نبهتني ملاحظة البروف الجميل (علي شمو) التي ذكرها في حوار أجريته معه الشهر الفائت.. إذ قال لي انه خارج السودان يعرف السوداني من مشيته، بل يعرف قبيلته من طريقة مشيته.. فهل حقاً نمارس طريقة تخصنا في المشي.. ربما عشعشت المعلومة في ذهني.. ولاحظت بعد عودة شقيقة لي من امريكا ان اولادها يمشون كما الامريكان.. وقد ذكرت لها هذه الملاحظة فلم تحتف بها. وتشابه المشية لدى السودانيين يفسد مقولة الشاعر صلاح حاج سعيد في اغنيته التي غناها الطيب عبدالله (ويخلق من الشبه أربعين)، حين ذكر وجه الشبه (المشية ذاتا وقدلتو)، حيث اتضح أن مشيتنا واحدة.. لم أجادل البروف في ملاحظته لكن اقرر انه يقصد مشية الرجال.. لا مشية النساء السودانيات.. ربما لا نهن خارج السودان يميزهن الثوب السوداني. بدأت ألاحظ طريقة مشي الناس في الشوارع.. مشى الرجال طبعاً.. وليس مشى النساء لأنني لا يجب ان ادقق في مشيتهن فالنظرة الاولى لك والثانية عليك.. إذ النظرة الاولى حتى تتبين انها امرأة وليست (شكلوتة أو بعاتية).. فبدأت الملاحظة.. لمشي الناس أفضى بي ذلك الى ملاحظة شيء آخر.. إن الرجال يلبسون ألواناً متشابهة، فالبناطلين لا تخرج اغلبيتها من الالوان الاسود - الازرق- البيجي- ربما لاننا نستورد الملابس من جهة واحدة على الارجح هي سوريا.. ولابد أن المشي أمر مهم.. ففي أغانينا.. مشينا مشينا للبلابل.. ويا شارع الحب يا أحلى طريق انا داير امشيك ومعاي صديق لابي عركي.. ويمشي خطوة اتنين مستحيل لود المامون واحمد حسن جمعة والشعر الجاهلي خلد مشية البدينة (كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل). وقد حدد الشاعر المشية السليمة للمرأة بأنها لا متأنية بطيئة ولا مُتعجِّلة سريعة.. لكن لا أحد من بناتنا يشتغل بهذه النظرية فهن إما متمهلات وبطيئات او مستعجلات سريعات.. ربما لأنهن لسن بدينات. وعندما كنت اجلس في حضرة (بتاع الاورنيش) قررت مراقبة حركة مشي الناس «الرجال طبعاً»، بالنظر الى اقدامهم دون النظر الى وجوههم. حتى لا يصرفني ذلك عن الملاحظة الاساسية طريقة المشي الى ملابسهم أو ملامحهم.. للأسف لاحظت مجدداً تشابهاً في الأحذية التي يلبسونها اشكالها وألوانها نفس الملامح والشبه ربما لانها ايضاً مستوردة من سوريا. وبينما أتفرّس في الأقدام اذا بأقدام تتجه نحوي بمشية أزعم أنني أعرفها تمخض ذلك عن شخص سلَّم علىَّ بحرارة وقال: طبعاً ما عرفتني.. قلت: وهل المفروض انني اعرفك. قال: كيف لقد درست معك المرحلة الثانوية.. فنظرت إليه ملياً وابتسمت فقلت له عرفتك! أها أنا منو؟ قلت له لماذا تسألني هل انت لا تعرف انك منو؟ لا عشان أختبر ذاكرتك.. فقلت له: ومن الذي طلب منك ان تختبر ذاكرتي.. فقال لي: ياكا ذاتك ما خليت المساخة؟ قلت وهل عندما كنت معكم في الثانوي كنت مسيخاً..؟ فضحك وقال لي: انا عيسى فقلت له على سبيل المزاح: عيسى موسى.. فتهلل وجهه، لكن ما شاء الله أهو عرفتني.. فسألته: بالجد اسمك كده؟ فقال لي: ما هو انت عرفتو.. فقلت له: دعك من هذا انظر معي الى مشي الناس.. ألا تلاحظ أن مشيتنا متشابهة.. فاحتار وسألني من الذي قال ذلك.. فقلت له بروف (علي شمو) فقال لي: الواحد ده؟ قلت له: الواحد ده.. اصلو صاحبي وكدة فقال لي مستبعداً مندهشاً: امشي!! قلت ليه أمشي انت حتى أتم ملاحظتي عن مشي الناس.. وترانا ماشين!