لأول مرة ازور طرابلس بعد زوال كابوس القذافي حيث تشرفت برفقة الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية في زيارته التي استغرقت يومين الاحتفاء بالسودان والسودانيين كان حاضراً في ملامح الليبيين رسميين وشعبيين فذاكرة طرابلس ما زالت تمور بعرفان جليل للخرطوم التي ناصرتها وآزرتها ودعمتها حتى نجحت الثورة وتحقق النصر العزيز. العلاقات السودانية الليبية تشهد انفتاحاً واستقراراً علي الأصعدة كافة لذا فإن المراقب يجد صعوبة في تكييف الأجندة التي حكمت طبيعة الزيارة وهي تتنوع بين السياسة والأمن والاقتصاد ولعل تكوين الوفد يشير الي هذه الميزة في تطورات العلاقة بين الخرطوموطرابلس وانفتاحها علي كثير من المصالح والاستراتيجيات الكبيرة. توقيت الزيارة كان يحمل كثيراً من المعاني القائلة أن السودان مهتم جداً بتطورات التجربة الديمقراطية في ليبيا إذ تبقي حوالي (24) يوماً علي قيام الانتخابات وقد كانت تصريحات النائب الأول في طرابلس تعبر عن مدي الاهتمام الذي توليه القيادة السودانية لمسار التجربة الليبية وما ستحققه من نتائج تصب في معادلة البحث عن ليبيا الآمنة والموحدة والمستقرة والمؤهلة لأداء دورها في المحيط العربي والإفريقي والإسلامي كما أن تطورات الأحداث في السودان في أعقاب استعادة هجليج وتأثيرات هذا التطور علي الأوضاع الاقتصادية أمر يستلزم أن تحاط به القيادة الليبية كذلك في سياق حرصها علي تماسك واستقرار الأوضاع في السودان. فالعلاقات السودانية الليبية تصلح بعدما شهدناه وسمعناه في هذه الزيارة ان تكون أنموذجاً للوشائح الراسخة القائمة علي التنسيق في المجالات السياسية والأمنية وتوسيع دائرة التعاون التجاري والاستثماري وتعزيز روابط البني التحتية عبر الطرق والمشروعات ذات العائد الاقتصادي للبلدين. كما أن السودان وليبيا يلزمهما الخروج من إطار التعاون الثنائي الي التفكير في تعزيز التعاون العربي الأفريقي من خلال تنسيق الجهود لدفع مسيرة الاتحاد الإفريقي وعبر تنشيط منظمة الساحل والصحراء حتى تكون أنموذجاً للتعاون العربي الإفريقي. ليبيا كذلك ما زالت تنتظر أدواراً كبيرة للسودان الذي ساعدها في إسقاط نظام وتنتظر مساهمة الكفاءات السودانية في تعزيز التجربة السياسية والتطورات الدستورية خاصة وان قدر السودان قد جعله منتجاً لتجارب قد يستفيد منها الآخرون في مجال الانتخابات لليبيا مثلا ، وفي تجربة استلام السلطة من المجلس العسكري بعد الديمقراطية وهذه وصفة تصلح للشقيقة مصر كذلك. توقيت مباحثات الأستاذ علي عثمان في طرابلس حقق قيمة معيارية لأهمية علاقات البلدين فطرابلس الخارجة للتو من رهق النضال تحتاج الي كثير من الوصفات السودانية لترسيخ تجربة الحكم وتحقيق التحول السياسي والديمقراطي والخرطوم المثقلة بهموم الانفصال تحتاج الي أن تكون في أولويات ليبيا وهذا ما لمسناه من خلال تصريحات المسؤولين في البلدين. غداً نكتب تفصيلاً عن مباحثات اليومين في طرابلس ونحكي عن العاصمة الحصينة وعن جدرانها المشبعة بحبر النضال ورصاص الثوار وعن ملامح ناطقة بالشكر والعرفان للسودان والسودانيين. نقلا عن صحيفة الرأي العام 13/6/2012