عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي للنشر صدر كتاب (في ذكرى الغابة والصحراء) للشاعر محمد المكي ابراهيم احد مؤسسي المدرسة الشعرية (الغابة والصحراء) إلى جانب المؤسسين الآخرين من الشعراء الدكتور محمد عبد الحي والشاعر النور عثمان ابكر والشاعر يوسف عيدابي. وقد أثارت مدرسة الغابة والصحراء جدلاً نقدياً كبيراً منذ تأسيسها في اوائل الستينيات وحتى الآن. وقد اعتبر نقاد هذه المدرسة ان القصيدة التي تمثل «منفستو» هذه المدرسة هي قصيدة «سنار» للشاعر محمد عبد الحي التي نشرت في مطلع الستينيات. وأهم ما يجئ في هذا الكتاب الذي كتبه الشاعر محمد المكي ابراهيم (في ذكرى الغابة والصحراء) اذ يقول المؤلف في صفحة «9» تحت عنوان: (اربعون عاماً على الغابة والصحراء).. (مضت اربعون عاماً على مولد الغابة والصحراء كتيار في الادب السوداني وفي الشعر بالذات، واذ يلتفت المرء إلى الوراء ناظراً في ملابسات الولادة والنشوء لهذا التيار الادبي، فان ما يسترعى النظر هو تمدده السريع ثم اندثاره السريع في صحراء القبول المتعجل والرافض المتعجل الذي يميز الممارسة الثقافية في السودان. فبعد المناوشات الأولى مع رافضيها بدأ وكأنها قدلامست شغاف القلب من الكثيرين وشجعتهم على البوح بدواخلهم كمهنيين يغالطون واقعهم وينسبون انفسهم إلى عرق يريدهم ولا يريدهم فهو يراهم في بعض الاحيان اضافة الى العد والموارد واحياناً يرى في انتمائهم إليه ازراء به وتحقيراً. وزاد من مظهرية القبول تلك الدعوات التي برزت الى الوجود منتحلة لباس الغابة والصحراء أو ملتبسة بها دون ان تأتي بجديد او تقدم اضافة للفرضية الاساسية وفي هذا الصدد بالذات لم يحفل احد من مبدعي الحركة بالاحتجاج أو المغالطة باعتبار ان الغابة والصحراء هي اصلاً دعوة فنية لانتاج ادب وفن يعبران عن حقائق وجماليات سودان يعي ذاته ويحبها. أما حين يخرج الموضوع من نطاق الادب ويذهب الى مجالات الاجتماع والانثربولوجيا ودراسات الهوية فانه يكون عندئذ متروكاً لطارقيه. لم تكن الغابة والصحراء معادلة من معادلات الجبر، او نموذجاً من نموذجيات الاقتصاد، وأنما كانت اعترافاً بالغ البساطة بحقيقة متناهية الوضوح، هي الهجنة العرقية للسودان الاوسط ووقوعه في منطقة التنازع بين ثقافة عربية ودم أفريقي. وهي حقائق تعيش على السطح في سيماء السحن والوجوه التي تشير جميعها الى شعب افريقي الاعراق تبني ثقافة شرقية . والوجه الآخر لنفس العملة يرينا شعباً عربياً اندمج في الاعراق الافريقية وطرأت عليه تغييرات مهمة ولكنه ظل محافظاً على العناصر الاكثر بروزاً في ثقافته وخاصة معتقده ولغته. ويتطرق الكاتب الى محاور متعددة في تنويعات الموضوع ويدرس الحرب بين الشمال والجنوب. وينفي الكاتب عن ان المدرسة لم تأخذ من كتابات المستشرقين ويستشهد برواية «الحنق» لكاتبها شوقي بدري. ثم يدلف المؤلف الى عنوان جانبي «عرب متأفرقة أم افارقة مستعربون». ويستمر الكاتب في مناقشة المحاور الاخرى منها دور الثقافة في تحديد مدلول الهوية، كما يقف عند ثقافة السودان المعاصر. وبعد هذا كله يدلف الكاتب إلى التاريخ الشخصي للغابة والصحراء.