بين سطور إحدى روايات الكاتب الكبير "جيفري آرشر" تعثرت بجملة ل "برنارد شنو" يقول فيها : " .. إن الذي يريد أن يقف على عظمة بريطانيا عليه أن يتعرف إلى المربيات الإنجليزيات .. " . وما أن قرأت تلك الجملة حتى استدعت خلايا مخي الرمادية صورة تلك المربية الانجليزية المتمكنة بطلة برنامج "سوبر ناني" الذي يبث على قناة ال إم . بي . سي . وتذكرت مقدراتها الهائلة التي تقف على تخوم السحر في تحويل (الشُفَّعْ) قليلي أو عديمي التربية والتهذيب إلى أطفال ناضجين يقومون ويقعدون ويأكلون ويلعبون على أصول الإتيكيت العائلي ! .. وكنت قد قرأت ذات مرة أن (مادونا) نجمة الغناء الأمريكية المقيمة في (لندن) لا تثق بغير المربيات الانجليزيات وبأنها تقول عنهن أنهن أكثر اخلاصا وكفاءة ومهارة في التعامل مع الاطفال ? أي أطفال ? حتى وإن كانوا وحوشاً صغيرة خارجة عن السيطرة ! .. وقد اختارت (مادونا) المفتونة برقي (بريطانيا) أن تربي طفليها على الطريقة البريطانية . فالآباء لا يتهاونون عندما يتعلق الأمر بتربية أطفالهم ويتمنون أن يحصلوا على ما لم يحصلوا عليه هم من التهذيب والتربية على قواعد السلوك القويم حتى وإن عاشوا طفولتهم وصباهم بطيش ونزق وجنون (مادونا) ! .. الشاهد من مقولة "برنارد شو) عن دور المربيات البريطانيات في عظمة (بريطانيا)، ومن موقف (مادونا) من جنسية المربية وخلفياتها الثقافية والاجتماعية هو (الاجماع ) على الدور الخطير الذي يلعبه الشخص الذي يكون لصيقاً بالطفل في سنواته الأولى.. والشاهد أيضاً هو الخطر الذي تواجهه الأمهات العاملات في مجتمعنا المحلي الذي تضاءل فيه دور (الحبوبة) النمطية التي تلزم المنزل وتعتني بالأحفاد بعد أن تحولت بدورها إلى سيدة عاملة تستمرئ إثبات الذات وتحقيق الانجازات حتى بلوغها منتصف أو خريف العمر ، لتحل محلها الخادمة المحلية قليلة الخبرة والثقافة والتجربة أو الخادمة المستوردة من تضاريس ومناخات مغايرة ! .. وبينما تضحك هؤلاء الأمهات العاملات على الكلمات والسلوكيات الغريبة على الأسرة والتي يلقتطها أطفالهن في أثناء احتكاكهم ب (البت الشغالة) أو بمن يتركونهن في رعايتهم عشوائياً إلى حين عودتهم من العمل تكتسب آثار ذلك الاحتكاك المباشر أو غير المباشر قوة وعمق النقش في حجر سلوكيات الطفل إلى أن يصبح رجلاً !.. لقد أولى علماء النفس السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل ما لم يولوه لغيرها من الحديث عن عظم تأثيرها في تربيته وسلوكه في المستقبل . وهنالك نظريات ومؤلفات تناقش كيفية تنمية ذكاء الطفل من عمر (يوم واحد) إلى عمر (ست سنوات) . بينما يعتبر الكثير من الأمهات والآباء سلبية سلوكيات الطفل في مثل هذه السن دليلاً على بطء تأثر سلوكه بسلوك من حوله . إن الخادمة أو الجارة أو حتى (الحبوبة) التي تتعاطى مع الطفل بمعطيات جيلها وزمانها هي أم بالصدفة فرضت عليها الظروف أن تمارس الأمومة العشوائية وغير المباشرة بدوام جزئي على أطفال مؤقتين تتعاطى معهم ببعض اكتراث ونصف انتباه وغياب دائم لأبسط أبجديات التخطيط التربوي . وعليه فعندما يقرر أحد أطفال اليوم شباب الغد الزواج في المستقبل يجب أن لا يكتفي ذوو الطرف الآخر بالسؤال عن أمه الظاهرة للعيان بل عن (أمه بالصدفة) لأن تأثيرها غير الرسمي في طباعه وسلوكه هو الأبلغ والأعظم تأثيراً من تأثير أمه البايولوجية !