وسيجري طه مباحثات مهمة مع القيادة الليبية تتعلق بالعلاقات الاستراتيجية الجديدة بين الخرطوم وطرابلس وأبعاد الوضع الاقليمي العربي والأفريقي والعمل على تنسيق المواقف، خاصة وأن الشهر المقبل سيشهد انعقاد القمة الافريقية، وتأتي الزيارة التي يأتي ترتيبها رابعا في سلسلة زيارات المسؤولين السودانيين الرفيعين بعد انهيار نظام القذافي، حيث شهد مطلع يناير الماضي زيارة مهمة للرئيس عمر البشير إلى ليبيا في توقيت مهم للسودان، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي شهدها السودان في أعقاب الاعتداء الذي شنته دولة الجنوب على منطقة هجليج وسعيها لتأزيم الوضع الاقتصادي للسودان الذي تأثر كثيرا بعد انفصال الجنوب، اضافة الى إيوائها ودعمها لحركات التمرد في دارفور مما يستدعي رفع سقف التوقعات بأن بحث الملفات الاقتصادية وتعزيز الجانب الامني بين البلدين يشكل في الغالب أولوية للزيارة. ولعل زوال حكم معمر القذافي الدراماتيكي بعد قيام ثورة الشباب الليبي، طوى صفحة كان طابعها التأرجح في العلاقات بين السودان وليبيا حيث شكلت شخصية القذافي خلال فترة الاربعين سنة التي حكم فيها ليبيا العامل الرئيس في اتجاهات العلاقة سلبا وايجابا، ومثل عاملا مهما في مواسم تقلباتها بين التحالف والخصومة الشديدة، وتجدر الاشارة هنا الى ان التجربة السابقة في نهج القذافي خلقت نمطا لواحدة من اكثر العلاقات غرابة بين الدول، وكان القذافي حينما تكون العلاقة بين الخرطوم وطرابلس وردية في ظاهرها يستبطن في الداخل حالة عميقة من التباغض والايذاء للسودان، وقد درج خلال الفترة الاخيرة لحكمه على صب الزيت على الحرب في دارفور مستغلا بعض سماسرة الحروب في المنطقة. وشكلت الاطاحة بحكم القذافي وغيابه عن المشهد الليبي والاقليمي، عاملا مهما في مستقبل العلاقات بين السودان وليبيا بعد ان كانت متأرجحة وتتأثر بالطبيعة الشخصية للقذافي المتناقض في مواقفه مع السودان، ويرى مراقبون ان تناقض القذافي يبرز بوضوح في مواقفه من الحرب بين الشمال والجنوب ومطالبة الاخيرة بالانفصال اضافة الى مواقفه من الحركات المتمردة في دارفور ودعمه غير المنكور وايوائه لكل الحركات المتمردة، ففي الوقت الذي كان يدعو فيه القذافي لوحدة القارة الافريقية ويحث قادتها على الغاء الحدود وتشكيل حكومة موحدة، لم يمنعه ذلك من تشجيع الجنوب علنا على الانفصال، وبعد زوال نظامه الذي تأذت منه كل الدول الافريقية، خاصة دول الجوار التي كان للسودان نصيب الاسد في التأذي منه، حرص السودان على مساعدة الحكومة الليبية المؤقتة في الاستقرار وكان من اوائل الدول العربية والافريقية التي سجل مسؤولوها زيارات رسمية. ويرى مصدر حكومي أن الاوضاع في دارفور هدأت الى حد كبير بعد سقوط نظام القذافي رغم انه زود بعض الحركات في ايامه الأخيرة بالاسلحة الثقيلة، وعلى الرغم من ان الاوضاع الجديدة فى ليبيا لم تكتمل عافيتها تماما حتى الآن ولم يستتب الامن في كل اقاليمها بعد، وأن الاولوية للحكومة المؤقتة حتى الآن ما زالت منصبة باتجاه تحقيق الامن والاستقرار، الا ان النظام الجديد في ليبيا ممثلا في رئيس المجلس الوطني المؤقت مصطفى عبد الجليل، حرص هو الآخر على ترميم علاقاته الاستراتيجية المهمة مع دول الجوار الليبي والتي يآتي السودان في مقدمتها، من خلال الزيارة التي قام بها خلال الفترة الماضية للسودان ومشاركته في فعاليات المؤتمر التنشيطي الثالث للمؤتمر الوطني واجرائه لمباحثات مع الرئيس عمر البشير وكبار المسؤولين بالدولة. الشواهد تشير الى ان الوضع الاقتصادي في ليبيا تحسن الى حد كبير وان انتاج النفط الليبي وتصديره زاد وبدأت القيود الخارجية تنفك عن ليبيا، وان الاقتصاد الليبي بدأت تدب في اوصاله العافية، وقد كان السودان اكثر حرصا على ان يعود الاستقرار والامن الى ليبيا، ويجب التذكير بان معظم الفترة التي حكم فيها القذافي لم يحتفظ السودان فيها بأية علاقات اقتصادية ذات بال رغم الوعود الكثيرة، وفي هذا السياق تأتي زيارة طه اليوم الى ليبيا، وقد تحظى ملفات الامن والاقتصاد والسياسة بنقاشات رفيعة بين الجانبين لتعزز فرص التعاون والتكامل وتفسح المجال امام العمالة السودانية المقننة في ليبيا.