ويستمر الصعلوك الثاني في رواية حكايته بين يدي الفتاة الثالثة التي يبدو انها هي مالكة هذا البيت الكبير العجيب.. والمحتجز فيه ذاك (الحمال) الذي انهى حكايته وكيف انه وصل إلى هذا البيت ثم جاء دور الصعلوك الأول الذي روى ما جرى له ولماذا هو اعور حليق وكانت قصته مدهشة للجميع وها هو ذا الصعلوك الثاني يواصل حديثه الذي بدأه من قبل ولم يزل من المحتجزين صعلوك ثالث كما انه من المحتجزين الخليفة ووزيره جعفر وسيافه الخاص. الصعلوك الثاني واصل سرد حكايته عن كيفية مجيئه وكيف انه كان قد حكى عن دخوله في مغارة عميقة وجد فيها قصراً وبداخل القصر فتاة جميلة.. سألته في بداية اللقاء قائلة: ومن اوصلك إلى هذا المكان الذي لي فيه خمسة وعشرين سنة ما رأيت فيه إنساً ابداً. قال: فلما سمعت كلامها وجدت له عذوبة وقلت لها: - يا سيدتي اوصلني الله إلى منزلك ولعله يزيل همي وغمي وحكيت لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر فصعب عليها حالي وبكت وقالت: أنا الاخرى أعلمك بقصتي فأعلم اني بنت الملك افيتاموس صاحب جزيرة الابنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة زفافي عفريت اسمه جرجيس بن رحموس بن إبليس، فطار بي إلى هذا المكان ونقل إليه كل ما احتاج إليه من الحلى والحلل والقماش والمتاع والطعام والشراب وفي كل عشرة ايام يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة وعاهدني اذا عرضت لي حاجة ليلاً أو نهاراً ان ألمس بيدي هذين السطرين المكتوبين على «القبة» فما ارفع يدي حتى اراه عندي ومنذ كان عندي له اليوم اربعة ايام وبقى له ستة ايام حتى يأتي فهل لك ان تقيم عندي خمسة ايام ثم تنصرف قبل مجيئه بيوم؟. فقلت: نعم.. ففرحت ثم نهضت هي على قدميها واخذت بيدي وادخلتني من باب مقنطر ينتهي إلى حمام لطيف ظريف، فلما خلعت ثيابي وجلست على مرتبة وقدمت لي مأكولا.. وتحادثنا.. ثم قالت لي نم واسترح فإنك تعبان وقد ذهبت هي فنمت وقد نسيت ما جرى لي وشكرتها فلما استيقظت وجدتها تقول لي والله انا كنت ضيقة الصدر وانا تحت الارض وحدي ولم اجد من يحدثني خمساً وعشرين سنة فالحمد لله الذي ارسلك إلىّ ثم انشدت: لوعلمنا مجيئكم لفرشنا مهجة القلب أو سواد العيون وفرشنا خدودنا للقاكم ليكون المسير فوق الجفون فلما سمعت شعرها شكرتها وذهب عني همي وغمي.. فقلت لها هل اطلعك من تحت الارض واريحك من هذا الجني؟ فضحكت وقالت اقنع واسكت.. فقلت وقد غلب علىَّ الغرام فأنا في هذه الساعة أكسر هذه القبة التي عليها النقش المكتوب لعل العفريت يجيء حتى اقتله فاني موعود بقتل العفاريت، فلما سمعت كلامي من اصفر لونها وانشدت تقول: يا طالباً للفراق مهلاً وخيله سبق عتاق أصبر فطبع الزمان غدر وآخر الصحبة الفراق فلما سمعت شعرها لم التفت لكلامها بل رفست القبة رفساً قوياً وادركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.. في الليلة الثالثة عشرة: قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد ان الصعلوك الثاني قال: - لما رفست القبة ما شعرت إلاَّ والاقطار قد اظلمت وارعدت وابرقت وتهزهزت الارض وأطبقت الدنيا وقلت للصبية - ما الخبر؟ قالت: إن العفريت قد وصل إلينا اما حذرتك من هذا والله لقد آذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي جئت منه فمن شدة خوفي نسيت نعلى وفأسي فلما طلعت درجتين إلتفت لانظرهما فرأيت الارض قد انشقت وطلع منها عفريت ذو منظر بشع وقال: - ما هذه الزعجة التي ازعجتني بها فما مصيبتك؟ فقالت: ما اصابني شيء غير ان صدري ضاق فأردت ان اشرب شرابا يشرح صدري فنهضت لاقضي اشغالي فوقعت على القبة.. فقال لها العفريت: تكذبين يا فاجرة ونظر في القصر يميناً وشمالاً فرأي النعل والفأس فقال لها ما هذه الامتاع لإنسى من جاء اليك؟.. فقالت: ما نظرتهما إلاَّ في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك.. فقال العفريت: هذا كلام محال لا ينطلي علىَّ.. ثم انه عراها وصلبها بين اربعة اوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن على ان اسمع بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف.. فلما وصلت إلى اعلى الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب كما كان وندمت على ما فعلت غاية الندم وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي معه خمس وعشرون سنة وما عاقبها إلاّ بسببي وتذكرت ابي ومملكته وكيف صرت حطاباً فقلت هذا البيت: إذا ما اتاك الدهر يوماً بنكبة فيوم ترى يسراً ويوم ترى عسراً فمشيت إلى ان لقيت رفيقي الخياط فلقيته من اجلي على مقالي النار، وهو لي في الانتظار. - يتبع -