تقول الحكاية الشهيرة ان مجموعة يمنية مجاهدة او فدائية، سمها ما شئت، عقدت اجتماعاً عاصفا لأيام، تداولت فيه، بحماس الى أن بلغ اولى عتبات التشنج، نوايا امريكية لغزو اليمن، وتأكد الاجتماع من صدق النوايا الامريكية، فوضعت المجموعة خطة محكمة لمحاربة امريكا على طريقة حرب العصابات في اليمن وخارجه، تحت شعار زلزلة الارض تحت اقدام الامريكان، واعلن رئيس الاجتماع رفع الجلسة، ولكن قبل ان يغادر الاجتماع المكان رفع احد الحضور يده، وسأل وعلى وجهه ابتسامة بزاوية منفرجة: طيب ايش نفعل اذا هزمنا امريكاااا...ايش الخطة يا جماعة؟ فأسقط في يد الاجتماع. وعلى طريقة اليماني هذا نسأل من جانبنا: طيب ايش تفعل الاحزاب بعد ان يجاز قانون الاحزاب، فقد حشدت اغلب الاحزاب طاقتها في سبيل الوصول بقانون الانتخابات الى مراحله النهائية، اي قانون متفق عليه مجملاً، بالطبع" لان الاجماع اقرب الى الاستحالة، وقانون يضع ارضية قوية لانتخابات حرة ونزيهة، ويحتوى على كل ما من شأنه ان يجر العملية الى مزالق... ما هي الآن بين يدي القانون. ودخل مشروع قانون الانتخابات قبة البرلمان بعد ان توافقت القوى السياسية، الا بعضها في صف المعارضة، على النقاط «الجوهرية» على مشروع قانون الانتخابات العامة، حسب تعبير رئيس البرلمان، على ان تجرى الانتخابات بنسبة" 60% " بنظام الدوائر الجغرافية، ما يعادل" 270" دائرة في البلاد ، ونسبة "40%" بنظام التمثيل النسبي، تشمل" 25% " للمرأة و" 15% " قوائم ولائية. وقد كلف هذا التوافق المسؤولين في المفوضية القومية لمراجعة الدستور وممثلي القوى السياسية، سلسلة اجتماعات، بدأت من الصفر، اي كانت المواقف متباعدة الى حد قياسي. هؤلاء اقصى اليمين، واولئك اقصى اليسار، وكانت فرص المقاربات ضيقة لأبعد الحدود. ليست اوسع من خرم ابرة، على رأي المثل. بسبب تمسك كل طرف بموقفه. ولكن بعد اشهر طويلة من المناقشات والجدل الباني، واشياء من المماحكات والمساومات والمناورات والمزايدات، نحت الاطراف ثغرات على الجدار، وبدأت رحلة النفاذ الى طريق يوصل الى «عضم» المشروع من حيث الشكل والمضمون. وتمثل ذلك في ان اتفقت هذه القوى على أغلب جوانب المشروع، في اطار الاتفاق المبدئي بينهم على النظام الانتخابي المختلط ، الذي يجمع بين «الدوائر الجغرافية ونظام التمثيل النسبي»، وفي التفاصيل برز الخلاف بين القوى السياسية، الذي عصي على المفوضية تجاوزه من خلال الجلوس مع ممثلي القوى السياسية خاصة الطرفين «الوطني والحركة»، وحسب ماجد يوسف الامين العام للمفوضية القومية لمراجعة الدستور، فانه تمثل في النسب داخل النظام المختلط، حيث يرى المؤتمر الوطني ان يكون «60 % » للدوائر الجغرافية، «40 %» نسبياً منها «25 %» للمرأة ، و«15% » للقائمة الحزبية، وترى الحركة في مقترح اخير، طبقا للانباء ، ان يكون «55% » جغرافية، و«45 %» نسبياً، ويرى الحزب الشيوعى وقوى سياسية اخرى ان يكون «50 % » جغرافية، و«50 % » نسبياً، وتعتقد المفوضية ان من الخلافات البارزة بين القوى" تنحصر في التباين بين القوى السياسية في المواقف حول ما اذا كان النظام النسبي سيطبق على مستوى السودان ام على مستوى الولاية". وكان الوطني يتمسك بتطبيق النظام النسبي على المستوى القومي، وحسب المراقبين فان هذا التمسك نابع من افتراض الحزب بأن وجوده واسع ومتنوع باتجاهات البلاد الاربعة، ما يمكنه من تحقيق مكاسب في الانتخابات، في اي موقع بدرجات قد تتفاوت، من