لم تعتريني نشوة الفرحة مؤخرا ، كما اعترتني و انا استمع بشوق الى اعلان فوز الدكتور محمد مرسي ، اول حاكم منتخب في مصر ، بعد ان تصدى لهجمة اعلامية شرسة . ومن كان يصدق وصول ما يعرف بالاسلام السياسي الى سدة حكم ديمقراطي ، بعد ما لاقته جماعة الاخوان المسلمين لمدى اكثر من ستين عاما من معاناة في محاكم التفتيش ، وسجون ما وراء الشمس ، والتعذيب ، والتخوين ، والإعدام لقادتهم ، بعد ان لفقت لهم تهماً ، يجزم الناس بعدم صحتها. ولعله يلزم في هذه السانحة إجترار بعض الاحداث و المواقف التاريخية ، تمحيصا و تحليلا للاستفادة منها والاستدلال بها ، حتى يمكن اتاحة فرصة للتواصل بين الاطر القديمة ، وما استجد في الساحة السياسية . ومن تلك المواقف ما روته المجاهدة المرحومة زينب الغزالي عن ما تعرضت له من اسوأ انواع التعذيب الجسدي والمعنوي ابان الحكم الناصري . و هي المرأة الداعية ، الحكيمة ، والتي أدارت ملجأ للايتام ، و عملت من اجل الفقراء والمحتاجين . و رغما عن ذلك حكم عليها عام 1965 بالسجن 25 عاما ، ثم اطلق سراحها انور السادات عام 1971 مما يثبت ان سجنها كان من اجل الكيد السياسي لا غير . ومن ينسى قامات عملاقة مثل العالم الجليل و القانوني الضليع عبد القادر عودة ، مؤلف كتاب « التشريع الجنائي الاسلامي « الذي اعدم بعد احداث المنشية مع مجموعة من قيادات الاخوان عام 1955 ، فكان اعدامهم ضربة للحركة الاسلامية في مصر ، هدفها التخلص من رموز الاخوان المسلمين . على ان اكثر ما يؤلم و يقزز الابدان ، ما تعرض له قامة من قامات الفكر الاسلامي ، فقد كان سيد قطب بفكره وعقله وقلمه وقوة تأثيره ، شبحاً يهدد النظام الحاكم ، فحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما ، قضى عشراً منها من 1955 -1965 ثم اطلق سراحه ، ليحاكم مرة اخرى بالاعدام عام 1966 . فكتب في سنوات السجن العشر ، معالم في الطريق ، والعدالة الاجتماعية في الاسلام ، وتفسير في ظلال القرآن . وفي ظل الحجر على الكلمة والرأي ، ساعدته زينب الغزالي ، في تهريب ما كتبه خارج السجن ، ليصبح مرجعا يقرأه الناس حتى اليوم . وقد برهن على شجاعته وصموده من خلال اشعاره التي ملأت الآذان : أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود إذا كنت في الله مستعصما فماذا يضيرك كيد العبيد وهو القائل : فإن أنا مت فإني شهيد وأنت ستمضي بفجر جديد أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد هذا نذر قليل جدا من مجاهدات جماعة الإخوان المسلمين في مصر . فهل بالفعل أبيدت جيوش الظلام ؟؟ وهل بالفعل أشرق في مصر فجر جديد . دحر الحاكم المتسلط الذي بطش على مدى ستة عقود كاملة . إن فوزالأخوان في مصر ، ممثلا في حزب ( العدالة والحرية ) ، يفسر موجة الصحوة الإسلامية التي اجتاحت العالمين العربي والإسلامي ، وهو إمتداد لفوز الحركات الإسلامية في تونس ، وليبيا ، واليمن . ومن قبل في فلسطين وتركيا . مع إختلاف المنهج والبيئة السياسية والتي غالبا ما يتبعها اختلاف في طريقة الحكم ، رغم توحد الأهداف والغايات العامة . ولكن السؤال لماذا اكتسب الأخوان المسلمون هذه الشعبية التي جعلتهم يكتسحون الإنتخابات في الدول العربية عامة ومصر خاصة ؟ في تقديري يرجع ذلك لأسباب عديدة : أولا : كما ذكرت الصحوة والوعي الذي نتج من الثقافة والحراك الإسلامي الباعث للعقول والقلوب . ثانيا : عملية النضال المستمر ضد الأنظمة الدكتاتورية مما ثبت في الأذهان أن الأخوان أصحاب قضية وصاحب القضية هو صاحب مبدأ وأخلاق . ثالثا : العمل المنظم لاسيما مع الجماهير العريضة في القاعدة ، والتركيز على العمل الجماعي الإصلاحي ، تعاطفا مع الطبقة الفقيرة ومدها بمعينات الحياة اليومية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية . لقد أسس الإمام حسن البنا حركة الأخوان المسلمين على أساس أنها حركة اصلاحية في المقام الأول وحتى يتحقق ذلك كان لا بد من العمل القاعدي الدؤوب ، وعلى ذلك برز العنصر الأخلاقي السلوكي والذي يعتبر أكثر تأثيرا في الناس . إضافة الى ذلك فإن أهم السمات التي يتصف بها خطاب الحركات الإسلامية هي الإعتدال الفقهي وتجنب التشدد الأصولي ، على سبيل المثال فرغم أن أهداف الحركة الإسلامية أسلمة الدولة والمجتمع ، إلا أن تحقيق ذلك يمكن أن يتم عبر التواصل سلميا مع النظام السياسي ومناقشة الأحزاب الأخرى ، مما يجعل الخطاب المقدم أكثر مرونة . وأكبر إثبات على ما سبق أن الثلاثة عشر مليونا من الأصوات التي نالها محمد مرسي ،لا تتعدى نسبة الأخوان المسلمين المنظمين فيها أكثر من( 30 % ) ، بعبارة أخرى فإن أكثر من ثمانية ملايين( 70% ) ممن صوتوا لحزب ( العدالة والحرية ) هم من خارج نطاق الأخوان المسلمين ، اي من المتعاطفين مع الأخوان ومنهجهم ، ولا ينفي أحد أن جزءاً من تلك النسبة صوتت لحزب العدالة لأنها لا تريد الفريق الآخر الذي يقوده أحمد شفيق الذي إعتبره البعض من فلول الرئيس المخلوع حسني مبارك . ومهما يكن من امر فان توجيه تهم للإسلاميين بارادة الهيمنة و حب الوصاية ونفي الآخر يجعلهم يواجهون بتحديات اهمها ، التأكيد على التعددية سواء في الاطار القومي الوطني ، او الاطار الديني.مع اهمية النظر الى التعددية كظاهرة علاجية وليست مرضية لان تعدد الفكر فيه متسع للاختيار وبالتالي متسع للحوار الايجابي . ورغم ان الرئيس المصري محمد مرسي سيقدم استقالته من حزب العدالة والحرية ، إلا انه في إعتقادي أن الاستقالة لا تعني التخلي عن ايدولوجيته الاسلامية ، وبالتالي فمن المؤكد استهداؤه بتوجيهات حزبه السابق، في اطار الممكن والمعقول ، واضعا في اعتباره الملايين من الذين صوتوا له والذين لم يصوتوا له.. وطالما ان الرئيس اصبح ممتلكا للرؤية والقدرة، فلا بد من بلورة حوارات تستوعب الآخر ، او بعبارة اخرى تستوعب الاختلافات الفكرية و الدينية ، في ظل وجود عدد من الاحزاب اليسارية والعلمانية من جهة ، ونسبة من الاقباط تصل الى عشرة ملايين مواطن من جهة اخرى ، مما يحتم افساح مساحة معتبرة في الدستور لقضايا مثل المواطنة والحرية والمساواة . وأخيراً .. ليت حركتنا الاسلامية في السودان صبرت وصابرت ، لتتوج ذلك بديمقراطية تمد يدها للجميع ، لكن يبدو ان وسائل الوصول الى السلطة اختلفت الى درجة الاختلال المرير ، ورغما عن ذلك ترى هل سنستفيد من الدروس والعبر حتى لا تكون الخسارة أكثر فداحة ؟