أصداء من تاريخ ثري وواقع متنوع المشارب أتاحه معرض «مختارات من الفن السوداني المعاصر»، الذي شارك فيه 12 فنانا سودانيا، بعضهم مقيم بالسودان وبعضهم يعيش في الخارج؛ في أميركا وفرنسا ومصر. الفنان التشكيلي السوداني محمد عبدالله، منسق المعرض المقيم في الكويت، أن فكرته بدأت بمبادرة من معرض بوشهري أسوة بما قدمه من قبل من معارض للفن السوري والمصري والايراني. وقال عبدالله: إن هذا الجمع من الأعمال هو غير مسبوق في الكويت، وهو يجمع مخضرمي التشكيل السوداني من أمثال عمر خليل، إضافة إلى الشباب من أمثال معتز الإمام. الناس والأرض ربما كان الخيط الجامع للأعمال المعروضة هو إعادة صياغة رؤية تشكيلية إنسانية للأرض والناس لموروث الثقافة والدين واللغات، ومن ثم جاء الكثير من اللوحات مفعما بالتفاصيل الدقيقة، وبقدر وحدة العمل في تلقيه للوهلة الأولى، بقدر ما تأتي الرؤية الثانية والثالثة لتدهشك بتعدد الرموز والزخارف والحكايا التفصيلية، لتعبر عن زخم ماض يعيش بكل أصدائه في اللحظة الحاضرة. ربما كانت تجربة عمر خليل هي الأكثر عصرنة وتجريدا (هو العائش في أجواء ما بعد الحداثة)، سواء لوحات الأبيض والأسود من أعمال الحفر، أو لوحات الكولاج، التي قال عنها أدونيس ذات مرة: «إن خليل لا يتخذ من الواقع إلا بعض أطيافه، ممثلة في بعض الأشياء المادية العرضية، لا المجرد ولا المحسوس، بل الخيوط التي تنسجها الذاكرة المبطنة بالحلم، والتي تجمع بينهما في تآلف، يرمي كل منهما في أحضان الآخر مساحة من الرماد الأسود الأبيض، محفوفا بهالات الضوء والظل. لا تزول عن المحسوس ملامح المرئي، ولا يفقد المجرد علامة اللامرئي، ماء كأنه السراب، سراب كأنه الماء». بساطة واختزال وتعتمد لوحات راشد دياب على العناصر المحلية، المكان واللون والبشر، وبتكوين غاية في البساطة والاختزال، يضعنا دياب في قلب اللوحة تماما مثلما تظهر كتلة الرموز، مثل جزيرة في مجرى النهر، أو يتكئ البشر على ظلالهم المبتعدة في حمرة رمال الصحراء. ويستضيف المعرض لوحات الفنان حسن موسى المقيم في فرنسا، حيث يعرض بعض لوحاته التي ساهم بها في كتاب الأديبة هدى الشوا «دعوى الحيوان ضد الإنسان». كما يقدم لوحة شديدة الدلالة في تهكمها على علاقة الارهاب الديني بصور الحداثة. خبرة مختلفة أما لوحات التشكيلي محمد عبدالله عتيبي، فتعتمد على ما يشبه تداعي الأفكار. إنه مأخوذ بالطبيعة والمرأة الاسطورة والنص الديني، وهو ما يمثل تعدد انتماءات الفنان والتراث البصري والمعنوي الذي يقف خلف رؤيته. تكوين متميز بالزخم تداخل في الأشكال والاشارات المتعددة في جدل مدهش. بين الحس الأفريقي في أعمال نعمان فارس، وطزاجة التكوين الشعبي الأسطوري في أعمال أحمد عبدالعال، موشور واسع تمر خلاله الخبرة الجمالية التي يفصح عنها هذا المعرض.