وهذه البنت المحظوظة -اي بنت الجيران - رصدت الدراما المصرية منذ القدم تفاصيلها وتلويحها بالمنديل لابن الجيران ،وكذلك هو الذي لايبرح شباك غرفته المطلة على بلكونة الجيران . وقد حدثنا الزميل عادل الشوية وفي حوار مع الفنان حسين فهمي اعترف له فيه ان اول من طرقت باب قلبه هي بنت الجيران التي ما زالت في خياله صورة من تلك الحكاية. (يامعاين من الشباك يا احلى زول شفناك) وهذه العلاقة الخاصة وجدت خصوصية اكثر في الاسر السودانية التي لافرق فيها بين البيت وبيت الجيران منذ (النفاج) مرورا ب(الطاقة) و باب (النص) ، وحتى ال(بلكونة) وتبدأ علاقة الجيرة هذه بالالف الاسري. او كما قال المغني الشعبي: انا المامون على بنوت فريقو او: ان طلعت القمرا الخير ياعشاي تودينا لي اهلنا بسألوك مننا وعلاقة الاخوة والملازمة التي وصلت الى حد الامان والاطمئنان الاسري عندما كانت البنت تذهب الى الحفلات برفقة ود الجيران ، تطورت الى علاقات اخرى قد تكون هي التي جعلت المغني واجفا: كل مايدق الباب اقول دا واحد شاب جاء يخطبك ياجار وتحفظ ذاكرة الاغنية السودانية كثيرا من علاقات الجيرة التي تحولت الي حب، ربما اشهرها قصة الشاعر الرقيق السر دوليب وحبه بنت الجيران(نعومة) التي صارت من اشهر الاغنيات في الذاكرة السودانية ، وكانت اول تجاربه العاطفيه واول قصائده الشعرية ، واشار دوليب في حديثه مع (الرأي العام) ان العلاقات العميقة بين الاسر السودانية هي التي تجعل من بنت الجيران اخت في المرتبة الاولى ومشروع زوجة بعد بنت العم في الاولوية . وعن تجربته الشخصية قال ان نعومة كانت عتبته الاولى ولم يعترف وقتها بالقصيدة ذائعة الصيت مشيرا الى ان نعومة واخواتها هن من قاموا بتلحينها . وبنت الجيران في حياة عدد من المبدعين محطة اساسية وان لم يفصحوا عنها كما اوضح التيجاني حاج موسى ، فهي ملهمة و قصيدة خاصة عند الشعراء وربما هي موضوع لوحات لعدد من التشكيليين ، وحكى التيجاني انه كتب قصائد في بنت الجيران خصوصا وانها كانت تقاربه في العمر وربطت بينهما مشاعر كانت يتوق كل منهما الى النهاية الجميلة، لكن جاء صاحب النصيب وخطفها وجاءت (باب الريدة وانسدة)، واشار التيجاني الى ان المجتمع كان يضع قداسة خاصة لبنت الجيران حتى صبغت صفة الاخوة(امشي مع اخوك فلان) ، الا ان بعض الجيران الانتهازيين اغتنموا فرصة اللقاء المتاح : وصوني احب لي سابع جار وانت اول جار اي انه الاولى بهذا الحب ، بعد ان خرجت العلاقة الى حيز الاعتراف ماجارتنا وبت حارتنا وبنريدا وكانت (احلى جارة) الا ان تطور الحياة وتعقيداتها ، والخروج للعمل والدراسة واستيعاب المدن لوافدين جدد ، هزت اواصر هذه الجيرة المقدسة ،واصبح بالكاد الجار يقابل جاره ولم تعد بنت الجيران هي الاخت والحبيبة والزوجة المنتظرة او اقصى ما يصبو اليه الشاب الجار . وربما لم تعد كذلك الملهمة للابداع والمحفزة على النظم ، وربما جافتها الرسائل وحتى (المسج الصغيرة عبر الموبايل ) ، وربما اصبحت (يابخت الرادو جيرانو خارج الزمن).