موقع الى آخر. اما الحركة، فقد ظل موقفها من النظام النسبي «بين بين»، لوقت طويل من مراحل النقاش الاولى للقانون، ولكنها حسبت وقدرت وقالت انها ترغب في ان يكون النظام النسبي (والمحدد ب «40 %» منها «25% » للمرأة والباقي «15 % ») ولائيا. وكان هذا الخلاف هو العقدة التي علق عليها القانون لفترة طويلة، اضطرت معها المفوضية ان ترفع الراية البيضاء وتعلن استسلامها لحالة الشد بين الشريكين، بتحديد اكثر: بين المؤتمر الوطني من جهة، والحركة وقوى اخرى معارضة، من الجهة الاخرى، وترفع المسودة بكل ما فيها من نقاط اتفاق واختلاف الى الرئاسة، وانشغلت الأخيرة عنها لوقت طويل الى ان حسم اجتماع جوبا المشترك الامر. حل العقدة بمساومة على ما بدا بين المؤتمر الوطني والحركة، حيث تنازل المؤتمر الوطني من فكرة قومية تطبيق النظام النسبي، ليكون ولائيا، مقابل تنازل الحركة عن فكرة : «55 %» جغرافية، و«45 %» تمثيل نسبي، لتكون:«60 %» للدوائر الجغرافية و«40%» نسبياً، اي وفقا لمقترح المؤتمر الوطني. وما دون هذا من خلافات يتفق الطرفان بانها شكلية، كما لا اعتقد بانها تعتبر جوهرية بالنسبة للقوى السياسية الاخرى. ما بين حزب الامة والوطني «سمن وعسل»، هذه الايام.التراضي الوطني بينهما، كما يبدو،«رمال تحتها ماء سرف»، على رأي المثل في دارفور، بينهما اتفاق الحد الاعلى، وليس الادنى. والعلاقة بين الحركة والحزب الشيوعي، وقوى اليسار، مجملا، تحتمل قبول «طرح الآخر»، ولو على مضض، رغم انها علاقة، تبدو، غير عادلة في كثير من الاحيان، هناك طرف او اطراف تستغل الاخرى، وتتخذها جسرا للعبور، او درقات وسيوفاً لمقارعة الخصوم. اما الاتحادى الديمقراطي، فلا يعرف له قولا فاصلا في الامر، ولا يعرف من هو الذي يجب ان يقول ذلك القول، هل هو في الداخل ام في الخارج؟ وهل الحزب يسبح مع تيار الفترة الانتقالية ام ضده. نعرف ان المياه في الفترة الانتقالية تمر من فوقه وتحته، فحسب. سيجاز القانون، اذاً، في البرلمان، بعد تعديلات غير جوهرية، اي قد تطال ما اسماها الدكتور غازي صلاح الدين العتباني رئيس كتلة الوطني في البرلمان «ملاحظات أبدتها بعض القوى وطالبت بإدراجها في الصياغة النهائية لمشروع القانون»، اي «تحدث التعديلات في مسائل مثل اجراءات، لاحكام سد الثغرات امام اي مفاسد قد تطرأ أثناء عملية الانتخابات وفي امور الرسوم وغيرها»، حسب قول صديق الهندي القيادي في الاتحادي «جناح الهندي» ورئيس لجنة الخدمات في البرلمان. ثم ماذا بعد الاجازة؟ هل نظمت الاحزاب بيوتها تنظيميا وديمقراطيا، وهيأت الحريات داخلها لخوض الانتخابات المقبلة وهيأت نفسها لنتائج الانتخابات؟ هل وضعت خططها رأسيا وأفقياً على امتداد الوطن لتخوض التجربة بقوة؟ هناك حزب يخوض الانتخابات، ليفوز ويحكم، وهناك حزب يدخل الانتخابات، فقط، ليعرف «حجمه» عند الناس، ليستفيد من التجربة، وحزب تطال يده صناديق الاقتراع، فقط، لقطع الطريق على خصومه او خصمه، وحزب يبحث من خلال صناديق الاقتراع، عن مقاعد له لمعارضة حية لاية حكومة تأتي، فهل جلست احزابنا ثم قدرت مثل تلك التقديرات حيال تجربة الانتخابات المقبلة؟ بتقديري أن أشياءً كثيرة من ذلك القبيل لم تحدث بعد داخل اغلب الاحزاب... ويجب ان تحدث، يجب ان تجيب على السؤال: ايش تفعل الاحزاب بعد اجازة قانون الانتخابات، والا فالحال هو: باب النجار مخلع، ويتحمل مقولة: الوتد قبل العتود! والعربة قبل الحصان، واي وضع آخر «اشتر».