إنتهت أزمة الصياد مع العفريت بعد أن وعد العفريت فأطلقه مجدداً من القمقم النحاسي الذي عثر عليه في البحر مسدوداً بسدادة رصاصية عليها ختم النبي سليمان، وقد وعده الجني أن يحسن إليه فاقتاده الى بحيرة وأمره أن يلقى فيها بشبكته وقد فعل.. فاستخرج منها سمكاً عجيباً ملوناً «أربع سمكات» ونصحه العفريت بأن يحمله ويقدمه الى الملك وحمل الصياد هذا السمك العجيب الى الملك فتعجب الملك غاية العجب لأنه لم ير في عمره مثله، وهنا نورد نص ألف وليلة وليلة- لم ير مثله صفة وشكلاً فقال الملك: ألقوا بهذا السمك للجارية الطباخة وكانت أهداها له ملك الروم منذ أيام قريبة وهو لم يجربها في طبيخ فأمرها الوزير أن تقليه ثم رجع الوزير بعد أن أوصاها فأمره الملك أن يعطي الصياد أربعمائة دينار فأعطاه الوزير إياها فأخذها في حجره وتوجه الى منزله لزوجته وهو فرحان مسرور ثم اشترى لعياله ما يحتاجون إليه.. هذا ما كان من أمر الصياد، وأما ما كان من أمر الجارية فإنها أخذت السمك ونظفته ورصته في الطاجن ثم أنها تركت السمك حتى استوى وإذا بحائط المطبخ قد انشقت وخرجت منها صبيَّة رشيقة القد، أسيلة الخد، كاملة الوصف، كحيلة الطرف، لابسة كوفية من خز أزرق وفي أذنيها حلق، وفي معصميها أساور، وفي أصابعها خواتم بالفصوص المثمنة، وفي يدها قضيب من الخيزران فغرست القضيب في الطاجن وقالت: يا سمك، يا سمك، هل أنت على العهد القديم مقيم؟ فلما رأت الجارية هذا غُشي عليها وقد أعادت الصبية القول ثانياً وثالثاً فرفعت السمكات رؤوسها من الطاجن وقالت: نعم.. نعم.. ثم قالت هذا البيت: إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا وإن هجرت فإنا قد تكافينا فعند ذلك قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحم حائط المطبخ ثم قامت الجارية فرأت الأربع سمكات محروقة مثل الفحم الأسود وإذا الوزير واقف على رأسها وقال لها هات السمك للسلطان، فبكت الجارية وأعلمت الوزير بالحال وبالذي جرى فتعجب الوزير من ذلك وقال: ما هذا إلا أمر عجيب ثم أنه أرسل الى الصياد فأتوا به إليه فقال له: أيها الصياد لابد أن تجئ لنا بأربع سمكات مثل التي جئت بها أولاً.. فخرج الصياد الى البركة وطوح الشبكة ثم جذبها وإذا بأربع سمكات فأخذها وجاء بها الى الوزير فدخل بلها الوزير إلى الجارية وقال لها: قومي وأقليها أمامي حتى أرى هذه القضية، فقامت الجارية وأصلحت السمك ووضعته في الطاجن على النار، فما استقر إلا قليلاً وإذا بالحائط قد انشق والصبية قد ظهرت وهي لابسة ملبسها وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت: يا سمك، يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم؟.. فرفعت السمكات رؤوسها وأنشدت هذا البيت: إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا وإن هجرت فإنا قد تكافينا وفي الليلة السابعة قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه لما تكلم السمك قلبت الصبية الطاجن بالقضيب وخرجت من الموضع الذي جاءت منه والتحم الحائط كما كان، فعند ذلك قام الوزير وقال هذا أمر لا يمكن إخفاؤه عن الملك ثم أنه تقدم الى الملك وأخبره بما جرى أمامه.. فقال الملك لابد أن أنظر بعيني فأرسل الى الصياد وأمره أن يأتي بأربع سمكات مثل الأولى وأمهله ثلاثة أيام، فذهب الصياد الى البركة وأتى بالسمك في الحال فأمر الملك أن يعطوه أربعمائة دينار ثم التفت الى الوزير وقال له: سوِّ أنت السمك ها هنا أمامي فقال الوزير: سمعاً وطاعة فأحضر الطاجن ورمى فيه السمك بعد أن نظفه ثم قلبه وإذا بالحائط قد انشق وخرج منها عبدا أسود كأنه ثور من الثيران أو من قوم عاد وفي يده فرع من شجرة خضراء وقال بكلام فصيح مزعج: يا سمك، يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم؟.. فرفعت السمكات رؤوسها من الطاجن وقال: نعم، نعم.. وأنشدت السمكات ذات البيت الشعري ثم أقبل العبد على الطاجن وقلبه بالفرع الى أن صار فحماً أسود ثم ذهب العبد من حيث أتى.. فلما غاب العبد عن أعينهم قال الملك هذا أمرلا يمكن السكوت عنه لابد أن هذا السمك له شأن غريب. «يتبع».