كثيراً ما تتسبب رقاع الدعوة للمناسبات الاجتماعية في قدر لا يستهان به من المرارة والحساسية، عندما يسقط اسم هذا الشخص أو تلك الأسرة سهواً أو عمداً من قائمة المدعوين، سقوط غالباً ما يتحول إلى فجوة اجتماعية ونفسية كبيرة بين أصحاب الدعوة ومن سقطوا من حسابات رقاعها، على اعتبار أن هؤلاء ربما يشعرون بغصة جراء التجاهل تدفع بهم لاتخاذ موقف بعدم المشاركة ولو تمت دعوتهم لاحقاً عقب تقديم عبارات التبرير والاعتذار. لكن، جلد المرء في السياسة أكثر سمكاً من جلده في الحياة الاجتماعية على ما يبدو، فبينما يرفض الشخص في الحياة الاجتماعية غالباً الدعوة عندما تأتي متأخرة أو تأتي من النوافذ والأبواب الضيقة، لا يجد السياسيون حرجاً في الدخول من باب ضيق أو نافذة للمشاركة في تفاصيل الحياة السياسية سواء كانت تشكيل حكومة جديدة، أو وضع دستور جديد، أو حتى الحصول على مقعد في طاولات التفاوض، على غرار ما فعل تحالف المعارضة عندما نقلت الزميلة (الصحافة) عن فاروق أبو عيسى رئيس سكرتارية تحالف المعارضة قوله الأسبوع الماضي، إنه طلب من سفير جنوب أفريقيا بالخرطوم نقل رغبة المعارضة في دخول المفاوضات إلى الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي، ليمثل التحالف الشعب السوداني المغيب بحسب أبو عيسى، ما اعتبره البعض محاولة من جانب المعارضة لممارسة (الضهب) السياسي في غرف المفاوضات، فيما يؤكد آخرون أن تحالف المعارضة مثله مثل المؤتمر الوطني تماماً (سيد بيت)، باعتباره كياناً سياسياً يضم أحزاباً تاريخية ويمتلك نسبة تأييد تكبر أو تصغر بين السودانيين ، ويحق له بالتالي الوجود في طاولة التفاوض التي سيحدد ما يبرم على ظهرها من صفقات مستقبل البلاد. (الضهب)، مفهوم شعبي في اللغة الدارجة قريب الصلة بمفهوم الطفيلي في التراث والكلاسيكيات العربية، فالطفيلي هو الرجل الذي يمضي حياته في مطاردة الولائم والمآدب دون تلقي دعوة مسبقة بحثاً عن إشباع شهوة البطن، أما (الضهب) فقد إرتبط بمن يترصد الحفلات الغنائية الراقصة ويدخلها دون دعوة مسبقة، بحثاً عن الفرجة والطرب ووجوه الحسناوات. دخول المعارضة في المفاوضات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، لا غبار عليه من الناحية النظرية، ولو كمراقب يجلس على مقاعد المتفرجين بغرض المتابعة وإضفاء الزخم، لكن تحول ذلك الطلب المقبول نظرياً إلى كرسي أو أكثر تخصص لتحالف المعارضة على طاولة المفاوضات يبدو هدفاً عسير المنال، فالطلب قدمه أبو عيسى لسفير جنوب أفريقيا، ما يعني أن نقله فعلياً للوسيط أمبيكي موضع تساؤل، فضلاً عن أن المعارضة السياسية في الخرطوم ليست واردة في حسابات المجتمعين الإقليمي والدولي كما كشفت خارطة الطريق الأفريقية، ومن بعدها قرار مجلس الأمن الدولي، ولم تشر كلا الوثيقتين إلى المعارضة السياسية في الخرطوم أو جوبا، بل أشارت إلى طرف مسلح هو الحركة الشعبية قطاع الشمال، ما يعني أن المجتمع الدولي والوسطاء لا يفسحون مجالاً في وثائقهم وطاولات تفاوضهم إلا لمن يحمل السلاح سواء كان حكومة او حركة متمردة، ولا يلتفتون إلى الأطراف التي تخلو أياديها من السلاح. اسم المعارضة، لم يسقط من رقاع دعوة مفاوضات أديس أبابا وحدها، بل سقط من رقاع الدعوات في مناسبات تفاوضية كثيرة، مثل مفاوضات أبوجا، ومفاوضات اتفاقية سلام الشرق، وفي المناسبة التفاوضية الأهم: اتفاقية السلام الشامل، وسبق لغازي صلاح الدين رئيس مفاوضي الحكومة في بداية مفاوضات نيفاشا القول في حوار مع قناة (النيل الأزرق) بأن جون قرنق هو من رفض اقتراحاً حكومياً بمشاركة التجمع الوطني الديمقراطي من على مقاعد المراقبين. اسم المعارضة، لم يسقط من كل رقاع دعوات المفاوضات في واقع الأمر رغم أنه سقط من معظمها، فأثناء مفاوضات سلام الدوحة تم توجيه الدعوة إلى عدد من زعماء وكوادر المعارضة للمشاركة، ضمن توجه الوسيط القطري لإشراك قطاع واسع من المهتمين وأصحاب المصلحة في عملية التسوية السلمية للنزاع المسلح في إقليم