لم تستثن رياح التغيير في هبتها حتى اواصر العلاقات الاجتماعية والمجتمعية في بطون الاسر، ولم تعد ابنة العم هي غاية التمني وكذلك ابن العم. وابنة العم حتى وان كانت (عوراء) هي محل تقدير ابن عمها في السابق ،وهو بحكم العادة والعرف مجبور عليها وفق سياسة (غطي قدحك)، وابن العم (مقنع الكاشفات اخو البنات وعشا البايتات) لا فرق عنده ان كانت ابنة عمه جميلة او لا. الآن تغيرت النظرة الى بنات العم؟ ولم يعد الكثيرون يتمنون الزواج من بنات أعمامهم، وغابت سياسة (تغطية القدوح) حتى ان الانتباه لثقافة بنت العم من باب انها اخت تستحق الاهتمام، في طريقها الى زوال ،حتى من باب انها تراث يجب ترقيته اجتماعيا والحفاظ عليه خارج اطار العلاقة القديمة التي تؤدي الى الزواج الجبري. ولعل موجة التغيير المجتمعية لها عدة اسباب اولها تطور العلم الذي قضى بضرورة الابتعاد عن زواج الاقارب لما ينتج عنه من امراض ، اضافة الى ان علاقات الزواج المرتبطة بالقرابة اصبحت تتسبب في الكثير من الخلافات العائلية التي غالبا ما يكون الزواج الاسري من الاسباب الجوهرية فيها ، اضافة الى عدم التكافؤ بين بنت العم وابن عمها التي تنتج عنه فروقات تتسبب في الرفض او صعوبة العيش لاحقا . كما في حالة الاخوين عبدالله وحامد ، حيث اراد ابن الاول الزواج من ابنة الثاني والتي تصغره بعامين (عاصم ) لم يأبه لهذا الفرق الا ان (اجلال) ترددت قليلا قبل ان ترضخ لاصرار عاصم ، الا ان ام عاصم اقامت الدنيا ولم تقعدها عندما سمعت بالنبأ . وكغيرها من الامهات فهي تريد لابنها زوجة جميلة تصغره ، وامام ماقامت به من ثورة لم تحسب تبعاتها تأزمت العلاقة بين البيتين ، حتى صارت (العمومة ) نسيا منسيا ، ولم يحالف عاصم التوفيق في حياته وكذلك اجلال . إلا ان زواج ابناء العم مثلما له دور في شتات الاسر وتفرقتها ،فان له ايضا ثمة دور ايجابي في لم شمل تلك الاسر من جديد كما في حالة (اشرف) سائق ، الذي ارتبط وجدانيا بطالبة في جامعة عريقة ، ورغم الفوارق الاجتماعية والتعليمية الا ان (أمل) ناضلت من اجله وبحسب رأيها ان كل فتاة اذا رفضت شابا بسبب مهنته او تعليمه سيكون هناك خلل مجتمعي ، وكافحت معه من اجل تحسين وضعه ورسما معا خطة لهجرته خارج السودان من اجل وضع افضل يليق بمكانة امل ويبعد عنها ألسنة الناس ، الا ان ثمة مشاكل اسرية نزعت اكتمال هذا التخطيط . وعاد اشرف من هجرته وتزوج من ابنة عمه التي لم يرها اكمالا لصلح تم بينه وبين عمه آثروا تتويجه بهذا الزواج لتعميق اواصر العلاقات ، وكان نصيب امل في نضالها مع اشرف ان اطلق اسم مولودته الاولى على اسمها تخليدا لعلاقة لم يكتب لها الكمال . ربما لكل هذه الاشكالات غابت ثقافة ابن العم وبنت العم وابتعدت الاسر وتفرقت البيوت حتى ان الاجيال الجدد بعضهم لم ير ابنة عمه او ابن عمه ، او هناك من ينظر الى ابن عمه دائما على انه غير مواكب ويجب الاحتراز منه . ويشخص البروفيسور السر دوليب استاذ علم النفس بجامعة الاحفاد حالة التغيرات المجتمعية التي طرأت في شكل العلاقة ، لخروج شكل العلاقات نفسها من مفهوم الاسرة والقبيلة الذي كان سائدا، وكان يحدد الصلة بين الناس خصوصا في الاشياء الكبيرة كالزواج وخلافه . لكن بعد خروج المرأة للجامعة وللعمل، اصبحت لديها فرص اكبر للاختيار. خرجت من الاسرة والقبيلة الى السمات التي تحدد زوج المستقبل وهذا قد يغضب الآخرين . ونادى دوليب بضرورة نبذ الحساسية المتعلقة بالعمومة ، لان رفض الرجل لابنة عمه او العكس يخضع لمتطلبات العصر من دراسة وعمل، وهذا يتطلب ان يؤخذ بعين الاعتبار وان لايكون الحكم وفق الاعراف القديمة . وضم اسر جديدة في العلاقات الاجتماعية بحسب دوليب اضافة تحتاج التشجيع ، هذا اضافة الى ان المرأة والرجل لايمكن ادارتهما الآن حسب رغبات الاهل . علي الرغم من أن العمومة علاقة من الدرجة الاولى، إلا ان الدور التقليدى الذي اطر اليها تاريخيا اصبح غير مرغوب فيه ، وبعد ان كان يمدح اصبحت حتى اغاني البنات تذمه كناية عن الرفض والرفض القاطع وان تسبب في جفاء.