في حديثها عن الطقس والمناخ الذي صاحب مخاض روايتها الجديدة قالت الروائية التشيكية الفذة (إيزابيل الليندي) في حوار نشر بإحدى المجلات الإنجليزية إن كتابها الأخير والذي صدرت طبعته الإنجليزية قبل أسابيع يمكن تصنيفه كتتمة لروايتها الشهيرة (باولا) التي كتبتها إلى جوار سرير ابنتها الغائبة عن الوعي في غيبوبة طويلة، بينما كانت ترقب بقلب مفطور تفاقم مرضها الغامض! وفي روايتها الجديدة التي تصفها بالرواية الأكثر صعوبة بين جميع رواياتها لأنها تكشف تفاصيل حياة المقربين منها تناجي ابنتها (باولا) و تخبرها بما حدث لأفراد أسرتها بعد وفاتها. وقد أثارت الصراحة التي اتصف بها سردها لتلك الأحداث الواقعية حفيظة أفراد أسرتها، و دفعت ابنها إلى أن يسألها مغتاظاً عن السبب وراء إصرارها على "نشر غسيل" أسرتها على صفحات الكتب . فما كان منها إلا أن أجابته بقولها : إنها طبيعتي.. طبيعة الكاتب!.. ثم روت له حكاية الضفدع و العقرب التي ذهبت مثلاً يستدل به رواتها على أن "الطبع غلاب " و"الطبيعة جبل" فقد سأل العقرب في تلك الحكاية ضفدعاً أن يحمله إلى الضفة الأخرى من النهر لأنه لا يستطيع السباحة، لكنه لدغه في منتصف الطريق فغرقا معاً. وبينما كانا يغرقان قال العقرب مخاطباً الضفدع الملدوغ: لا حيلة لي إنها طبيعتي! أتفق مع "إيزابيل الليندي" على أن الكاتب (شقي حال) و إن كنت أختلف معها في تشبيه طبيعته بطبيعة العقرب . فالكاتب أي كاتب عندما يستعرض بصراحة الظواهر الاجتماعية الصادمة والخطيرة والمزالق الأخلاقية و(المُربِكات) و(المُحيِّرات) في مجتمعه بضرب الأمثلة من محيطه العام يجابه بإسقاط البعض لتلك الأمثلة على واقعه الشخصي! وإن هو تحلى بالشجاعة وضرب أمثلة من محيطه الخاص فسوف يجابه بلوم وتقريع وغضب أفراد أسرته الذين يرون في الحديث عن تفاصيل حياتهم نشراً لغسيلهم . ولأن "الجحيم هو الآخرون" يرفض الناس نشر غسيلهم على رؤوس هؤلاء الأشهاد الآخرين . حتى وإن كان ذلك الغسيل نظيفاً ناصع البياض! إذاً فالكاتب صاحب الرؤية والمخلص لمشروعه الفكري "شقي حال" لأن طبيعته تغلب تطبعه على غيرها، وتدفعه إلى الصراحة والتجرد في تناول قضايا مجتمعه لذلك فهو في الغالب شخص مغضوب عليه من قبل البعض في ذلك المجتمع. ليس لأنه "يلدغ" لكي "يلدغ" كالعقرب، بل لأنه يحمل طبيعة "الفراش" الانتحارية "يشوف النار و يمشي عليها". و كل همه بقعة الضوء التي سينتجها احتراقه!