كتب الأديب الفرنسي (فيكتور هوجو) أكثر من عشرين ألف رسالة حب معظمها لامرأة واحدة هي حبيبته الممثلة (جولييت) التي أحبها لأكثر من خمسين عاماً دون أن يتمكن من الزواج منها . أما السبب في ذلك الحرمان فهو تقاليد المجتمع الفرنسي، التي تمنع زواج النبلاء من أمثاله من الممثلات من أمثالها!.. لم يصنف النقاد رسائل (هوجو) إلى (جولييت) على أنها من أرق رسائل الحب في الأدب الفرنسي فحسب، بل اعتبروها مادة ثرة لاستقراء مواقفه السياسية من أحداث عصره، و تربة خصبة أنبتوا عليها دراسات عميقة عن تأثير تلك الحبيبة المخبوءة في أدبه.. فهم يرون أن شخصية (كوزيت) الطفلة الفقيرة اليتيمة بطلة رائعته (البؤساء) ما هي إلا تلخيص - بتصرُّف - لقصة حياة حبيبته (جولييت) التي نشأت طفلة فقيرة يتيمة قبل أن تصبح ممثلة شهيرة!.. وعلى الرغم من أن كل منهما كان يكتب إلى الآخر رسائل يومية طويلة مولعة بالعاطفة والفناء في الآخر إلا أنهما بقيا على حالهما، لا يمتان إلى بعضهما بأية صلة رسمية. أما السبب فخوف النبيل الفرنسي من أن ينبذه مجتمعه المخملي، إذا قام بكسر العادة بزواجه من ممثلة.. والنتيجة أنه مات (بغبينته) بعد أن عاش طوال عمره بعيداً عنها.. يا للرجال!.. وحكاية (هوجو) مع قسوة أعراف مجتمعه، و إذعانه لفرماناته المجحفة هي وجه تعيس من وجوه حكاية الإنسان مطلقاً مع سطوة عرف مجتمعه الملزم، الذي تستتبع مخالفته عقاباً صارماً يتمثل في تجريده من الاحترام و مجابهته بالشجب و الازدراء !.. حكاية (هوجو) و(جولييت) تشبه على وجه ما أحجية (تاجوج) و(المحلق) السودانية الشعبية. مع فارق بسيط وعميق في آن معاً. فخضوع (هوجو) لسطوة العرف كان بمثابة «فعل امتناع لوجود». بمعنى أنه قد امتنع عن الزواج من حبيبته ل (وهمة في رأسه) مفادها وجود عائق كبير يتمثل في تحريم أعراف مجتمعه لذلك الزواج!.. بينما جاء اتباع (المحلق) لسطوة العرف بمثابة (انبراء) أو (مبادرة شخصية) بتفعيل عادة مجتمعية هي رؤية أصحابه لزوجته عارية و هي ترقص يوم عرسها، و في (وهمة) من نوع آخر، و على إثر مشادة كلامية بينه و صاحبه «همهوم» تمسك كل منهما خلالها برأيه الطفولي القائل بأن زوجته هي «الأجمل»! .. فانقلب «المحلق» إلى زوجته «متحنفشاً» و طلب إليها أن تقف عارية أمام الطاقات المفتوحة ليحضر همهوم و أصحابه، و يتأملون جسدها العاري خلسة، كما جرت العادة .. محتجاً في وجه استنكارها و (تعييبها) لطلبه بأن «العادة شرع و فرع»! .. فوافقت من جهتها على تنفيذ طلبه شريطة أن ينفذ بدوره طلبها، فوعدها بذلك.. وكان له ما أراد.. و رآها أصحابه عارية .. بعدها طلبت إليه أن يطلقها و طالبته بتنفيذ وعده .. فأنصاع كارهاً . و بوازع من كون «النطة» من الوعد عيب كبير، بحسب عادات أهل قبيلته .. و«العادة شرع و فرع»!.. يا جماعة.. هذا هو جوهر الفرق بين حب الرجل و حب المرأة.. ف لو أوكل (هوجو) و(المحلق) وغيرهما من أمثالهما لو أوكل كل منهما الأمر إلى حبيبته لكسرت لأجله ألف عادة سخيفة.. ولحطمت في طريقها إليه مليون عرف أحمق.. ولجنبته ونفسها معركة ساذجة لا معترك لها إلا ساحة فكره الذكوري!