات، ولا عزاء للسودانيين الذين يصرفون المال الشحيح والوقت والتوتر في أخطاء بعض الأطباء القاتلة!! - 3 - يحتاج الإصلاح الى الجرأة التي كان يتمتع بها د. عبد الله سيد احمد بشرط الإبقاء على أهل الخبرة والفاعلية ، ايضا يحتاج الى تثوير مؤسسات العمل الطبي ، كنقابة الأطباء ، حيث تعمل في المقام الاول على ترقية المهنة ، وضبط الأسعار كافة من فاتورة كشف الطبيب الى العمليات الكبرى أعلى تكلفة واقل تكلفة بحيث لا يستطيع الطبيب تجاوزها بأي حال من الاحوال . فالنقابة لترقية وتجويد وحفظ وتطوير المهنة ، ثم تأتي الدولة لتعمل على ازالة التشوهات القانونية ، وتسهيل الجمارك والضرائب ، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال الحيوي ، ان جاز التعبير المباشر- فالنائب علي عثمان محمد طه قد حاول كثيرا إصلاح ما لا يمكن إصلاحه الا برؤية شاملة . آخر محاولات " شيخ علي " توطين العلاج في الداخل ، حيث وفرّ لهذا البرنامج إمكانيات ومالاً كثيراً وإدارة سياسية غير مسبوقة ولكن المحصلة النهائية لا ترضي الجميع ، حيث صاحبت هذا البرنامج أخطاء قاتله يعلمها الجميع . الحديث في هذا المجال طويل ، والتنظير فيه متعدد ، وحتى لا يرمي المسؤولون وأهل الاختصاص من قبيلة الأطباء والكادر الصحي اللوم على الإعلاميين ، فالأمر يأتي كله من باب التجديد والتحسر على حالة لا ينبغي لها ان تسود .. لان السودان من أوائل الدول العربية والإفريقية التي أنشأت كلية للطب ، وبها العديد من الأطباء الذين درسوا بكليات الطب المختلفة بالعالم اجمع وعملوا في مستشفياته وكلهم مميزون بالكفاءة المهنية العالية. وحتى لا نذكر بيت الشعر " كنقص القادرين على التمام " فالقضية برمتها في أيدي الاستراتيجيين للقطاع الصحي ليعيدوا النظر الى هذا المجال الحيوي ليس اعتمادا على مسئولية الدولة فحسب بل يتعداه الى تجويد مساهمات القطاع الخاص في هذا المجال وعلى كل الجهات ذات الصلة خاصة بين مجلس التخصصات والمجلس الطبي ونقابة الأطباء ان تلعب دوراً مهماً في ترقية المهنة وان يتركوا العديد من القضايا الانصرافية التي لا تقدم ولا تؤخر . نذكر أخيراً صيحة في وجه الجميع " يا أطباء السودان اتحدوا " . وهذا بالضرورة يعني ان نترك الخصام والغيرة المهنية والضرب تحت الحزام!!!