دارفور، ما يجعل ميزان التجارب السابقة لا يميل كل الميل لكفة استبعاد المعارضة ورموز الحركة السياسية من تلك المناسبات التفاوضية ذات الطابع المصيري الذي يؤثر على مستقبل البلاد. دخول المعارضة إلى فندق المفاوضات (شيراتون أديس) وارد إذا توفرت الإرادة السياسية عند الأطراف المعنية كما تقول هالة عبد الحليم رئيسة (حركة حق) ، والقيادية بتحالف المعارضة ، وتعتبر أن قرار مجلس الأمن تجاهل باقي المعارضة وتحدث بمنطق ثنائي حينما أشار للحركة الشعبية في الشمال ولا توجد حركة شعبية في الشمال كتنظيم سياسي، بل يوجد جيش شعبي في الشمال، وتتابع: الحكومة أغلقت باب المشاركة أمامنا، لقد دخلنا في حوار مع المؤتمر الوطني لكننا اكتشفنا أنهم يريدون حل مشاكل السودان ضمن إطار يحددون أجندته وقراراته وخطواته، ولم نقبل بأن نكون تابعين لأننا نريد أن نكون شركاء، وأمبيكي نفسه مجرد أداة ستنفذ قرار مجلس الأمن بشأن المفاوضات المزمعة ويمكنه فقط أن يقترح أشياء للمجلس، لذلك فإن طلب مشاركتنا بمثابة تسجيل لموقفنا السياسي. مطالبة التحالف بتذكرة دخول إلى حفل المفاوضات بأديس، ليست المطالبة الأولى من نوعها، فالعديد من السياسيين والخبراء طالبوا من قبل بالمشاركة في مثل تلك المناسبات التفاوضية المهمة، وقال الراحل د.فاروق كدودة الخبير الاقتصادي في حوار صحفي سابق إنه التقى بعد صلاة جمعة أحد أعضاء وفد التفاوض عقب توقيع بروتوكول قسمة الثروة مع الحركة الشعبية فقال له: (مالكم ما سقتونا معاكم..دا موضوع بمس البلد). الحرص على المشاركة في صناعة مستقبل البلد، والرغبة في تسجيل الحضور السياسي أو المهني، ليسا السببين الوحيدين اللذين يدفعان الإعلاميين والسياسيين والخبراء للبحث عن تذاكر دخول إلى فنادق المفاوضات، ويؤكد البعض أن الأجواء في تلك الفنادق غاية في اللطف، حيث ينتعش البدن وتنتعش الروح وتنتاب المرء حالة صفاء بسبب حسن المكان والوجوه وجودة الطعام والشراب، فضلاً عن تلك النثريات والمكافآت والحوافز الدولارية المريحة التي يجنيها من يفوز بمقعد على طاولة مفاوضات، عوائد مكنت أحد المشاركين في مفاوضات أبوجا من شراء قطعة أرض سكنية درجة أولى في العاصمة، بعدما زاد على المكافأة قليلاً من جيبه.. فيما أكد أحد الزملاء الإعلاميين أنه أتم مراسم زواجه ببركة تلك الدولارات. ممارسة (الضهب) السياسي داخل فندق شيراتون أديس ليس الهدف كما يؤكد التحالف، ويقول فاروق أبو عيسى رئيس سكرتارية التحالف ل (الرأي العام): ليس في بالنا أننا سنركب الطائرات ونجلس في قاعة المفاوضات في فنادق أديس أبابا، ونعرف أن الطرفين لن يقبلا بذلك، ونحن لن نجري خلفهما ونقدم لهما طلبات المشاركة، بل نمارس حقنا في صناعة مصير بلدنا، ولا يهمنا حضورنا داخل الفنادق بقدر ما يهمنا حضور رؤيتنا في حل الأزمة، ونقلنا هذا لأحد مساعدي أمبيكي خلال زيارته الأخيرة للخرطوم، ونقلناه لسفير جنوب أفريقيا، ويتابع أبو عيسى: نحن سعداء بوقف مدافع الجانبين في الوقت الراهن لأن هذا يحقن الدماء، وسعداء بخارطة الطريق وقرار مجلس الأمن لأنهما يدعمان التهدئة، ولأن المفاوضات بين الجانبين بدأت ثنائية في ناكورا ومشاكوس ونيفاشا، واستمر تنفيذها في الفترة الانتقالية ثنائياً دن إشراك أهل السودان وقعت كل هذه المصائب، وضاع الجنوب ولم نكسب السلام، لذلك لا نريد تكرار تجربة الحلول الثنائية. مفهوم (الضهب) السياسي، يرى البعض أنه ينطبق على مفاوضي الخرطوموجوبا بأكثر مما ينطبق على تحالف المعارضة، فبينما يكتسب طلب أبو عيسي قدراً من المعقولية، يرى هؤلاء في دخول مفاوضي الدولتين إلى فندق (شيراتون أديس) وخروجهم منه مرات عديدة دون الوصول لشيء يذكر، نوعاً من (الضهب) التفاوضي وعشق الجلوس إلى الطاولات دون نتائج محددة.. كما يتسع ذات المفهوم الشعبي ليطال مندوبي كثير من الدول الكبيرة والصغيرة التي حجزت لنفسها مقاعد دائمة في طاولات التفاوض بين السودانيين.. ما يعتبره هؤلاء نوعاً من (الضهب) الدبلوماسي من جانب تلك العواصم..!